• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الإسترخاء في مواجهة التوتر

د. لطفي الشربيني

الإسترخاء في مواجهة التوتر
◄قبل أن نتحدث عن التوتر والاسترخاء يمكنك – عزيزي القارئ – أن تقوم بتجربة عملية بسيطة انك إذا قمت بتقطيب جبينك ورسم علامات الغضب والتهجم على وجهك فأنت غالباً ستشعر داخلياً بالغضب وقد تستجيب لأي مؤثر خارجي بعصبية وحدة وعلى العكس من ذلك إذا كانت حالتك هادئة أو تشعر بالسرور فإن انفعالاتك مع المواقف ستكون متزنة تتميز بالإيجابية والهدوء ولكن ما علاقة ذلك بمفهوم الاسترخاء والتوتر؟
أنّ كثيراً من الناس يعيشون في حالة شد وتوتر شديد طوال الوقت فترى انّهم في تحفز مستمر نتيجة لزيادة الانقباضات في العضلات بتأثير الانفعالات والقلق وهذا التوتر العضلي يكون بدوره سبباً في زيادة الانفعالات والقلق وبالتالي لا يكون بوسعنا تحديد أيهما بدأ أوّلاً القلق أم التوتر وأيهما نشأ بسبب الأخر مثل الوضع في حالة البيضة والدجاجة أيهما كان أسبق على الآخر؟ لكنها حلقة مفرغة لابدّ في العلاج من كسرها ونلاحظ أننا إذا توصلنا إلى حل يخفف من التوتر العضلي بالاسترخاء أو حتى بالدواء فإن ذلك يتبعه تحسن في حالة القلق النفسية.

- هذه علامات التوتر:
يستجيب الكثير من الناس للقلق والانفعال بتوتر متزايد في عضلات الجسم وهذا التوتر العضلي من شأنه أن يسهم في تقليل مقاومة الشخص وقدرته على مواجهة المواقف بكفاءة ذلك انّه يتسبب في اضطراب النشاط البدني والذهني ويتولد عنه الميل إلى السلبية والخوف والهزيمة والاستسلام والدليل على ارتباط التوتر بكل ذلك أننا نشاهد تزايد التوتر في المرضى النفسيين أكثر من الأسوياء كما انّه يزيد مع الإحباط والفشل ويقل عند الأشخاص الناجحين إجتماعياً.
ومن مظاهر التوتر جمود الملامح والرعشة والحركات العصبية غير الإرادية وازدياد ضربات القلب واضطراب التنفس وارتفاع ضغط الدم وقد يصاحب التوتر الآم بدنية متفرقة كالصداع وألم الظهر وتقلصات الساقيين ولهذه الشكاوي دلالة نفسية ترتبط بالمكان الذي يتركز فيه التوتر فانفعال القلق يتسبب في شد عضلات الرقبة والجبهة والفكين وينشأ عن ذلك صداع الرأس ومع مشاعر الذنب والأسى تظهر آلام أسفل الظهر، وتدل تقلصات الساقين على الإثارة الجنسية.
وفي العيادة النفسية عادة ما نلاحظ علامات التوتر على مرضى النفس حتى أولئك الذين يبدون الهدوء كمظهر خارجي فهم عادة يعجزون عن احتمال ما بداخلهم من ثورة وصراع أليم، والشخص المتوتر لا يستقر في مكان، وإذا جلس يظل على حافة المقعد كأنما يتحفز للانطلاق، وهو في حركة مستمرة، فهو يفرك كفيه أو يقضم أظافره، أو يتململ في مكانه، وقد يدفع التوتر بعض المرضى أحياناً إلى استجابات حركية مثل الابتسامات والإشارات التي يلاحظها الآخرون ويرون أنها غير ملائمة، ويتأكّد لنا وجود توتر متزايد لدى المرض عند فحصه سريرياً حيث تكون استجابته لاختبار الانعكاس العصبي الذي يتم بواسطة الطرق على أرجله في الهواء باستثارة زائدة.

- الاسترخاء حل لمشكلة التوتر:
بعض الناس يكتسب عادة التوتر حتى تصبح هي القاعدة وما عداها استثناء، أي أنهم يظلون طول الوقت في هذه الحالة من عدم الارتياح حتى في الأوقات التي يفترض أن يستمتعوا فيها بحياتهم في الترفيه أو الراحة بعد العمل،.. أو أثناء القراءة...

- عزيزي القارئ..
توقف الآن عن القراءة عند هذا الحد لترى هل أنت الآن متوتر أم لا؟
لاحظ وضعك الآن وأنت تقرأ في هذا الموضوع الذي بين يديك...
هل أنت جالس وتنحني على الكمبيوتر؟ أم أنك في جلستك الآن مشدود فوق المقعد ولست في حالة استرخاء تام؟
لاحظ وضع جسمك، وعضلات أطرافك (الذراعين والساقين)، والظهر، هل كلها في حالة استرخاء وارتياح؟ أغلب الظن أنها ليست كذلك!! راقب الفك، والأسنان، والرقبة، هل هناك ضغط ما؟! نعم... لا تعد إلى القراءة الآن.. كف عن ذلك واسترح قليلاً.. إنّ الوضع الذي عليه جسمك الآن قد يتسبب في خلق بعض التوتر العصبي لديك لأن عضلات جسمك ليست في حالة استرخاء مع أنك الآن تقرأ، أي تقوم بعمل ذهني وليس عمل يدوي يتطلب مجهوداً عضلياً.
وحتى إذا كان الواحد منا يقوم بعمل يدوي أو أي نشاط فلا داعي لحالة التوتر في كل الجسم ويكفي فقط أن تعمل بعض الأعضاء وتبقى الأخرى في حالة استرخاء، لكننا عادة لا نفعل ذلك أننا اعتدنا على العكس، وتكون لدى كثير من الناس اعتقاد خاطىء بأنهم حين يتركز انتباههم يجب أن يشد الواحد منهم نفسه وينحني للإمام في تحفز، وهم يفعلون ذلك أثناء الاستماع إلى حديث، أو المناقشة، أو قراءة موضوع مثير، أو حتى مشاهدة التليفزيون.

- تسألني الآن – عزيزي القارئ – عن الحل..
إنّ الحل هو الاسترخاء.. والاسترخاء يعني التوقف التام لكل الانقباضات والتوترات العضلية المصاحبة للحالة التي وصفناها مع التوتر.
ويختلف الاسترخاء عن الرقاد والنوم، فهو يتضمن حالة من الارتياح أعمق من ذلك، فالنائم قد يظل مضطرباً يتقلب في فراشه دون استقرار لأن ذهنه مشحون بالأفكار والصراعات، لكن في حالة الاسترخاء يكون بوسع المرء أن يستلقي متخلصاً من كل ما به من توتر عضلي وقلق نفسي، حيث يمكنه ذلك من الاستجابة لكل المؤثرات الداخلية والخارجية بطريقة متزنة هادئة.►

المصدر: كتاب (عصر القلق.. الأسباب والعلاج)

ارسال التعليق

Top