• ١٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

كيف نُخرج أطفالنا من دائرة العناد؟

كيف نُخرج أطفالنا من دائرة العناد؟

هل تقبل من ابنك أن يقول لك "لا"؟

إنّ الطفل في مرحلة تعلم المشي تبدأ عنده الحاجة إلى الانفصال والاستقلال، ولكي يشبع هذا الاحتياج النفسي تراه يندفع ويتحرك بعيداً عن أُمه أو أبيه أو أية شخصية أخرى لها سلطة عليه، وتسبب حاجة الطفل إلى الانفصال إلى حدوث ظاهرة "الارتباط المضاد"، فترى الطفل – الذي يتعلم المشي – يتصرف بطريقة مضادة لكلّ من حوله، وغالباً ما تكون الكلمات التي يحتويها قاموس مفرداته هي: "لا"، "أنا"... وعندما تسمح للطفل – الذي يمر بمرحلة تعلم المشي – بقول "لا"؛ فأنت تساعد في تغذية الإحساس بالاستقلال والقوة، فالطفل سيشعر أنّه بدلاً من الخضوع لكلّ ما يطلب منه يمكنه الآن تقرير ما يريد، كما يمثل قول "لا" طريقة لاختبار الحدود واكتشاف مداها، ولا يعني السماح لطفلك بالتعبير عن إرادته أن تدعه يعاملك بطريقة غير مهذبة، بل ينبغي أن تضع لطفلك الحدود بحرّية وحزم وود...

 

أطفالنا أحياء وليسوا أشياء:

الأشياء ننقلها ونتحكم فيها دون اعتراض منها، والعجيب أنّ البعض يتعامل مع أبنائه على أنّهم أشياء، فهو يريدهم أن يسيروا بالريموت كنترول، فيضغط على مفتاح ليقوموا من نومهم بهدوء، ويضغط على مفتاح ثانٍ فيستعدون للمدرسة، وبمفتاح ثالث يجعلهم يذاكرون وبرابع يصلون وبخامس ينامون أو يأكلون، وبعض هؤلاء الآباء قد ينجحون في تحويل أطفالهم إلى أشياء يتحكمون بها، لكنهم لا يدركون أنّ جهاز التحكم في هؤلاء الأطفال (القهر والضرب والخوف) قد يقع في يد غيرهم، فيتحكم في أطفالهم كيفما شاء، فهل ترضى لطفلك أن يسير بالريموت كنترول (بجهاز التحكم)؟

أيّها المربي الكريم، إنّك لكي تحمي طفلك من المخاطر وشرار الناس عليك أن تعلمهم كيف يقولون لا، فلكي تحمي طفلك مثلاً من التحرش خارج البيت؛ علِّم طفلك أنّ له شخصيته المصونة التي يتحكم فيها هو فقط، ومن حقّ كلّ طفل معرفة الحقائق التالية وإعلانها لأي شخص:

·      إنّ جسدي ملكي وحدي من رأسي وحتى أصابع قدمي.

·      أعرف الطرق التي أحب أن يتعامل بها الآخرون مع جسدي.

·      أنا أقرر مَن يلمسني.

·      أنا أقرر مَن ألمس.

"أبي الحبيب أمي الحبيبة إذا لم استطع أقول "لا" في بيتنا بأدب واحترام، فلن استطيع قولها لأحد خارج البيت، وإن لم استطع رفع رأسي في بيتنا، فلن أرفعهما يوماً خارج البيت".

 

وقد يرتبك الأطفال بشأن هذه الحقوق، خاصة عند اختلاف توجيهات الكبار، فعادة ما يطلب منهم الكبار تقبيل الأقارب، والأصدقاء ومعانقتهم عندما لا يكون لهم رغبة في ذلك، إنّ هذا يبعث للطفل برسالة مفادها أنّهم لا يملكون السيطرة الكاملة على أجسادهم، وإذا أردت أن تعلم طفلك سلوكيات دفاعية فعليك ألا تصر على أن يكون ودوداً مع الآخرين عندما تأمره بذلك، فقط شجعه واترك له الخيار، حتى لو كنت تعلم أنّ الجدة ستحزن إن لم يحتضنها طفلك، يجب أن تدعه يختار متى ومع مَن يريد أن يكون ودوداً، وعند قيامك بذلك ستكون قد لقنته درساً قويّاً عن جسده وحقوقه...

ومن الحكمة ألا تغفل هذه الحقيقة: إنّ خطر تعرض طفلك لاعتداء من معارفك والأشخاص الموثوق بهم يفوق خطر تعرضه لمثل هذا الاعتداء من الغرباء، ولذلك يجب أن تعلّم طفلك كيف يقول لا عندما يشعر أنّه مهدد، وعلمه أنّ ذلك ليس فقط أمراً مقبولاً ولكنه ضروري، درّبه كيف يكون حازماً عندما يقول لا، فعليه حينها: شد كتفيه، استخدام صوت مرتفع وقوي، نظرة العين بشدة، طلب المساعدة من المحيطين...

 

ناقش الأسئلة التالية مع طفلك:

أيها الآباء والمعلمون؛ من فضلكم تعاملوا معنا على أنّنا (أحياء) ولسنا (أشياء).

مَن ترغب أن يحتضنك؟

متى ترغب أن يتم احتضانك؟

متى تحب أن تحتضن شخصاً ما؟

مَن تحب أن تحضن؟

بمَ تشعر في ذلك الوقت؟

لماذا يحب جدك احتضانك؟ وبمَ تشعر حينها؟ وماذا تفعل لو أراد احتضانك ولم ترد أنت؟ هل تقول: ليس الآن لكن أعدك يا جدي أنّ لك حضناً عندي؟

إن أراد شخص كبير أن يحتضنك ويقبلك بينما لا تريد أنت ذلك، ماذا يمكنك أن تقول له أو تفعل حينها؟

ما نوع اللمس الذي تحبه؟ وما نوع اللمس الذي لا تحبه؟

"إنّ الطفل المتمرد يتمتع بالقوة والاعتزاز بالنفس، وهاتان صفتان تحتاجان منك إلى استحسان وثناء، فلأن يكون لديك طفل يتمرد من وقت إلى آخر؛ أفضل من أن يكون لديك طفل مطيع وخنوع يسمح للآخرين أن يعاملوه بإذلال..."

"هل تعرف لماذا يعاند طفلك؟ إنّه مثلك ومثل كلّ الكبار؛ له رأي يدافع عنه، ووجهة نظر يتمسك بها، وأولويات يدافع عنها... فهل هذا من حقّه؟".

 

علِّم ابنك كيف يقول "لا":

إنّ أوّل كلمة يعلّمها الإسلام لأصحابه هي كلمة "لا"، تأمل معي الشهادتين التي ينطبق بها مَن يريد الدخول في الإسلام، إنّ شعار الإسلام "لا إله إلّا الله محمد رسول الله"، فالمسلم في بداية طريقه يتعلم كيف يقول "لا" حتى يقولها لكلّ منهج غير منهج الحقّ، ولأنّ أطفالنا مولودون على الفطرة فإنّك تجدهم كثيراً ما يقولون "لا"، ودورنا – كآباء ومربين – أن نعلمهم لمن يقولون "لا" ومتى وكيف، إنّ الطفل الذي لا يستطيع أن يقول "لا" في بيته ولأرفق الناس به وأحبهم على قلبه، فلن يقولها أبداً خارج بيته، والطفل الذي لا يرفع رأسه في بيته فمن الصعب أن يرفعها خارج بيته...

إنّ الطفل الذي لا يسمع في بيته غير عبارات الإجبار والاحتقار مثل: لا تتكلم، عندما آمرك، لا تعترض، كيف تتكلم أمامي، إنّك لن تعرف أكثر مني، ما أقوله لك إسمعه وأنت صامت...؛ ستراه لا محالة صامتاً منقاداً مخادعاً لئيماً كذاباً، وصدق الله سبحانه وتعالى إذ يقول: (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ) (التوبة/ 101).

 

شروط قول الطفل "لا" لوالديه:

·      في الدفاع عن حقّه (قلمي ولا أريد إعطاءه لأخي فأنا حرّ).

·      في التعبير عن رغباته واحتياجاته وظروفه.

·      يقول أسباب رفضه.

·      يقولها بأدب.

·      لا يكثر من قولها.

·      يسمع الطرف الآخر.

·      الوالد والوالدة كلمتهما هي الحاسمة.

 

كيف تحوّل تصرف طفلك من "لا" إلى "نعم"؟

لا.. لن أكلم جدتي في التليفون؟

إذا رفض الطفل مكالمة جده أو جدته على التليفون، لا ينبغي أن نقول له: "لن يحبك جدك إذا لم تتكلم معه الآن، وأنا لن أحبك"، إنّ هذه الطريقة تعلّم الطفل أنّه لن يكون محبوباً إلّا عندما يطيع والدته وجدته، وهذه رسالة خطيرة ومؤذية وتسبب للطفل خوفاً من فقدان الحب، وبدلاً من ذلك علينا التعاطف معه بقولنا: "أنا أعلم أنّك لا تريد التحدث إلى جدتك الآن، غير أنّها تحبك وتحب الحديث معك، وهي حزينة لأنّك لا تريد التحدث معها، ولأنّها تحبك فهي تتفهم رغبتك ومستعدة للحوار معك ساعة تشاء"، إنّ الأهل بهذه الطريقة يساعدون الطفل على التفكير بمشاعر الآخرين (جده أو جدته)، ويساعدونه في رؤية مدى تأثير قراراته على الآخرين.

يفترض بالوالدين تقديم الدعم للطفل الخجول أو الذي يتكرر منه رفض مكالمة جدته، ويتحقق ذلك عن طريق التمرين المسبق، فنقول للطفل: "ستتصل بك جدتك اليوم، فلنتمرن معاً على طريقة الحوار وما الذي يمكنك قوله لجدتك لأنّها تحب الكلام معك على الهاتف"، إنّ التمرين المسبق سيعتبره الولد لعبة جميلة، وفي الوقت نفسه فرصة تعليمية جيدة تساعده على حسن التواصل والجرأة والاستعداد...

لا.. لن أسرح شعري:

لا تقولن الأُم لنفسها: "كان من الممكن لابنتي أن تبدو في غاية الجاذبية والجمال، فقط لو أنّها تركتني أسرح لها شعرها مثلما كانت أمي تسرح لي شعري في صغري"، إنما يفترض بها أن تقول لنفسها: إني كنت أحب في صغري أن أربط شعري على شكل ذيل الفرس، فهذا لا يعني أنّه من المفترض بابنتي أن تحب هذه التسريحة أيضاً"، فالأولاد مختلفون عن أهلهم؛ لذلك علينا أن نقترح على أطفالنا ونترك لهم حقّ اتخاذ القرار، فهو شعرهم وليس شعرنا...

يمكن للأُم أن تسرح لابنتها شعرها في إطار من الفكاهة والضحك، فتقول لابنتها مثلاً: لنلعب معاً لعبة صالون الحلاق، فأنت تسرحين لي شعري، ثم أقوم بتسريح شعرك"، وهكذا تصبح مسألة تسريح الشعر مسلية وخفيفة الظل...

يمكن للأُم أن تسأل طفلتها قائلة: ساعديني لكي أعرف لماذا لا تحبين تسريح شعرك؟"، بهذه الطريقة يدرك الطفل أنّنا في صفه، ويمكننا اكتشاف سبب المشكلة وحلها.

لا.. لن أقول "شكراً" أو "السلام عليكم":

يستاء الأب عندما يرفض ابن الثلاث سنوات أن يقول شكراً لأحد أصدقائه بعد أن يكون قد قدم له هذا الصديق هدية، وقد يرفض الطفل أن يقول "شكراً" لجده أو جدته بعد أن تكون قد قدمت له كعكة شهية، وقد يرفض الطفل إلقاء التحية على الجيران، وهنا يشعر الأهل بالإحراج.. إنّ علاج تلك المشكلة تكون بأن نتقبل تصرف الطفل، ونشعر أنّه طبيعي وعادي جدّاً بالنسبة لطفل في سنه، وعندما يرفض الطفل فعل تلك العادات الجيدة فليس معناه أنّه غير مهذب، ولكن معنى ذلك أنّه بحاجة إلى مزيد من التدريب على تلك العادات الحميدة، وينبغي أن نزيد من تمرينه على السلوك الحسن، فنقول للطفل مثلاً: "ماذا نقول عندما يقدم لنا أحدهم شيئاً؟ هيا بنا نتمرن على ذلك قبل أن نذهب إلى جدتك، فهي غالباً ما تقدم لنا الكعك عندما نزورها، وكم تسعدها عندما تقول لها شكراً"...

أيّها المربي الكريم...

شيئان لا تستطيع إدخالهما في طفلك رغماً عنه... اللقمة والفكرة... ولكنك بالحيلة تستطيع...

 

لا.. لن آكل هذا الطعام:

كثير من البيوت يتكرر فيها على مائدة الطعام عبارة "أنا لا أحبه"، وفي بيتنا استخدمت طريقة أسميتها طريقة "اختيار لا إجبار"، وكان الهدف منها أن أشجع أطفالي على تناول الوجبات الجديدة التي أطبخها لهم لأوّل مرة أو التي لا يفضلونها كثيراً، وكانت الفكرة هي أن أجعل تناول تلك الوجبات اختياراً لا إجباراً، فكنت عندما أطبخ صنفاً جديداً، اتعمد أن أقول: ربما لن تكفي الكمية التي أعددتها لنا جميعاً، أو أقول: "لابدّ وأن تنتهي من الطعام الذي أمامك حتى تحصل على بعض السبانخ"، وبهذه الطريقة التحفيزية كان أطفالي ينظرون – للسبانخ والأطعمة التي يكرهها معظم الصغار على أنّها متعة كبيرة، ويتسابقون في أكلها خوفاً من نفاد الكمية، وهنا أقول لكلّ الأُمهات: إنّ آخر شيء يجب أن تقوله الأُم لطفلها "أرجوك، أرجوك أن تجرب هذا"، أو "جرب ملعقة وحيدة من أجل ماما"، أو "هذا ما عندنا من طعام كل إذا شئت"، فهذه العبارات جربها كثيرون ولم تنجح في تحقيق الهدف التي قيلت من أجله...

لا.. لن أساعد أمي في عمل المنزل:

اجعل العمل المنزلي متعة، تقول إحدى الأُمّهات: إنّني ما زلت أتذكر أثناء طفولتي في أسرة بها سبعة أطفال، أتذكر عندما يأتي دوري في غسيل الأطباق، كنت أقوم بذلك مرة في الأسبوع، ولكن في هذا اليوم كان شعوري هو: "إنّني دائماً أغسل الأطباق ولا أجد المتعة، بينما يستمتع باقي إخوتي وأنا لا"... ومرت الأيام، ورزقني الله بأولاد رائعين، وفكرت كيف أكلفهم بعمل منزلي وأجعلهم يشعرون بشيء من السعادة وهم يؤدون ذلك العمل المنزلي؟ فكنت أسعد أطفالي أثناء عملية غسيل الأطباق بالغناء معهم، ووجدت أن قصر مشاركتهم على خمس دقائق لا يجعلهم يشعرون بالملل، وهكذا لم يقاوموا مساعدتي في العمل المنزلي، وبعد أن كبروا أصبحوا يشعرون بالسعادة عندما يعملون بجد، ويعرفون كيف يستمتعون وهم يؤدون العمل، وهكذا زادت سعادتهم وقلت اعتراضاتهم على ما أطلبه منهم...

أيّها المربي الكريم؛ إذا قال لك طفلك "لا" بدون سبب ورفض طاعة أمرك، ورأيت أنّ طفلك مخطئ فقل له: لك عندي مرة أقول لك فيها "لا" كما قلت لي، وكن عند وعدك ونفذ قولك، وانتظر النتيجة...

 

الخبير تربوي: عبد الله محمد عبد المعطي

المصدر: كتاب أطفالنا كيف يسمعون كلامنا؟

ارسال التعليق

Top