إنّ الأطفال هم أمانة الله بيد الآباء والمربين والمجتمع، وبالتالي فهؤلاء جميعاً مسؤولون عن هذه الأمانة ومحاسبون على التفريط فيها، كما أنّهم مأجورون أيضاً إن حافظوا عليها وأحسنوا إليها. إنّ مرحلة الطفولة تتميز عن المراحل الأخرى بحالة الصفاء النفسي وخلو الفكر والاستعداد لاستقبال كلّ ما يأتي من الآخرين. إنّ مرحلة الطفولة تتميز أيضاً بقوّة الحفظ وحدة الذكاء، والسبب ناتج بالطبع عن قلة الهموم والمشاكل التي غالباً ما يعاني منها الكبار، لهذا فمن الضروري أن تُستغل هذه المَلَكات لدى الطفل في مجال الخير والتوجيه الصحيح، والإسلام يمثل الخير كلّه.
من الأمور البديهية بالنسبة للمربي اهتمامه بطعام الطفل ومحاولة تغذية جسمه بالطعام الكامل الغني بكلِّ الفيتامينات، ولكن الإنسان ليس جسماً خالصاً، وإنّما هو نفخة من روح الله أيضاً، قال تعالى: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) (الحجر/ 29)، وقبضة من تراب: (إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ) (ص/ 71). وطريقة الإسلام في تربية الروح هي أن يعقد صلة دائمة بينهما أي بين الروح وبين الله سبحانه وتعالى في كلّ لحظة وكلّ عمل وكلّ فكرة، ومن خلال الإيمان تتطهر النفس، ويستقيم الخلق، وينعكس كلّ ذلك على سلوك الفرد ومواقفه وأسلوب حياته. من هنا ينبغي على المربي أن يغذي روح الطفل لكي ينمو نمواً سليماً، وفي هذا يقول الإمام عليّ (عليه السلام): «والله ما سألت ربي ولداً نضير الوجه ولا سألت ربي ولداً حسن القامة، ولكن سألت ربي ولداً مطيعاً خائفاً وجلاً منه، حتى إذا نظرت إليه وهو مطيع لله قرّت به عيني».
إنّ مهمة التربية أساساً هي توجيه الإنسان إلى نظام الفطرة وإعادته إلى قاعدة التوحيد، فالتدين حالة طبيعية وفطرية في الإنسان، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «كلّ مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه يهوّدانه أو ينصّرانه»، وقبل كلّ شيء لابدّ أن يعرف الآباء أنّ التربية واجب شرعي وليس عملاً مستحباً أو مباحاً لا يؤخذ على تركه كما يقول الإمام عليّ بن الحسين السجاد (عليه السلام): «وحقّ ولدك أن تعلم أنّه منك مضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشرّه، وإنّك مسؤول عما وليته من حسن الأدب والدلالة على ربّه عزّوجلّ والمعونة له على طاعته، فاعمل في أمره عمل مَن يعلم أنّه مثاب على الإحسان إليه ومعاقب على الإساءة إليه»، بالإضافة إلى ذلك فإنّ الله يجازي الآباء المهتمين بتربية أبنائهم تربية إيمانية الثواب الجزيل، فقد جاء عن الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السلام): «إنّ الله يجزي الوالدين عظيماً فيقولان يا ربنا أنّى لنا هذا ولم تبلغهما أعمالنا، فيقول: هذا بتعليمكما ولدكما القرآن وتبصيركما إياه دين الإسلام».
على المربي أن يعلّم الطفل أصول الدين وفروعه، ويعلّمه القرآن ويدرّبه على الصلاة، فقد روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «مروا صبيانكم بالصلاة إذا بلغوا سبعاً»، ويدرّبه على الصوم، فقد روي عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) قوله: «إنّا نأمر صبياننا بالصيام إذا كانوا ابني سبع سنين بما اطاقوا من صيام اليوم فإن كان إلى نصف النهار وأكثر من ذلك أو أقل، فإذا غلبهم العطش والفرث افطروا حتى يتعودوا الصوم ويطيقوه، فمروا صبيانكم إذا كانوا أبناء تسع سنين بما أطاقوا من صيام فإذا غلبهم العطش أفطروا».
كان بيت فاطمة الزهراء (عليها السلام)، مناراً للإيمان ومشكاة للهداية، فقد غذت أبناءها القيم الروحية العالية، ويكفي شاهداً أن يخرج من هذا البيت الطاهر الإمامان الحسن والحسين (عليهما السلام) اللذان كانا مناراً للإيمان ومشعلاً للهداية.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق