• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

ريجيم البيئة الصحي

ريجيم البيئة الصحي

أنت ما تأكل، وما تأكل يصنفك سميناً أو نحيفاً، نباتياً أو لا، تحافظ على البيئة أو لا.. هذا الكلام لا يصدر عشوائياً أو عن عبث، بل عن دراية عميقة بأنّ ما تأكلونه يؤثر ليس فيكم فقط، بل في كوكب الأرض!

حين نتحلّق حول المائدة لتناول الطعام، نادراً ما نهتم بخياراتنا الغذائية وتأثيرها في العالم، أو نفكر في أنّ كلّ قطعة "بيرغر" نلتهمها، تعكس معاناة الحيوانات، من أبقار وأغنام، ولا تخطر في بالنا نسبة السموم التي تتراكم في أجسامنا بسبب خيارات السلسلة الغذائية السيئة، ولا ننتبه إلى أنّ ما نأكله اليوم يرسم صورة عالم الأجيال القادمة. نحن حين نبحث عن الريجيم الصحيح، لا بل الأصح، ننسى أنّنا جزء من هذه الأرض وأنّها جزء منّا. نحن ننسى بكلامٍ آخر أنّنا نؤثر بغذائنا في مصير الأرض.

 

- الريجيم النباتي:

يُعرف النباتيون أنّهم يسهمون في إنقاذ الحيوانات؛ لكنّ الكثيرين منهم ليسوا على بيِّنة من الآثار البيئية المترتبة على اتباع نظام غذائي نباتي وهي، في مجملعها، إيجابية، حيث إنّ إنتاج لحوم الأبقار وغيرها من البروتينات الحيوانية يستهلك كميات هائلة من الموارد الطبيعية، مثل الماء والوقود الأحفوري والتربة السطحية، ويسبب تلويث الماء الذي نشربه والهواء الذي نتنفسه، إضافة إلى اقتطاع أشجارنا. وهذا يعني أنّ التحول إلى الغذاء النباتي إحدى الخطوات الأساسية المهمة التي تساعد البيئة. وتناول اللحوم أكبر ثاني المخاطر البيئية التي تواجه الأرض.

 

- إحصاءات وأرقام:

تريدون أرقاماً؟ تستهلك الأبقار ما يعادل سبعة كيلوغرامات ونصف الكيلوغرام من الخضراوات، من أجل تحويلها إلى نصف كيلوغرام من اللحوم، كما تستهلك تربية الحيوانات من أجل الغذاء في الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من نصف الماء المستخدم هناك. ويحتاج إنتاج كلّ رطل أو أكثر بقليل من نصف كيلوغرام من اللحوم إلى استهلاك أكثر من 2500 غالون من الماء، في حين يكفي إنتاج رطل من القمح 25 غالوناً من الماء فقط لا غير. هذا ليس كلّ شيء، ذلك أنّ إنتاج "همبرغر" واحد يحتاج إلى كمية من الوقود الأحفوري تكفي لقيادة سيارة صغيرة مسافة 20 ميلاً. ويفيد في هذا الإطار أن تعرفوا أنّ أكثر من ثلث المواد الخام والوقود الأحفوري المستخدم في الولايات المتحدة، يستهلك في تربية الحيوانات من أجل الغذاء.

إلى ذلك، يولد كلّ مصنع نموذجي لتربية الخنازير من أجل الطعام في الولايات المتحدة الأمريكية، ما يعادل إنتاج بلدة من 12 الف إنسان من النفايات الخام، ما يعد السبب الأول لتلوث الماء. في المقابل، تستهلك الماشية إنتاج نحو 87 في المئة من الأراضي الزراعية في الولايات المتحدة، ونحو 45 في المئة من مساحة الأرض الكلية هناك تستخدم لإنتاج الأعلاف. وصناعة اللحوم مسؤولة عن تآكل نحو 85 في المئة من التربة في الولايات المتحدة الأمريكية.

وأكثر من كلّ هذا وذاك، تستهلك الماشية أكثر من 80 في المئة من الذرة التي تزرع، وأكثر من 95 في المئة من الشوفان. وتسبب الأبقار والأغنام إنتاج 37 في المئة من إجمالي غاز الميثان المدمر لطبقة الأوزون. وتستهلك الماشية كمية من المواد الغذائية تساوي حاجات 7ر8 بليون إنسان من السعرات الحرارية، أي أكثر من عدد سكّان الأرض.

 

- تقليل وتوفير:

هل نلقي التحية على النباتيين؟ هل علينا اتباع "ريجيم الأرض" الذي يحافظ عليها من أجل الأجيال القادمة؟

صعب طبعاً الحصول على الوجبات الغذائية الموصى بها صحياً عبر تناول الفاكهة والخضراوات فقط، حتى ولو كانت الأطعمة ذات الأصل النباتي جيدة لنا ولكوكب الأرض.

هل تعلمون أنّ 2ر3 في المئة فقط من الأمريكيين نباتيون. في حين يعتمد 8ر96 في المئة في غذائهم على لحوم البقر والخنزير والدجاج؟ وهل تعلمون أنّ شعبية تناول اللحوم تزيد في العالم جيلاً بعد جيل، ما يزيد الأثر السيئ الناتج عن اعتماد أنظمة غذائية أقرب إلى العشوائية.

يوجد حالياً لمعلوماتكم أكثر من 17 مليار رأس ماشية في العالم، أيّ ما يعادل ثلاثة أضعاف عدد سكان الأرض. والحل لمواجهة استنفاد بيئة هذا الكوكب يكون بتقليل كمية اللحوم في النظام الغذائي من أجل توفير الماء والخضراوات والأشجار. الحل في التفكير مرات حين نبحث عن ريجيم جديد بما هو صحي ومفيد، والـ"همبرغر" كما تعلمون ليست صحية ولا مفيدة، بل سيئة وضارة بالإنسان والبيئة، حيث إنّها تدمر الغابات الاستوائية من أجل إنشاء مراعٍ للماشية، وكلّنا نعلم أنّ وجود الغابات أمر حيوي لإمداد البشر بالأوكسجين.

 

- القرار الصعب:

هل أخذتم قراركم؟ هل اقتنعتم بوجوب تخفيض كمّية اللحوم المستهلكة؟ هل تعرفون ماذا قد يحدث حين تنطلقون بريجيم يعتمد على كميات أقل من اللحوم؟ تتمنّون وقف تناول اللحوم الحمراء والدجاج وتناول الأسماك فقط؟

القرار ليس سهلاً طبعاً. لذا يفترض اتباعه بتكتيك في الأسلوب والتعبير كي لا تفشل خططكم في نصف الطريق. ما رأيكم مثلاً في الإعلان عن نيّتكم هذه عبر صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بكم، وهكذا يعرف أصدقاؤكم نواياكم ولا تضطرون في كلّ مرة تلبون فيها دعوة إلى الغداء أو العشاء، إلى شرح نمط غذائكم الجديد؟ نفذوا هذا التكتيك فيعرف الآخرون خياراتكم الغذائية الجديدة، وتجدوا في آنٍ معاً، إحراجاً في العودة عن القرار.

اربطوا هدفكم الجديد بأهداف أخرى كي تشعروا بالحماسة. وابدأوا بتطبيق قراركم مدّة عشرة أيام بدلاً من أن تقولوا: سنمتنع عن تناول اللحوم كلّ العمر. من الصعب أن يفكر الإنسان في أنّه لن يقوم بعمل ما، خصوصاً إذا كان يحبّه كلّ العمر. فكيف إذا كان الامتناع عن أطعمة يحبها؟ في كلّ حال، إنّ التوقف عن تناول اللحوم لمدة عشرة أيام سيجعلكم تشعرون بطاقة متجددة، استثنائية، وستشعرون أيضاً بانخفاض الوزن، وهذا ما يجعلكم تجددون العهد ثلاثين يوماً، ثمّ سنة، ثمّ يصبح النظام الغذائي الخالي من اللحوم نظام حياة.

ثمة مَن يعتبر أنّ إحداث صدمة سريعة بتحول كلي فجائي إلى النظام النباتي أفضل ألف مرة من تغيير بطيء، فهل نصدق؟

هناك مَنْ يناقض هذه النظرية، معتبراً أنّ التغيير التدريجي أفضل، لأنّه يساعد براعم التذوق على التكيف مع النظام الغذائي الجديد.

سؤال آخر يطرح، قد يزيد الجواب عنه الحماسة للامتناع عن تناول اللحوم: ماذا يحدث حين يتناول الإنسان كميات أقل من اللحوم؟

سينخفض الوزن حتماً. وهذه النتيجة مرجوة غالباً. وقد يكتسب الجسم بعض البكتيريا الصحية في الأمعاء. وكلّنا نعلم أنّ في الجسم أنزيمات هضمية تتعامل مع البروتينات في اللحوم والنباتات، والتي لا تتغير عند التوقف عن تناول اللحوم؛ لكن شخصية البكتيريا في الأمعاء هي التي تتغير فتصبح صحية أكثر.

أمراض القلب تقل هي أيضاً عند تقليل نسبة تناول اللحوم أو التوقف نهائياً عنها، وتحدد نسبة الانخفاض بنحو 26 في المئة أقل عند النباتيين من آكلي لحوم الماشية والدواجن. كما أنّ الإلتهابات في الجسم تنخفض عند التحول عن أكل اللحوم الحمراء.

البروتين ضروري طبعاً لبناء العضلات والحفاظ عليها وإصلاحها، وهذا يمكن أن يتوافر في الحيوان (كما نعرف كلّنا) وفي النبات أيضاً، حتى إنّ البروتين النباتي بات ينصح الرياضيين بتناوله سائلاً، لأن هذا يسمح للجسم بامتصاصه بشكل أسرع. والبروتين موجود في عصير جوز الهند، وحليب الصويا، وحليب اللوز، وحليب القنب، وفي الكربوهيدرات، وفي الفاكهة الطازجة التي تساعد على تجديد مخازن الـ(جليكوجين)، بالتالي علينا ألّا نتذرّع بحجة البورتين لتناول اللحوم.

 

 * إعداد: نوال نصر

 

ارسال التعليق

Top