• ٧ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٥ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

مكنونات الحقّ في نظر عليّ (ع)

عمار كاظم

مكنونات الحقّ في نظر عليّ (ع)

من خصائص الحقّ لدى أمير المؤمنين عليّ (ع) أنّه "لا يجري لأحد إلّا جرى عليه ولا يجري عليه إلّا جرى له" أي أنّ الحقوق في المجتمع متبادلة بين الأفراد فهي لا تجري في صالح أحد دون الآخر. فللآباء والأُمّهات حقوق في أعناق أولادهم يجب رعايتها، وفي مقابل هذا هناك حقوق للأولاد في أعناق آبائهم وأُمّهاتهم، بل إنّ حقوق الأولاد تبدأ قبل حقوق الآباء، ذلك أنّ الأطفال في بداية حياتهم هم مجرد مسؤولية تقع على عواتق الوالدين في حين لا يتحمل الأطفال أيّة مسؤولية تجاه آبائهم وأُمّهاتهم. كذلك المعلم والتلميذ والأستاذ والطالب، ففي موازاة حقّ الأستاذ على التلميذ من الاحترام والأدب والمحبة والطاعة، هناك حقّ للتلميذ على أستاذه من حسن التعليم والتربية والاهتمام والدقّة وغير ذلك. وينسحب الأمر كذلك على الأسرة، فللرجل والمرأة حقوق متبادلة، فمن يظن أنّ له حقاً في أعناق الآخرين يجب أن يعلم بأنّه مدين لهم. الله سبحانه وحده الغني الكامل والمالك المطلق، وهو الاستثناء في هذه القاعدة. إنّ لله تعالى حقوقاً على مخلوقاته، وإنّ عبيده سبحانه مدينون له بالفضل والنعمة، وليس لأحد حقّ على ذاته المقدسة. يقول أمير المؤمنين عليّ (ع): "ولو كان لأحد أن يجري له ولا يجري عليه لكان ذلك خالصاً لله سبحانه". وقد جعل الله طاعته حقاً على الناس وجعل لها ثواباً من فضله ورحمته، واعتبر ذلك حقاً عليه. وهذه الطاعة لا تعود بالفائدة على الله، إنّ الله تعالى منزّه عن ذلك، إنّ فائدتها تعود إلى الناس أنفسهم فهم يطيعون الله سبحانه لأنّ مصلحتهم في ذلك، وبالإضافة إلى هذا فإنّ الله جعل لهم حقّ طاعتهم هو الثواب رحمة من عنده وفضلاً. من جملة خصائص الحقّ لدى عليّ (ع) هو ما ذكره الإمام في قوله: "فالحقّ أوسع الأشياء في التواصف وأضيقها في التناصف". الحقّ كلمة سهلة في النطق واسعة في الوصف رحبة في الكتابة والتأليف ولكنه صعب في التطبيق ضيق عند العبور. ثمّ يذكر الإمام خصيصة أخرى وهي التكافؤ في الحقوق بين الناس، إذ ليس هناك من يقول أنا أجل شأناً من أن يساعدني أحد في عمل الحقّ، وليس هناك أحد مهما كان صغيراً في شأنه لا يكون له في عمل الحقّ نصيب، فللجميع حقوقهم "تتكافأ في وجوهها ويوجب بعضها بعضاً ولا يستوجب بعضها إلّا ببعض". قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) (المائدة/ 2)، الجميع – عاليهم ودانيهم، عالمهم وجاهلهم، قويهم وضعيفهم، سيدهم وخادمهم – مطالبون بذلك، فإذا رأى أحدهم نفسه أسمى من ذلك في التعاون تعرض ذلك الرباط الاجتماعي للخطر. فالبناء الاجتماعي يبقى قائماً ما دامت تلك الحقوق المتبادلة محفوظة، إلّا فإنّ تراكم عدد الآجر بعضه فوق بعض دون ارتباط وثيق لا يصنع بناءً متيناً. قال رسول الله (ص): "المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضاً". أمّا الخصيصة الرابعة في الحقّ فهي أن لا يأنف من ذكره أهله، فالكاسب والموظف أو السائق وكلّ من يدعي السير في طريق الحقّ إذا ما ذُكر بالحقّ عليه أن لا يأنف من ذلك إذا كان صادقاً مع نفسه وأن لا ينزعج من كلّ إرشاد يُسدى إليه. يقول الإمام عليّ (ع): "لا تخالطوني بالمصانعة، ولا تظنّوا بي استثقالاً في حقّ قيل لي ولا التماس إعظام لنفسي، فإنّه من استثقل الحقّ أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه، فلا تكفّوا عن مقالة بحقّ أو مشورة بعدل، فإنّي لست في نفسي بفوق أن أخطىء.

ارسال التعليق

Top