يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، و«لا تزالُ أُمّتي بخيرٍ ما تحابُّوا وتهادوا، وأدَّوا الأمانة، واجتَنَبوا الحرام، وقَرَوا الضَّيفَ، وأقاموا الصلاةَ، وآتوُا الزكاةَ، فإذا لم يفعلُوا ذلك ابتُلُوا بالقحطِ والسنين..». والحديث الشريف يتضمّن جملة من الوصايا الأخلاقية والإنسانية الهادفة التي تقرّب بين الناس، وتجعلهم في وحدة شعورية وأخلاقية وروحية وإنسانية راقية ومتماسكة. فمحبّة الإنسان لأخيه الإنسان كفيله بإزالة حواجز النفور والحقد والتدابر، وتأدية الأمانة دليل على صفاء نفس المؤمن وصدقه وإخلاصه وإنسانيته العالية، وإقراء الضَّيف دليل الأخلاق الحسنة والكرم والشهامة والنبل.. فالإسلام جاء ليمثِّل في كلّ مفاهيمه وتشريعاته، النظام الأخلاقي الذي يعيشه الإنسان في نفسه ومع الناس من حوله. ولعلّنا نستوحي من هذه الأحاديث، أنّ كلّ رسالات الأنبياء تمحورت حول هذا النظام الأخلاقي في حياة الناس، لأنّه عندما تنتظم حياة الناس في نظام أخلاقي يحترم فيه الإنسان الإنسان، ويرحم فيه الإنسان الإنسان، ويعمل على أن يعيش من أجل أن يسرّ الناس ويقضي حاجاتهم ويتحمّل مسؤولياتهم، فإنّ ذلك هو الذي يبني الحياة. لقد اختصر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) الإسلام بقوله: «الإسلام حُسنُ الخُلُق». وورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): «ثلاثٌ مَن لم تكنّ فيه فليس مني ولا من الله عزّوجلّ». قيل: يا رسول الله، وما هنّ؟ قال: «حِلمٌ يردُّ به جهل الجاهل، وحُسن خُلُق يعيش به في الناس ـ أن يتميّز بالأخلاق الحسنة التي يعيش فيها مع أهله ومع الناس الذين يعيشون معه ويتعامل معهم ـ وورعٌ يحجزه عن معاصي الله». وفي دعاء مكارم الأخلاق للإمام السجاد (عليه السلام)، يدعو الله سبحانه وتعالى بأن «سددني لأن اعارض مَن غشّني بالنُّصح، وأجزي مَن هجرني بالبرّ، وأثيب مَن حرمني بالبذل، وأكافئ مَن قطعني بالصِّلة، وأخالف مَن اغتابني إلى حُسن الذِّكر، وأن اشكر الحسنة وأغضّ عن السيِّئة». بما يعني أنّ التحلّي بالأخلاق الحميدة تحتاج لثمن باهض، وهو ليس بمستحيل قطعاً لطالبه.
المؤمن المخلص قلبه لا يعرف الغلَّ لأحد، فلا يبغض إلّا أهل معصية الله، ويندفع بكلّ محبّة ورحمة على أهل طاعة الله تعالى، لأنّه يعرف الحقّ وأهله.. وفي الحديث عن الإمام محمّد الباقر (علیه السلام): «إذا أردت أن تعلم أنّ فيك خيراً، فانظر إلى قلبك، فإن كان يحبّ أهل طاعة الله ويبغض أهل معصيته، ففيك خير والله يحبّك، وإن كان يبغض أهل طاعة الله ويحبّ أهل معصيته، فليس فيك خير والله يبغضك، والمرء مع مَن أحبّ». فالإيمان والإخلاص فيما يرميان إليه، هو أن يتحقّق الانسجام بين مشاعر الإنسان وعقله في خطّ الله تعالى، عندها يحصل التوازن المطلوب في شخصية الفرد والجماعة.
إنّ حفظ الإنسان والحياة لابدّ من أن يكون من خلال ممارسة الفعل الأخلاقي، من تواضع وصدق وأمانة ورحمة وعبودية خالصة لله، ليعمّ السلام والخير الذات والمجتمع، في زمن نعيش الجدب الروحي والأخلاقي. لذلك علينا كمسلمين، ونحن نعيش في عالم كلّه حقد وعداوة وبغضاء، أن ننطلق من خلال القيمة الأساسية للإسلام، وهي أن نأخذ بمكارم الأخلاق، لتنطلق بيننا المحبّة والرحمة والتكافل والتواصل والتضامن في كلّ قضايانا العامّة والخاصّة، لأنّ الإسلام يريد منّا أن نبني مجتمعاً يتحرّك فيه الإنسان على أساس العدل والسلام، وقد اختصر الله تعالى طريق النجاح، فقال سبحانه: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (سورة العصر).مقالات ذات صلة
ارسال التعليق