◄موضوع الابتلاء للأنبياء يُقسم في ثلاثة اتجاهات: أوّلهما، الابتلاء بالتكذيب والصبر عليه، والثبات حتى الانعام الإلهي على الأنبياء بالنصر، كما كان الحال مع إبراهيم ولوط ونوح. ثمّ الابتلاء بعلو دنيوي كبير من خلال الملك ومظاهره كما كان الحال مع النبي داود وسليمان، اللذين قدما شكرهما لله تعالى على نعمه، من تسخير للجبال والطير مع داود في التسبيح، والريح لسليمان، وتسخير الشياطين له للغوص، وأعمال أخرى دون ذلك. وأخيراً، أشرنا إلى الابتلاء بمصاعب ومحن والصبر عليها. وهذا ينطبق الآن على أيوب، وإسماعيل، وإدريس، وذي الكفل، وزكريا من الأنبياء (عليهم السلام)، ثمّ على السيدة مريم بنت عمران التي أحصنت فرجها.
إنّ أوّل نبي ركزت عليه السورة في مجال الصبر على المكاره في الجزء التالي منها هي أيوب، ولكن لإظهار مدى صبره، ويستحسن أن نحضر الآن نبذة عن حياة هذا النبيّ كما وردت في كتب التفاسير. في هذا الصدد، يقول الدكتور وهبة الزحيلي في "التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج" بأنّ أيوب هو "أيوب بن انوص، وأُمّه من ولد لوط (ع)، وكان (ع) روميا من ولد اسحق بن يعقوب (عليهم السلام)... اتاه الله النبوة، وبسط عليه الدنيا، وكثّر أهله وماله، فكان له سبعة بنين، وسبع بنات، وذلك تعويضاً عما ابتلاه الله من محنة في نفسه إذ مرض مدة طويلة هي ثماني عشرة سنة أو ثلاث عشرة سنة أو سبع سنوات ونيف، على حسب الروايات، ولكنه مرض غير منفر للناس، لأنّ الأنبياء يتصفون بالسلامة من الأمراض المنفرة طبعاً. وابتلاه الله أيضاً في أهله بذهاب ولده، فهدم عليهم البيت، فهلكوا. وابتلاه كذلك في ماله بذهابه وفنائه، وكان رحيماً بالمساكين، ويكفل اليتامى والأرامل ويكرم الضعيف"[1]. وبتلك الخلفية، عن حياة أيوب، ندخل الآن في تفسير الآيتين التاليتين عنه:
(وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) (الأنبياء/ 83-84).
إنّ آية (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)، تظهر حال البلاء والشدة والمعاناة التي ألمت به. فإنّ تعبير "مسني الضر" يشير إلى ألم داخلي مسيطر على نفسه، بحيث أتعب فؤاده، وأضعف جسده، وأنهكه، ولكنه لم يفقد الأمل. فالله تعالى، الذي كتب على نفسه الرحمة، ويحمي الضعف... فيعطف على المريض ويشفيه إن لجأ إليه.. ويرأف بالمصاب بولده لو استغاث به، بل ويعوضه عما فات. وبذلك، يبيّن السياق، أيوب، وهو يدعو الله عزّ وجلّ، بإيمان قوي به، وتطلع كبير إلى رحمته للتخفيف عنه في وقت عجز وضعف شديدين. فاستجاب الله تعالى إلى دعائه وتوسلاته، وأزال عنه ما أصابه من ضر وبلاء، وعوضه عما فات من فقدان من بنين وبنات، وجعله مثلاً أعلى في الصبر على المحن والبلاء كما يظهر من التعبير القرآني (ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ). هذا، وفي شرح لهذا التعبير، يقول أبو الفداء إسماعيل بن كثير في كتابه "تفسير القرآن العظيم": "أي وجعلناه في ذلك قدوة لئلا يظن أهل البلاء إنما فعلنا بهم ذلك لهوانهم علينا، وليتأسوا به في الصبر على مقدورات الله وابتلائه لعباده بما يشاء، وله الحكمة البالغة في ذلك"[2]. على أنّ كلّ ذلك يبيّن بأنّ الصبر على المحن والخطوب أمر بالغ الأهمية من الجانب الروحي[3]. والذي يستطيع أن يلتزم به بتحصين نفسه بالإيمان الشديد، ينال ما يتمناه بالرحمة الإلهية عليه. ومن هنا، نرى الرابطة بين الصبر والسعادة. فالصبر هو مفتاح الفرج، والطريق لحسن الثواب.
هذا، وما ان تحدث سياق السورة عن أيوب، حتى انتقل في مرحلة أخرى لمجرد الإشارة إلى إسماعيل، وإدريس، وذي الكفل للتنبيه على ضرورة الالتزام بالصبر:
(وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ * وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ) (الأنبياء/ 85-86).
من الملاحظ هنا انّ ذكر إسماعيل بن إبراهيم ورد بعد ذكر أيوب.. أمر شغل فكر عبدالكريم الخطيب، حيث أورد في مؤلفه "التفسير القرآني للقرآن" ما يلي: "وقدم أيوب على إسماعيل.. لأنّ أيوب طالت محنته، وطال انتظاره في موقف البلاء سنين، وهو صابر ومصابر، ولم يضجر ولم يتكثر من الأنين والشكوى. أما إسماعيل فقد كان ابتلاؤه لساعة من الزمن، ثمّ انجلى الكرب وزالت المحنة"[4]. هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى، فيرى الخطيب انّه عندما واجه إسماعيل الابتلاء، كان ما يزال غلاماً، ومن هنا، "لم يقع في نفسه وقوعاً واضحاً كاملاً أثر هذا الفعل الذي هو مساق إليه"[5]. وبناء على ذلك، يرى الخطيب بأنّ البلوى، أو الجزء الأكبر منها وقع على أبي إسماعيل، إبراهيم. أو بعبارة أخرى، يرى الخطيب انّ البلاء هنا يشمل إبراهيم في جزئه الأكبر، ثمّ إسماعيل. ولكن بالنسبة لأيوب، فبلاؤه تعدى بلاء إسماعيل (إضافة إلى ما ذكر أعلاه) من منطلق كونه في "حال ليس فيها الشباب، والصحة"[6] أو بكلمة أخرى، فالخطيب يريد أن يبيّن بأنّ الصبر على المكروه الذي يُبتلى الإنسان به مع تقدم العمر، ويطول، أشق على النفس من الصبر الذي يُبتلى به الإنسان، وهو ما يزال غلاماً، لساعة من الزمن. وهذا يعني انّ للصبر مراتب، تجلت أعلاها في أيوب، حتى أصبح، كما أورد الزحيلي، مضرباً للأمثال، "فيقال كصبر أيوب"[7].
ولكن بالانتقال الآن إلى إدريس الذي ورد ذكره بعد إسماعيل في صدد التركيز القرآني على موضوع الابتلاء والصبر، فلا يوجد أخبار مؤكدة عن حياته. وكل ما يمكن أن يقال عليه هنا "انّه كان من الصابرين على نحو من أنحاء الصبر الذي يستحق التسجيل في كتاب الله الباقي"[8]. أما بالنسبة لذي الكفل، الذي عُرف بالصبر أيضاً، فيذكر بأنّ "ذا الكفل" تقف كلقب له، والكفل يعني النصيب. ولكن من جانب مقابل، قيل بأنّ "ذا الكفل" اسم لهذا النبيّ الكريم[9]. على أنّ المهم هنا هو أنّ "ذا الكفل" كان من الذين شملهم البلاء في ناحية ما، فصبر، وفاز في الامتحان بجدارة. وادخل مع غيره من الأنبياء، بصبرهم وصلاحهم، إلى الجنة.. دار الرحمة، ودار النعيم (وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ) (الأنبياء/ 86).
وبالوصول إلى هذا الحد، ينتقل السياق في "سورة الأنبياء" لإشارة سريعة لقصة ذي النون، وهو يونس (ع)، حيث ورد عنه ما يلي:
(وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (٨٧)فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) (الأنبياء/ 87-88).
