◄في ظلّ ما يعانيه الإنسان في واقعه من مشاكل وتعقيدات، تطاول مختلف مناحي حياته الصحّية والنفسية والاقتصادية، يبقى السؤال المشروع قائماً حول دور المدارس والجامعات والمؤسسات التربوية عموماً، في تنمية روح العمل الجماعي لدى الأجيال!
إنّ هذا الواقع المشحون بكلِّ أشكال الضغط النفسي والاقتصادي والاجتماعي، من المهم العمل على مواجهته، من خلال زرع روح التعاون والانفتاح بين الطلاب والشباب، في إطار العمل الجماعي والتطوعي، ليُقبل بعضهم على البعض الآخر بكلّ محبّة وتسامح، ويسمع بعضهم للبعض الآخر، فالتنوّع في المعتقدات والخلفيات العلمية والاجتماعية، لابدّ من أن يكون مُدعاةً للوحدة، كما لابدّ من التأسيس عليه لمزيد من الانفتاح والعطاء، فلا ينفر بعضنا من البعض الآخر، أو نقطع العلاقة معه على أساس انتماءٍ معيّن أو فكرة معيّنة.
هنا، يأتي دور الروح الجماعية وتعزيزها وتنميتها بكلّ الوسائل المتاحة، عبر برامج تربوية واجتماعية واعية ومسؤولة، تهدف إلى زرع التعاون بين الأجيال، من خلال تدريبهم على إقامة أنشطة حوارية أو ثقافية حول مواضيع متنوّعة، وفسح المجال للجميع للمشاركة وإبداء الرأي، وتدريبهم أيضاً على القيام بأنشطة تطوعية إنسانية واجتماعية وصحّية، لتعليمهم أهميّة الشعور الإنساني في الواقع عبر الممارسة، من خلال جمع التبرعات، والتبرع بالدم، وإقامة نشاطات تعليمية وكشفية، لتعريف الجميع بمناطق بعضهم البعض، وكسر حاجز الخوف من الآخر، وتقوية الثقة بالذات، والتعويد على حبّ الغير، وفتح آفاق التسامح.
إنّ العمل الجماعي يفتح المجال أمام كلّ الطاقات والقدرات، لأن تتلاقى وتجتمع على كلّ معاني البرّ والخير، وتؤسِّس لنزع القلق والتوتّر من كلّ الأجواء المشحونة التي تتسبّب بالمشاكل الكثيرة، من خطابات تعبوية وتحريضية وفئوية.
الصروح التربوية، من مدارس وجامعات ومعاهد، ليس من وظيفتها فقط إكساب الأجيال السلوكيات والعادات الصحيحة، أي ليس مقتصراً دورها على الجانب التربوي فحسب، بل يتعدّاه إلى المشاركة الفاعلة في الحياة الاجتماعية والثقافية، بما يفيد هذه الحياة، من خلال طاقات طلابها وأجيالها، وما يملكونه من إبداعات وإمكانيات، فالانخراط في العمل الجماعي يعزِّز روح المسؤولية والعمل التطوعي عند الطالب تجاه مجتمعه، ليصبح أكثر تقبّلاً للعمل الجماعي المتعاون، ويعزّز روح المسؤولية العامّة لدى الجميع، وينمّي روح المبادرة والانفتاح على كلّ الرُّؤى والتطلّعات.
إنّ المجتمع التربوي ليس مجتمعاً منعزلاً عن الحياة، بل يعيش في قلب الحياة والأحداث، ويعتبر الخزّان البشري الأكبر الذي يرفد المجتمع بكلّ ما يلزمه من أجل توازنه واستقراره. لذا، فإنّ دوره مهم على صعيد تأكيد الروح الجماعية، وتعزيز هُويّة الذات الجماعية الواعية التي تنشد السلام والمحبّة، وتعتمد لغة الحوار والتسامح والانفتاح.
وأحوج ما تكون إليه المجتمعات البشرية اليوم وفي كلّ يوم، إبراز هذه الروح الجماعية، وإعطاؤها المجال لتنشط وتتحرّك وتعطي ما لم يعطه الآخرون من أمل وأمان واستقرار، فإنهاء التشرذم، وفضّ المشاكل والنزاعات، يبدأ من المجتمع التربوي الناشط والفاعل والمسؤول.
وفي السياق ذاته، يبقى دور الإعلام أساسياً أيضاً في دعم المؤسسات التربوية، عبر تسليط الضوء على ما ينبغي أن تلعبه من دور على الصعيد الاجتماعي، وهو ما يشجّع كثيراً هذه المؤسسات، كما الطلاب.
عندما نبني المسؤولية الاجتماعية لدى الطالب والأجيال المتعاقبة، ونعمل على زرع الروح الجماعية في القلوب والعقول، عندها تضيق مساحات الفوضى والتشتّت، ويصبح الأمل بالتقدّم والعمران أكثر جدوى وواقعية، في زمن نفتقد إلى روح الجماعة والتعاون في سبيل الصالح العام.►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق