يقول الإمام الصادق (ع): "رَحِمَ اللهُ مَن أعَانَ وَلَدَه عَلَى بِرِّه".
"إنّه ولد طيب.. إنّه يسمع الكلام" كثيراً ما نسمع هذه العبارة تتردد على ألسنة الآباء وهم يصفون أحد أبنائهم بفخر واعتزاز وهو ما يدل على حرص هؤلاء الآباء على أن يكون ولدهم مطيعاً لهم، ولهذا فقد يصابون بالدهشة والحيرة حيال تمرد الطفل ورفضه الاستجابة للأوامر والنواهي التي يصدرونها، وغالباً ما يقفون عاجزين إزاء هذا التمرد، ولعل أسوأ ما يمكن أن يقع فيه الآباء في مثل هذه الحالة هو تصورهم أن حالة التمرد هذه هي حالة غريزية تولد مع الطفل ولا يعتبرونها خللاً نفسياً نشأ عن التربية الخاطئة والتعامل السيء الذي يبدأ عادة مع المراحل الأولى من عمر الطفل.
بداية يجب التذكير بنقطة مهمة وهي إنّ هذا الكائن الصغير الذي رزقنا الله تعالى إياه هو في الواقع أمانة قابلة للاسترداد في أيّة لحظة وبالتالي فهو من جهة ليس عبداً نملك روحه وجسده وبالتالي عليه أن يطيعنا إطاعة عمياء وهو ليس جندياً عليه تنفيذ أوامرنا الصارمة دون نقاش كما وأنّه من جهة ثانية بحاجة إلى أن نعينه (كما يؤكد الحديث) على السلوك السليم قبل أن نتوقع منه أيّة استجابة حقيقية في هذا المجال.
الوقاية قبل العلاج:
تبرز استعدادات الطفل الفطرية عند بلوغه السنتين من عمره وبالتالي فهو أحوج ما يكون في هذه المرحلة بالذات إلى الرعاية والاهتمام المضاعف وذلك كي تتكون لديه شخصية متزنة وسليمة، وإن ارتكاب أي خطأ في هذه المرحلة العمرية سيكون له مضاعفات سيئة للغاية، ستظهر فيما بعد على شكل بعض الصفات المذمومة ومنها التمرد، وعلى هذا الأساس فإنّ التمرد في الواقع هي صفة سيئة تتطلب تقويم سلوك الطفل وتعديله.
لكن الوقاية هي دوماً خير من العلاج وبالتالي فمن الواجب علينا أن نعرف الأسلوب الذي يجب أن نتعامل به مع طفلنا في المراحل الأولى من حياته وذلك كي نتجنب الكثير من المشاكل السلوكية ومنها التمرد.
ومن النقاط المهمة في هذا المجال يمكن الإشارة إلى التالي:
الحب والحنان:
وكما أشرنا في السابق فإن أحوج ما يكون إليه الطفل في السنين الأولى من عمره هو الحب والحنان وذلك لما لهذه العناصر الإيجابية من دور مهم في تنمية قدرات الطفل النفسية وملكاته الروحية، وليس هناك فرق كبير في الواقع بين الطفل وأي شخص آخر في هذا المجال؛ فجميعنا بحاجة إلى تعبئة طاقاتنا الروحية والنفسية باستمرار وذلك بهدف تحسين أدائنا اليومي وممارسة نشاطاتنا الحياتية بشكل أفضل، فلا يمكن لطالب المدرسة على سبيل المثال أن يكتفي بالمذاكرة وحدها للحصول على النتائج الجيدة في الاختبار، بل عليه أن يقرن المذاكرة بمزيد من الثقة بالنفس والاعتماد على الذات، فلا فائدة من المذاكرة مع انهيار العزيمة وانعدام الثقة بالنفس؛ كذلك الحال بالنسبة للمعلم والطبيب والزوجة والأُم وجميع أفراد المجتمع، الذين هم بحاجة ماسة إلى تقوية الجانب النفسي كي يتمكنوا من أداء مهامهم وواجباتهم على أحسن وجه.
ويتجاوز ذلك حدود الأشخاص ليشمل المجتمع والأُمم أيضاً وتاريخنا الإسلامي خير دليل على هذه المفهوم، فالأُمة الإسلامية تمكنت من خلال قوة عزيمتها وصلابة إرادتها أن تلحق أسوأ الهزائم بالقوى المعادية التي كانت تفوقها عدة وعتاداً.
وعلى هذا الأساس فإنّ من الضروري أن يهتم الآباء بحاجة الطفل إلى الحب والحنان وذلك لتقوية الجانب النفسي والروحي لهذا الطفل الأمر الذي تشير إليه العديد من الروايات؛ نذكر البعض منها على سبيل المثال: يقول الرسول الأكرم (ص): "أحِبُّوا الصِّبْيانَ وارْحَمُوهُم"، ويقول حفيده الإمام الصادق (ع): "إنّ الله ليَرْحَمُ العبدَ لِشِدَّةِ حُبِّهِ لوَلَدِهِ"، ويقول (ع) أيضاً: "بِرُّ الرَّجُلِ بِوَلَدِهِ بِرُّهُ بوالِدَيهِ".
كما وإنّ من الضروري أن ينعكس هذا الحب على سلوك الآباء وتعاملهم مع أبنائهم لأنّه ليس هناك فائدة من بقاء هذا الحب جامداً في قلب الآباء ولا يظهر على شكل قبلة تفيض حباً وعطفاً أو معانقة مملوءة بالود والحنان، ومن هنا جاء في الحديث عن أمير المؤمنين (ع): "مَن قَبَّلَ وَلَدَه كان له حَسَنَة، ومَن فَرَّحَهُ فَرَّحَهُ اللهُ يَوْمَ القيامَة"، كما ويروى أنّ رجلاً جاء إلى النبيّ (ص) فقال: ما قَبَّلتُ صبياً قط، فلمّا ولّى قال النبيّ (ص): "هذا رَجُلٌ عِندَنَا إنَّه مِن أهلِ النَّارِ".
كما وإن من الضروري أيضاً إدخال السرور على قلوب الأولاد عبر تقديم بعض الهدايا البسيطة أو تحسين حالتهم المعيشية، فقد قال الرسول الأكرم (ص): "مَن دَخَلَ السُّوقَ فاشْتَرَى تُحْفَةً فَحَمَلَها، إلى عِيَالِه كان كحامِلِ صَدَقَةٍ إلى قَومٍ مَحاويج، وليبدَأ بالإناثِ قَبْلَ الذُّكُور، فإنَّه مِن فرَّح ابنَه فكأنَّما اعتَق رَقَبةً من وُلْدِ إسماعيل" وقال أيضاً: "لَيْسَ مِنَّا مَن وُسِّع عليه ثمَّ قَتَّرَ على عِيَالِه".
الاهتمام بالطفل:
من الضروري جدّاً أن يشعر الطفل وهو في المراحل الأولى من عمره بأنّه يحتل مكانة كبيرة في قلب أبويه ولا يمكنه أن يصل إلى هذه القناعة إلا عن طريق مساواته ببقية إخوته، فيجب أن لا يكون هناك تمييز على أساس الجنس (الذكورة والأنوثة) أو المستوى الذهني (الذكاء والبلادة) أو الشكل (الجمال والقبح) وأن يحاول الآباء أن يوزعوا حبهم وعطفهم على أبنائهم بالتساوي؛ صحيح أن قلب الأبوين قد يميل إلى أحد الأبناء دون سواه، وقد ينفر من واحد دون غيره وهذا أمر خارج عن إرادة الإنسان عموماً إلا أنّ الناحية العملية من المحبة يجب أن يراعى فيها مبدأ المساواة، كما ويجب على الآباء أن يصغوا لأبنائهم عندما يعبِّرون عن آرائهم ووجهات نظرهم وأن يستشيروهم في بعض القضايا الخاصة بهم وأن يحترموا قراراتهم في هذا المجال، وقصة النبيّ إبراهيم (ع) مع ابنه إسماعيل (ع) التي جاءت في القرآن الكريم تجسد هذا المعنى بأحلى صوره، فعلى الرغم من إنّ الموقف كان شديد الحرج بالنسبة للنبي إبراهيم (ع) وهو ينفذ أمر الله تعالى في ذبح ابنه، وعلى الرغم أيضاً من علم النبيّ بأنّ هذا الأمر لا يتغير أن يتبدل إلا أنه لم ينس أن يستشير ابنه في هذا المجال فقال له: (يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى) (الصافات/ 102).
وما يبعث على الأسف الشديد أن بعض الآباء لا يستشيرون أبناءهم فحسب بل ولا يعيرون لهم أيّة أهمية، وقد لا يشعرون بوجودهم في بعض الأحيان، ويأتي ذلك في الغالب نتيجة النظرة الدونية التي توجه للأطفال فيعتبرون صغاراً لا يفهمون شيئاً أو كما يوصفون في بعض البلدان بأنهم (جهال)
حرية الحركة والنشاط:
من الضروري أن يتمتع الطفل في المراحل الأولى من حياته بمجال واسع من الحرية خاصة فيما يتعلق بشؤونه الشخصية، فيحصل على مكان مناسب للعبه ويمنح الحرية في ترتيب حاجياته دون أن يكون هناك تدخل مباشر من قبل الآباء والكبار بشكل عام، ولا تكبل حركته بالتحذيرات الكثيرة والمستمرة وأن لا يعاد ترتيب حاجياته بعد أن قام هو بترتيبها على ذوقه، وأن يُمنح الحرية في ارتداء ملابسه أو ما يعجبه منها، ويمكن للآباء أن يقدموا تعليماتهم في هذه المجالات بشكل غير مباشر. وعلى الآباء أن يهتموا بترتيب البيت وتنظيم وسائله بما يتناسب مع حركة الطفل ونشاطه وأن يتجنبوا كل ما يعيق هذه الحركة، وأن يحرصوا على إشعار الطفل بأنّه يعيش في كنف بيت يفيض حباً وحناناً لا وسط معسكر إنعدمت فيه كل العواطف والمظاهر الإنسانية.
المصدر: كتاب فن تربية الطفل
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق