بداية الصيف هي مرتع للشباب، إذ يبدأ البعض في التفكير في كَمْ من الفتيات سيلتقي، متسائلاً إن كان سيحذو حذو زملائه في أعداد الفتيات أم سيتفوق عليهم، والبعض الآخر يعني له الصيف فراغاً شديداً.
ومع بداية هذا الفصل تتردد الأسئلة كثيراً من شباب في مختلف الأعمار، ومن أُمّهات وآباء وأزواج، حول كيفية التعامل في هذه الشهور. لذلك، سنعرض لأهم الأسئلة وأكثرها تكراراً. فبعد الفحص والدراسة وجد أن معظم الأسئلة تدور حول نقاط عدة هي محور قلق الجميع وتساؤلهم. - السؤال الأوّل: أدخل كل صيف ولا أعرف ماذا أريد أن أفعل في هذا الصيف. ربّما أن أيام الشتاء فيها هدف واضح، وهو أن أنجح في الدراسة. أمّا الصيف فهو غير واضح على الإطلاق. مجرد أيام تمر، لا أعرف ماذا أريد. وعلى الرغم من أنني أصلي ولا أرتكب الكبائر، إلا أن مشكلتي هي أنني لا أعرف لنفسي هدفاً. ويستحق هذا المحور أن يتصدر القائمة لشدة إلحاحه في رؤوس معظم الشباب. وإنّه لمن الجيد أن شباباً تكلموا وطرحوا هذا التساؤل، وعبروا بكلمات واضحة. أمّا المشكلة فهي في الشباب الذي لا يفكر أصلاً، ولا يسأل نفسه هذا التساؤل. ودعونا نسأل السؤال بصورة أعم: ما هو هدفنا من الحياة؟ ترى، هل يختلي كل منا بنفسه، ولو لساعة، يفكر ويقرر أو يكتب فيها أهدافه في الحياة؟ أم أننا نترك الأعوام تمر، ونهدر نعمة الله التي وهبنا، وهي التفكير والعقل، ولا نحدد لأنفسنا هدفاً؟ فكم من مصلٍّ، وكم من محجبة، قنعا لهذه الحال، وظنا أن هذا يكفيهما. ولهؤلاء نقول: كلا، لابدّ أن يكون لحياتك هدف واضح. يجد البعض هدفه في الشتاء في أن ينجح. وهل نجاح الدراسة هو هدفك النهائي وسعيك؟ هل يعقل أن يكون هناك هدف للشتاء ولا هدف للصيف؟ لابدّ من وجود هدف أعم وأشمل للحياة. ترى، كم منا صدمه سؤال: ما هدفك في الحياة؟ كم منا اكتشف فجأة أنه لم يلق للقضية بالاً في ما مضى؟ وكم منا يقول أهدافه كلاماً ولا يسعى سعياً حقيقياً الى تحقيقها؟ وكم منا يترك للدنيا تصريف أمره؟ ففي طفولته أدخله أبواه المدرسة وأطاع، فقد قالوا: لابدّ أن تدخل، وعند نتيجة الثانوية العامة، أهّلك مجموعك لكلية فدخلتها. وبعد التخرج سمعت عن مكان يقبلك بتقديرك، فتقدمت وقبلت، وعملت لأنّهم قالوا لابدّ أن تعمل. وحين أردت الزواج تزوجت بمن قَبِلت. فهكذا قالوا: لابدّ أن تتزوج. وتبدأ دائرة الأولاد والسعي لجلب المال لتربية الأولاد، ثمّ.. تحين ساعة الموت. ترى، كم مرة تتكرر تلك القصة؟ للأسف كثيراً. ربّما كان هدفاً بسيطاً يفني المرء نفسه في تحقيقه أقيم وأعظم من رجل تفنى حياته ولم يعرف لها هدفاً، أو كانت جل آماله جلب المال، وتربية الأولاد. فأي حياة هي أسوأ من ترك الدنيا تحركنا؟ وإن كان الهدف جلب المال لتحقيق الزواج، فعلى الرغم من أنّه أجوف، إلا أنّه أهون من ترك الحياة تحركنا أنّى شاءت. وليس للأمر علاقة بالمستوى أو التعليم. ففي أعلى المستويات فكرياً وثقافياً وتعليمياً نجد من لا يجد لحياته هدفاً فقد تجد فتاة تطمح في الزواج، فإن سألتها: على أي أساس؟ لا تجد عندها رداً. فالزواج فرصة ستغتنمها أياً كانت الظروف. وربما تفاضل على أساس الأفضل مالاً أو الأحلى كلاماً، وربما تجد شاباً يعمل في مجال لا يعرف لم التحق به. فقد قذفت به الحياة إلى جامعة ما، ومنها إلى عمل ما، لا يعرف ماذا يريد. ويعلو هنا شعار "وادينا عايشين"، ويا لها من مصيبة. ودعونا نخلص من هذا أن مهمة كل منا تتركز في جلسة صادقة مع النفس، مع ورقة وقلم، يكتب كل منا أهدافاً واضحة، وينتقل من الأعم إلى الأخص. وألا نترك أنفسنا بعد اليوم لنعيش، نأكل ونشرب ونتزوج وننجب ونموت. فما أراد الله لنا ذلك. فقد بسط لنا الله الأرض، ورفع السماوات، وأنزل ملائكته من السماء، وأنزل كتبه وبعث رسله ليعانوا ويموتوا في سبيل هذا الدين، لإعلاء شأنه. أبعد كل هذا تكون حياتك أنت مأكلاً ومشرباً ثمّ موتاً؟ لنجعلها مهمة كل منا. لنكتب أهدافنا، لا أهداف الصيف، بل أهداف الحياة، لنكتب، شباباً ورجالاً وأُمّهات وآباء وأزواجاً وزوجات. ضع لنفسك هدفاً. فما حياة البشر إلا رسالة. - أوّلاً: لابدّ أن نتفق على أن نكتب أهدافنا. فمن طرح هذا السؤال لا يستطيع أن يكتب هدفه، لأن هدفه موسمي، مرتبط بالدراسة والنجاح السنوي، فلو أنّ الدراسة انقضت ماذا سوف يفعل؟ ليس هناك من هدف واضح. فلنتفق جميعاً على أن كلاً منا لابدّ أن يضع لنفسه هدفاً واضحاً ويكتبه، ويسعى إلى تحقيقه، ولا يرضى لنفسه بعد اليوم أن يعيش من دون هدف. - ثانياً: وبعد أن اتفقنا على ضرورة كتابة رسالة لحياتنا وجعلها شعاراً نحمله معنا أنّى ذهبنا، لتكون لنا جواز مرور لكل خطوة في الحياة، لابدّ لنا قبل أن نكتب هذه الرسالة أن نسأل أنفسنا سؤالاً يضعنا على بداية الطريق: لماذا خلقت؟ فلو أنك أجبت عن هذا السؤال وعرفت لم خلقت، حتماً ستكتب هدفك. بالله عليكم أيُّها الناس، اكتبوا رسالتكم، حددوا أهدافكم، لا ترضوا من الحياة أن تكونوا فيها صفراً. قال مصطفى صادق الرافعي كلمة عظيمة. قال: "إذا لم تزد على الحياة شيئاً، كنت أنت زائداً على الحياة". فلا ترضَ لنفسك أن تكون زيادة على الدنيا. لا ترضَ أن تعيش مستهلكاً غير منتج. - السؤال الثاني: أنا شاب في الجامعة، بداخلي طاقة شديدة للمعصية. وأنا شاب في منتهى القوة والحيوية، ويزداد الأمر صعوبة في فصل الصيف. فماذا أفعل؟ أخاف أن أسقط في المعاصي. قد نكون كلنا هذا الرجل. وله ولأمثاله وصفة موثوق بها، تفرغ الطاقة بداخله دون أن يقع في المعصية. - الرياضة: لابدّ من ممارسة الرياضة، وهذا في صميم الدين. فالرياضة هي الوسيلة التي تخمد الطاقة المتفجرة في داخل كل منا، وتكون حسن استثمار لها بدلاً من تركها لتفرغ في المعاصي. فهذه الطاقة موجودة، شئنا أم أبينا، ولابدّ من وسيلة لتفريغها. فلنتجه إلى الرياضة. فكم منا يمارس الرياضة بشكل منتظم؟ وكم من شبابنا في أوائل العشرينات، وبسبب التدخين، لا يقوى على مواصلة ثلاث دقائق جرياً؟ أوليست سيرة الصحابة نِعْمَ القدوة والمنهج؟ فلننظر إليهم كيف كانوا. يحكى أنّ النبي (ص) بعد أن تخطى الخمسين من عمره، أتاه رجل اسمه "رُكانة"، وكان هذا الرجل هو المصارع الأوّل في الجزيرة العربية. رجل لا ينهزم. ومثل هذا الرجل لا يفهم منطقاً غير القوة. فدخل على النبي، وقال له: "إن صرعتني اتبعتك". ورفض حوار العقل، فوافق النبي. وفي رده نعم الدليل على أن مستعد بدنياً، وإلا لما قالها. وبالفعل، صرعه نبي الله ورسوله (ص)، فبهت الرجل، وقال: "إنما أخذتني على غرة، أتبعك إن صرعتني الثانية". فصرعه الثانية. فقال الرجل: "لا والله حتى تفعلها الثالثة"، فهزمه الثالثة. فشهد الرجل أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، إيماناً منه أنّ الرجل الذي ينجح إذا صارع، وإذا قرأ القرآن أبكى العيون، وإذا سعى في أي مجال نجح، مثله لابدّ أن يُتّبع. وقد كان رسول الله (ص) يوم غزوة بدر، يجمع الناس ويستبعد من هم دون الخامسة عشرة، فأتاه شاب صغير اسمه ثمر بن جندب، عمره أربعة عشر عاماً وقال: "يا رسول الله، أنا أجيد الرمي". أراد أن يجربه النبي ويعرف مهارته، فقال: "أرني". ولم يتعنت في قراره، ولم يهمله أو يقله لآخر، إنّما اهتم بالأمر. وبالفعل، رمى فلم يخطئ، فقال له النبي: "أجزتك". أجازه لتميزه الرياضي. فأتاه آخر يدعى "رافع"، وعمره ثلاثة عشر عاماً، وقال: "أرأيت ثمر هذا الذي أخذته؟ والله يا رسول الله لو تركتني أصارعه لصرعته". فابتسم النبي وقال: "صارعه". فأخذه رافع وقلبه، فقال الرسول (ص): "أجزتكما كليكما". بالله عليكم يا شباب.. عليكم بالرياضة، ولا يهم أي نوع من الرياضة، ولكن بانتظام، للرجال والنساء. - الصيام: فعلى الرغم من صعوبة الصيام، وخاصة في الصيف، إلا أنه دواء ليس له بديل. فتخيل نهارك صياماً وليلك رياضة، فهل تفكر بعدها معصية، أو هل يبقى بك من جهد أو طاقة تدفعك إلى معصية؟ وما قال النبي (ص) إلا صدقاً، حين قال: "يا معشر الشباب. من استطاع منكم الباءة ليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم"، وربما قال قائل إنّه صام ولم تتحسن حاله. فنقول كذبت وصدق رسول الله (ص). لابدّ أن صيامك لم يكن صياماً قويماً. فلتصوموا يا معشر الشباب صياماً يرضى به الله عزّ وجل، ولكن بشرطين: أوّلهما ألا تصوم الصيف كله متصلاً، فهذا ما نهى الرسول الكريم عنه، وثانيهما ألا تضايق أهلك، فترفض البقاء بينهم بحجة الصيام، أو تمتنع عن تجمعات أسرية بحجة الصيام، أو تنفعل بحجة الصيام. كل هذا غير مقبول، بل عليك بإرضاء أهلك، مع الإكثار من الصيام. - الإنشغال بدين الله: يجب أن تضع لنفسك أهدافاً تجتهد وتسعى إلى تحقيقها لخدمة هذا الدين، أي مرة أخرى، تكون صاحب رسالة. فإذا ما لاحت لك المعاصي لم تجد في نفسك أو في وقتك متسعاً للالتفات إليها، فتجد عملك وجهدك أمامك حاضراً، فلا تطاوعك نفسك في هدره لأجل المعصية. فلتجعل لنفسك هدفاً مثل حفظ قرآن، تعليم الناس للقرآن إفاقة أصدقائك، توجيه الناس في المصايف، أو أي هدف يشغلك ويستحوذ عليك. - الدعاء: "يا رب اصرف عني هذه الفتنة بالصيف". ادعوا بها.. خاطبوا الله.. اسألوه ألا يدعكم تقعون في معصية هذا العام، وتوبوا بين يديه عن معاصي العام الماضي. فلنجعل شعارنا جميعاً هذا العام "صيف بلا معصية". فلو دارت أيامك بين رياضة وصيام ودعوة أو عمل لله ودعاء فيقيناً يحميك الله. - السؤال الثالث: معروض عليَّ تدريب صيفي في شركة عن طريق والدي، وأنا أريد أن أتفرغ هذا الصيف للعبادة والقرآن.. فبماذا تنصحني؟ أوّلاً، ومن دون سؤال، لابدّ أن نتدرب. فالجامعات تخرج الآلاف من الطلاب. وما قيمتهم بعد التخرج إن لم يكن لهم رصيد من قبله من بعض المهارات؟ فمثلاً، كلية تخرج كل عام نحو عشرين ألف طالب، أين يذهبون وكلهم متساوون؟ أيهم يمكن أن يتميز؟ هو واحد من ثلاثة: صاحب لغة، أو عارف بالكمبيوتر، أو صاحب خبرة قبل التخرج، فيسبق بذلك كل زملائه. فلكي تتميز، اعمل في الصيف. أما التفرغ للعبادة والقرآن، فممكن في النصف الثاني من اليوم. لكن صباحاً، لابدّ أن تعمل. إذن، فلابدّ للجميع أن يسعوا إلى العمل. فلابدّ أن نتعلم ونتطور. فلو تخيلنا يوماً أنّ الغرب منع عنا التكنولوجيا، ببساطة تكون النتيجة أننا نعود للخلف سبعين عاماً. من أجل هذا، لابدّ أن يخرج من بين شبابنا من يفني نفسه بهدف تعلم ولو جزئية في التكنولوجيا وإتقانها. فهل تصدق أنّ الغطاء البلاستيكي الذي يغطي علب اللبن يتم استيراده من الخارج؟ أعجِزنا إلى هذا الحد عن صنع مثل هذا الغطاء، الذي لو منع عنا تفسد الألبان؟ هلموا يا شباب.. اعقدوا العزم من بداية المشوار على النجاح. لتكن نيتك أن تبدأ بهذا الصيف، أن تلتحق بعمل في شركة، وتعمل وتتدرب وتتعب وتتعلم كيف يكون العمل، ليس بهدف أن تجد عملاً عند تخرجك لتنفق منه، لا، إنما هي رسالة تريد تحقيقها والنجاح فيها. فلتبدأوا يا شباب الجامعة، ويا شباب المدارس الثانوية، فلتبدأوا يا شباب.مقالات ذات صلة
ارسال التعليق