لقد سمي يونس "بذي النون"، أي صاحب الحوت بسبب التهامه ثمّ نبذه من الحوت، وقصته كما أوردها سيد قطب، ببعض تفاصيلها، تتمثل كالآتي. أُرسل يونس إلى قرية ما لدعوة أهلها إلى طريق التقوى والصلاح. فدعا الناس هناك ولكنهم استعصوا عليه.. أمر دفعه إلى الضيق بهم، فغادرهم مغاضباً. وبذلك لم يصبر على المعاناة التي يجدها الأنبياء عادة في أقوامهم، مع ظن منه بأنّ الله تعالى لن يضيق الأرض عليه لكبرها، وكثرة قراها، وتعدد أقوامها.. فسيجد قوماً آخرين للدعوة. وذلك معنى قوله الكريم: (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ)، أي بمعنى لن نضيق عليه. هذا، وقد دفعه غضبه الكبير، وضيقه، للذهاب إلى شاطئ البحر حيث وجد هناك سفينة مستعدة للإبحار بركابها الكثيرين، فركب فيها. "حتى إذا كانت في اللجة ثقلت، وقال ربانها: إنّه لابدّ من إلقاء أحد ركابها في البحر لينجو سائر من فيها من الغرق. فساهموا فجاء السهم على يونس، فألقوه أو ألقى هو بنفسه. فالتقمه الحوت. مضيقاً عليه أشد الضيق"[10]. وبذلك أصبح يعيش في ظلام دامس، فنادى (أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)، أي تنزهت يا إلهي عن النقص والظلم، ولكني كنت أنا الظالم لنفسي، وأنا الآن نادم وتائب لما فعلت، فأكشف عني المحنة. فاستجاب الله تعالى لتوسلاته تلك، ونجاه من الكرب والضيق الذي ألم به بالتقاطه من قبل الحوت. والعبرة من تلك القصة، كما يرى سيد قطب تتمثل كالآتي: "انّ يونس لم يصبر على تكاليف الرسالة، فضاق صدراً بالقوم، وألقى عبء الدعوة، وذهب مغاضباً، ضيق الصدر، حرج النفس، فأوقعه الله في الضيق الذي تهون إلى جانبه مضايقات المكذبين. ولولا أن تاب إلى ربه! واعترف بظلمه لنفسه ودعوته وواجبه. لما فرج الله عنه هذا الضيق. ولكنها القدرة حفظته ونجته من الغم الذي يعانيه.. إنّ طريق الدعوات ليس هيناً ليناً.. فهناك ركام من الباطل والضلال والتقاليد والعادات، والنظم والأوضاع، يجثم على القلوب. ولابدّ من إزالة هذا الركام. ولابدّ من استحياء القلوب بكل وسيلة.. (و) العثور على الصعب الموصل.. واحدى اللمسات ستصادف مع المثابرة والصبر والرجاء..."[11].
هذا، وبعد الانتهاء مما ورد عن يونس، ذي النون، في السورة، انتقل السياق الآن للإشارة إلى قصة زكريا ويحيى – عليهما السلام – كالتالي:
(وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) (الأنبياء/ 89-90).
عندما اشتد الضعف بزكريا مع تقدم السن، وأصل دعاءه السابق لله تعالى، وهو الفيض عليه بابن يُذهب عنه الوحدة ووحشتها ويؤنسه "ويقويه على أمر دينه ودنياه ويكون قائماً مقامه بعد موته"[12]. (لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ). بالنسبة لقوله: (وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ)، فهناك وجهان لشرحه "(أحدهما) انّه (عليه السلام) انما ذكره في جملة دعائه على وجه الثناء على ربه ليكشف عن علمه بأنّ مآل الأمور إلى الله تعالى (والثاني) كأنّه (عليه السلام) قال "إن لم ترزقني من يرثني فلا أُبالي فإنك خير وارث"[13]. أو بكلمة أخرى، فقد كانت رغبة الحصول على إبن شديدة من جانب زكريا، لوراثته، ولكن مع إدراك تام، بأنّ الله تعالى، هو خير وارث. على انّ ذلك يبيّن بدوره يبيّن بأنّ زكريا أظهر نية صادقة للرضا والقبول التام بالقضاء الإلهي، مهما كلفه الأمر من صبر. بيد انّ الله تعالى الذي يرعى الصابرين بعنايته وعطفه، استجاب لدعاء زكريا، ووهبه يحيى الذي لم يجعل له من قبل سمياً، كما ورد في "سورة مريم":
(يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا) (مريم/ 7).
إنّ الفيض الإلهي على زكريا بيحيى، وهو شيخ كبير، وإمرأته عاقر، يدعو للتأمل والتفكير بالقدرة الإلهية اللامحدودة، فالسورة تبيّن بأنّ الله تعالى الذي جعل العاقر لا تلد، قادر على تغيير الأمور. فهو، بجلاله، الذي أزال عائق الولادة عن إمرأة زكريا، بالرغم من تقدمها بالسن، فوضعت زكريا بقضاء منه (وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ) (الأنبياء/ 90). هذا، وأفاض الله تعالى على زكريا وزوجته بنعمة الولد الصالح لأنّهم كانوا يسارعون في طاعته، وعمل كل ما يرضيه (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ) (الأنبياء/ 90). هذا، وقد عُرف عن زكريا وزوجته ويحيى الاستمرارية في الدعاء لله تعالى طمعاً ورجاء في رحمته، وخشية من عذابه (وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا) (الأنبياء/ 90). ولهذا اتصفوا بخلال حميدة، تجلى من خلالها خضوعهم التام لله تعالى، وعدم استكبارهم عن عبادته والدعاء له.
وأخيراً يمر السياق في "سورة الأنبياء" بذكر مريم بنت عمران التي اشتهرت بالعفة، والصبر على محنة مواجهة الناس بعد ولادة ابنها عيسى:
(وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء/ 91).
"أي مريم التي منعت نفسها من قربان الرجال سواء أكان من حلال أم من حرام كما قالت: (ولم يَمْسَسْني بشراً ولم أك بغياً)[14]. وعند هذه النقطة، يقول ابن كثير بأنّ الإشارة لقصة مريم وابنها عيسى بعد الإشارة لقصة زكريا وزوجته ويحيى، يهدف إلى إظهار معجزتين إلهيتين، تتمثل أوّلهما بإيجاد "ولد من شيخ كبير قد طعن في السن وامرأة عجوز لم تكن تلد في شبابها"[15]. وثانيهما، وهي أعجب، وتتمثل في "إيجاد ولد من أنثى بلا ذكر"[16]. وقد أتى هذا الولد، وهو عيسى (ع)، بالنفخ في مريم من روح الله - عزّ وجلّ –. وبذلك، فقد أصبحت مريم مع ابنها عيسى علامة بل أعجوبة للناس أجمعين، تدل على قدرة الله تعالى العظيمة، ليعتبر هؤلاء الناس بها[17]. ويجدر الذكر هنا أنّ الإشارات المبينة عن الأنبياء أيوب، وإسماعيل، وإدريس، وذي الكفل، وذي النون، وزكريا، ويحيى، إضافة إلى الإشارة عن مريم وابنها عيسى؛ ترمي كلّها – إضافة إلى ما تقدم ذكره – لاثبات مبدأ التوحيد. فالرحمة الإلهية بالأنعام بالفرج على الأنبياء كلّهم بسبب ضيق واجههم – كل في اتجاهه، سواء ما أظهره السياق، أم لم يظهره – لدلالة على التوحيد. فالفرج هذا لا يأتي إلا من عند الله تعالى الذي يصطفي أنبياءه ورسله. كما أنّ الرحمة الإلهية بمريم التي لم تكن من الأنبياء، والمتمثلة كما ورد في سور قرآنية أخرى – بتبرئتها أمام قومها من قبل ابنها، عندما خصه الله تعالى بنعمة التكلم بالمهد – لدلالة على التوحيد أيضاً:
(فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) (مريم/ 27-33).
ويجب أن نضيف أخيراً، انّ التركيز على موضوع الرحمة الإلهية يرمي، مرة أخرى، إلى طمأنة الرسول محمد (ص) في وقت كان يعاني فيه كثيراً من أذى، وسخرية، وصدود كفار قريش. فالفرج آتية بالنتيجة. ولكن على هؤلاء المشركين أن يتذكروا بأنّ عليهم الالتزام بتقديم الطاعة لله تعالى وحده، لا شريك له؛ وإلا فلا مفر لهم من العقاب بموجب أعمالهم.
الهوامش:
[1]- وهبة الزحيلي، التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج، جزء 17 (بيروت: دار الفكر المعاصر، 1991) ص109.
[2]- أبو الفداء إسماعيل بن كثير، تفسير القرآن العظيم، مجلد 3 (بيروت: دار المعرفة، 1981)، ص190.
[3]- لتلقي معلومات مستفيضة عن "الصبر" كمفهوم، راجع أبو حامد محمد بن محمد الغزالي، أحياء علوم الدين، جزء 4 (بيروت: دار المعرفة، لا. ت.)، ص 61-75.
[4]- عبدالكريم الخطيب، التفسير القرآني للقرآن، مجلد 9 (القاهرة: دار الفكر العربي، 1990)، ص943.
[5]- المصدر نفسه، ص943.
[6]- المصدر نفسه، ص943.
[7]- الزحيلي، المصدر السابق، ص110.
[8]- قطب، المصدر السابق، ص2393.
[9]- محي الدين الدرويش، اعراب القرآن الكريم وبيانه، مجلد 6 (بيروت: دار ابن كثير للطباعة والنشر والتوزيع، 1992)، ص355.
[10]- قطب، المصدر السابق، ص2393-2394.
[11]- المصدر نفسه، ص217.
[12]- الرازي، المصدر السابق، ص217.
[13]- المصدر نفسه، ص217.
[14]- المراغي، المصدر السابق، ص67.
[15]- الصابوني، المصدر السابق، ص274.
[16]- المصدر نفسه، ص274.
[17]- المصدر نفسه، ص274.
المصدر: كتاب سورة الأنبياء.. مفهوم اقتراب الحساب
ارسال التعليق