• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

معطيات ثورة الإمام الحسين (عليه السلام)

عمار كاظم

معطيات ثورة الإمام الحسين (عليه السلام)

إنّ الزخم العطائي لثورة الإمام الحسين (عليه السلام) عطاء مستمر ودائم، على مختلف العصور والدهور والأجيال، فهي بمثابة المشعل الذي يُنير الدرب للثائرين، في سبيل رسالة الحقّ، الرسالة الإسلامية الخالدة. وهذا العطاء الدائم المستمر للثورة، طالما غذّى الغصون الإسلامية، حتى نمت وترعرعت ببركة ثورة أبي الشهداء الحسين الخالد، فهي كانت ولا تزال وستكون نبراساً لكلّ إنسان معذّب ومضطهد على وجه هذه الأرض، وهي الأمل المنشود لكلّ الناس الخيرين، الذين يدافعون عن حقّهم في العيش بسلام وأمان.

فهذه القرون تأتي قرناً بعد قرن، وهذا الحسين اسمه باقٍ في القلوب وفي الأفكار والضمائر، فهو أكبر من القرون وأكبر من الزمن؛ لأنّه عاش لله، وجاهد في سبيله، وقُتل في رضوانه، فهو مع الله والله معه، ومَن كان الله معه فهو باقٍ.

وإنّ ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) قد تمخّضت وكشفت عن جانبين مهمّين، هما:

ـ الجانب العاطفي للثورة: فهي الثورة الوحيدة في العالم التي لو تسنّى لكلّ فرد ـ مهما كان معتقده وفكرته ـ أن يشاهد مسرحيتها بكلّ أبعادها وتفاصيلها، لما تمكّن من أن يملك دمعته وعبرته، وكما هو المعروف الآن في البلاد غير الإسلامية، حيث يقرأ بعض أبنائها ملحمة واقعة الطف في كربلاء، فإنّهم لا يملكون إلّا أن يجهشوا بالبكاء، لأنّها مأساة أليمة تتصدّع القلوب لهولها ومصابها، وذلك كما وصفها المؤرِّخ الإنجليزي الشهير (جيبون) بقوله: «إنّ مأساة الحسين المروّعة، بالرغم من تقادم عهدها، وتباين موطنها، لابدّ أن تُثير العطف والحنان في نفس أقل القرّاء إحساساً، وأقساهم قلباً». وأكثر من هذا، إنّه قد رُوِي أنّ الذين قاتلوا رجال الثورة لم يملكوا أنفُسهم من البكاء، فهذا (عمر بن سعد) قائد الجيش الأُموي في كربلاء، يبكي عندما نادته زينب بنت عليّ (عليهما السلام) قائلةً له: «يا عمر، أيُقتل أبو عبدالله وأنت تنظر (إليه)؟! فدمعت عيناه حتى سالت دموعه على خدّيه ولحيته، وصرف وجهه عنها». وكيف لا تكون كذلك، وهي المأساة التي أدمت قلب الإنسانية، وأقرحت جفونها، تألّماً وتأثّراً؛ لأنّ فيها قُتل الشيخ الطاعن في السنّ، الذي جاوز السبعين، وقُتل فيها الكهل، وهم الغالبية من أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام)، وفيها الفتى الذي لمّا يتجاوز الحلم، من بني هاشم وأقمارهم، وفتيان أصحابهم، وفيها الطفل الرضيع والمرأة العجوز، وإلى ما هنالك من المآسي والآلام التي حلّت بشهداء هذه الثورة.

ـ الجانب العقائدي للثورة: إذا أردنا دراسة هذا الجانب، فإنّا لم نعلم ثورة في التاريخ عُرفت بعقائديتها بهذا اللون من الاعتقاد، والتفاني من أجله كثورة الحسين (عليه السلام)، والإنسان لا يمكن له أن يعرف المستوى العقائدي لثورة من الثورات، إلّا أن يدرس النصوص والوثائق لقادة هذه الثورات وأنصارها، وثورة الإمام الحسين (عليه السلام) بلغت في عقائديتها الذروة العليا في الوعي والعمق، سواء عند قائدها أو أتباعه أو أنصاره، فهي لم تختلف وعياً في جميع أدوارها، منذ أن أُعلنت حتى آخر نفس من حياة رجالها، على مختلف المستويات الثقافية والإدراكية لرجاله. كانت ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) السبب في إحياء الإرادة لدى الجماهير المسلمة وانبعاث الروح النضالية، وهزّة قوية في ضمير الإنسان المسلم الذي ركن إلى الخنوع والتسليم، عاجزاً عن مواجهة ذاته ومواجهة الحاكم الظالم الذي يعبث بالأُمّة كيف يشاء. فتعلّم الإنسان المسلم من ثورة الحسين (عليه السلام) أن لا يستسلم ولا يساوم، وأن يصرخ معبّراً عن رأيه ورغبته في حياة أفضل في ظلّ حكم يتمتّع بالشرعية، أو على الأقل برضى الجماهير.

ارسال التعليق

Top