بين حين وآخر يحتاج الإنسان إلى أن يغير الأجواء التي يعيش فيها، لأن روحه تتعب من الصور المتكرّرة، والوجوه المتكرّرة والظروف المتكرّرة، ويتوق إلى تغيير نمط حياته، ومحيطه الذي يكتنفه.
ولهذا كان السفر ضرورياً. ففيه خروج عن الرّوتين، وتبديل لما اعتاد عليه..
ان احدنا قد يضجر حتى من زوجته وأولاده، وهو لذلك بحاجة إلى الابتعاد المؤقت عنهم، ليعود إليهم أكثر شوقاً من ذي قبل..
وهكذا فإن في السفر متعة للجسم والروح..
ان في السفر – كما يقول الإمام عليّ (ع) – خمس فوائد:
أوّلاً: التفريج عن الهمّ.
ثانياً: الاكتساب للمعاش.
ثالثاً: التحصيل للعلم.
رابعاً: المعرفة للآداب والعادات والتقاليد.
خامساً: الاصطحاب للأماجد..
يقول رسول الله (ص): سافروا تصحوا، وتغنموا، وترزقوا".
وفي التاريخ قلّ أن نجد عظيماً لم يسافر، فالأنبياء كانوا يهاجرون، ولربّما كان بعضهم يقضي جلّ عمره في الأسفار.
وربّنا تعالى يطالبنا بالسير في الأرض. يقول تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (الحج/ 46).
ويقول: (قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُرُوا) (النمل/ 69).
ويقول: (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) (الروم/ 9).
إنّ السفر سياحة، وصحّة، بالإضافة إلى انّه تعليم وتنمية ولذلك جاء في الحديث الشريف: "سيحوا في الأرض، فإنّ الماء إذا ساح طاب وإذا وقف تغيّر واصفر".
ولكي يأتي السفر ترويحاً عن النفس، ومتعة للعقل والروح فلابدّ من اتباع الخطوات التالية:
أوّلاً: انتخب صديق السفر:
يحتاج الإنسان في سفره إلى مَن يتبادل معه المشاعر والأحاسيس ويشاركه في تحمل أعباء السفر، ويكون له عوناً في الحالات الطارئة.
لذا روي عن الإمام عليّ (ع) انّه قال: "لا تصحبنّ في سفرك مَن لا يرى لك الفضل عليه كما ترى له الفضل عليك".
فكم من أشخاص أصيبوا بالموت، أو عاهة دائمة، أو جرحوا، لأنّهم كانوا وحيدين في أسفارهم، ولو كان معهم شخص آخر فلربما لم يصابوا بشيء؟
ومن هنا جاء في الحديث: "سَلْ عن الرفيق قبل الطريق، وعن الجار قبل الدار".
ثانياً: خذ معك ما تحتاج إليه مما يخفّ وزنه ويسهل حمله، انتخب بعناية ما يمكن أن تحتاج إليه في سفرك، فلربّ شيء صغير، كالإبرة والخيط يحلّ مشكلة كبيرة..
يقول لقمان الحكيم لولده: "يا بني: سافر.. بابرتك، وخيوطك ومخرزك، وتزوّد معك الأدوية، تنتفع بها أنت ومن معك، وكن لأصحابك موافقاً إلّا في معصية الله تعالى".
ثالثاً: خذ معك مبلغاً من المال يزيد عن حاجتك:
المصاريف ليست كلّها منظورة، فلربما تحتاج إلى المال أكثر مما كنت تتوقع، ومن الأفضل أن تحتاط بأخذ أكثر مما تحتاج إليه..
يقول الحديث الشريف: "المروّة في السفر كثرة الزاد".
رابعاً: اختر سفرة ترضي الجميع:
انّك قد تحتاج إلى سفرة زاخرة بالحركة فيما زوجتك تتطلع إلى الهدوء، وأولادك يتطلبون حفزاً مستمراً. خذ في الاعتبار حاجات كلّ واحد منهم واشركهم في عملية التخطيط. وقد تحتاج إلى مراعاة رأي الأكثرية منهم.
خامساً: استعد للحوادث غير المتوقّعة:
كن واقعياً، ولا تنتظر سفرة بلا مشاكل، فقديماً قيل: "السفر قطعة من العذاب".
فقد يتعرّض ولدك لضربة الشمس، وقد يتخاصم الاولاد، وقد تضيع محفظة نقودك. وقد تضيّع زوجتك الطريق. فتلك أمور طبيعية في السفر.
استعد للحوادث. غير المتوقعة هذه، والّا فإنك تتّجه نحو خيبة الأمل.
سادساً: وضّب الحقائب باكراً..
لا تترك كلّ شيء لآخر لحظة. فالأيام الأخيرة تكون عادة محشورة بشكل لا يطاق.. ومن الأفضل أن ترتب أمورك مبكراً. حتى تكون الانطلاقة متفائلة..
سابعاً: اترك الأعمال جانباً:
لتكن سفرتك من أجل الترويح، بعيدة عن الأعمال الروتينية، فقاوم رغبتك الملحّة في اصطحاب حقيبة العمل معك في السفر.
ثامناً: تعد إلى ينابيع الحياة:
انّ التمتّع بجمال الحياة التي خلقها الله تعالى حقّ من حقوقك كما انّه ضروري لضمان رفاهيتك العاطفية. خطّط لنزهة على الشاطئ تتمتع فيها بالنظر إلى البحر الذي فيه عجائب الله، وبدائع الخلق.
أو خطّط لنزهة في الغابة.
أو تمتّع بتسلق الجبال.
انّ الطبيعية توحي للإنسان بالراحة، وتمتص منه التوتّر فاعط لنفسك فرصة لذلك.
تاسعاً: اعط الصدقة قبل سفرك:
ان أخطار السفر كثيرة، فتجنّبها بالصدقة قبله.
ويقول الحديث الشريف: "افتتح سفرك بالصدقة، فإنك تشتري سلامة سفرك".
"فالصدقة تدفع البلاء، وهي أنجح دواء، وتدفع القضاء وقد ابرم إبراماً، ولا يذهب بالأدواء والصدقة".
عاشراً: أذِّ ما عليك من واجبات العبادة، ولا تنسَ ذكر الله:
ليس السفر عذراً لترك الواجبات. ولقد كان ربّنا رحيماً بنا حينما وضع عنّا الصوم وقصّر في الصلاة في الأسفار. فلا يصحّ بعد ذلك أن يتهاون أحدنا في السفر بواجباته.
يقول الحديث الشريف: "لا يخرج أحدكم في سفر يخاف فيه على دينه وصلاته".
حادي عشر: إكتسب صديقاً في كلّ مكان:
يمكنك كسب أصدقاء في كلّ مكان تذهب إليه، ولا يهمّ موقعه الاجتماعي، فقد يكون موظفاً في شركة طيران، أو صاحب حانوت صغير، أو عاملاً في فندق..
فأبناء البلاد ينفعونك كثيراً جدّاً في مختلف المجالات، ولربما يمنعون عنك الكثير من الخسائر.
ثاني عشر: تعامل مع رفاق السفر برفق وكرم.
وذلك يتطلّب خمسة أمور.
الأوّل: أن لا تقوم بأمر من دون أخذ رأيهم فيه.
الثاني: أن تكون متعاوناً معهم في أمورهم.
الثالث: أن تحافظ على روح المرح معهم.
الرابع: أن تنفق عليهم إذا احتاجوا إلى ذلك.
الخامس: أن لا تبوح باسرارهم.
يقول الحديث الشريف: "المروّة في السفر كثرة الزاد وطيبه، وبذله لمن كان معك، وكتمانك على القوم سرّهم بعد مفارقتك ايّاهم، وكثرة المزاح في غير ما يسخط الله عزّ وجل".
وقال لقمان لابنه: إذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتهم في أمرك وأمرهم، وأكثر التبسّم في وجوههم، وكن كريماً على زادك بينهم، وإذا دعوك فأجبهم، وإذا استعانوك فأعنهم، واغلبهم بثلاث: طول الصّمت، وكثرة الصّلاة، وسخاء النفس بما معك من دابّة أو مال أو زاد وإذا استشهدوك على الحقّ فاشهد لهم، واجهد رأيك لهم إذا استشاروك.. وإذا رأيت أصحابك يمشون فامشِ معهم، وإذا رأيتهم يعملون فاعمل معهم، وإذا تصدّقوا وأعطوا قرضاً فأعطِ معهم، واسمع ممّن هو أكبر منك سنّاً...
المهم أن تكون مع رفاقك كأحدهم، وأن تكون خفيف الدّم، وتتجنّب أن تكون "كلّاً" عليهم.. وقد روي عن رسول الله (ص)، انّه أمر أصحابه بذبح شاة في سفر فقال رجل من القوم عليَّ ذبحها، وقال الآخر: عليَّ سلخها، وقال آخر: عليَّ قطعها، وقال آخر: عليَّ طبخها، فقال رسول الله (ص): عليَّ انّ ألقط لكم الحطب!.
فقالوا: يا رسول الله لا تتعبنّ بآبائنا وأُمّهاتنا أنت، نحن نكفيك؟! قال: عرفت انّكم تكفوني، ولكن الله عزّ وجلّ يكره من عبده إذا كان مع أصحابه ان ينفرد من بينهم، فقام يلقط الحطب لهم.►
المصدر: كتاب فن الترويح عن النفس للكاتبة محمد هادي
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق