• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الصوم كتجربة في الإخلاص والتقوى

أسرة البلاغ

الصوم كتجربة في الإخلاص والتقوى

نحن نعمل العمل الصالح ونبقى وجلين خائفين من أنّ أعمالنا التي ربّما لا تكون خالصة مخلصة لله، وإنّ بعضها قد يشوبه (المنّ) أو (الرِّياء) أو إرادة غير الله، فيأتي الصوم كونه عبادة مُضمَرة أو مستترة ليُعلِّمنا الإخلاص في العمل، وكيف نجتهد في تنمية أعمالنا لتكون خالصة لوجه الله وطلباً لمرضاته. فعلّة فرض الصيام وسببه، كما أوضح الإمام علي (ع) ذلك بأنّه "إبتلاء لإخلاص الخلق" أي إختبار لمدى صدقهم في العلاقة مع الله والطاعة لأوامره والامتثال أو الاستجابة لما يُريد. الصوم كتجربة في الإخلاص يمكن أن يتسع لإخلاصات أخرى كثيرة، بمعنى أن يكون كلّ عمل نتقرّب به إلى الله منطوياً أو متوفراً على شرط السلامة من (حب التظاهر) و(الافتخار) والارتفاع في أعين الناس، أو تصيُّد الدنيويّ بعملٍ أخرويّ. فالصوم هو عبادة متميزة بالإخلاص، لأنّه كفّ النفس عن الشهوات واللذائذ المحلّلة والمحرّمة من دون تظاهر أو إبراز أمام الآخرين، فهي متمحّضة في الإخلاص. وقد جعل الله هذا الصيام الواجب في أفضل زمن وأحسن ظرف، هو شهر رمضان وهو شهر نزول القرآن فزاد إلى فضله فضلاً وقرنه بالذكر والدعاء والاعتكاف والانفاق وتلاوة القرآن ليثمر التقوى بأحسن صورها وأسمى أشكالها وأعلى مراتبها.

رمضان، فرصة لأن يجلس الإنسان مع نفسه، في دعائه، وفي صلاته بين يدي الله سبحانه وتعالى، وأن يفكِّر في أعماله، وأن يحاسب نفسه ويربيها على التقوى، وأن يعوّد نفسه على طاعة الله سبحانه وتعالى، حتى يكون من أولياء الله وجنده. وهكذا من صام واستطاع أن يحصل على التقوى فقد استطاع أن يحصل على عمق الصوم في شخصيته، أمّا من صام ولم يحصل على التقوى، فإنه يصدق عليه القول المأثور الشريف المروي عن رسول الله (ص):«ربّ صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، وربّ قائم حظه من قيامه السّهر»، ولهذا فإن علينا أن نراقب أنفسنا عندما نصوم، أن نعرف أنفسنا في كلّ يوم. إن التقوى هي زاد الصّوم، وهي العنوان الذي يريد الله للإنسان أن يعيشه في حياته، ليكون الإنسان التقي اجتماعياً وسياسياً وفي جميع مجالات الحياة، لأن لكل شي‏ء تقواه ولكلّ مجالات الحياة لكل منها تقوى، لأنّ التقوى تعني أن يجدك الله حيث أمرك ويفقدك الله حيث نهاك.. فما دام أن في كلّ شي‏ء تشريعاً ولكل شي‏ء أمراً ونهياً، فإن التقوى تكون حيث يكون الأمر الإلهي، والتقوى تكون حيث يكون النهي الإلهي. التقوى هي الأساس، فإنّ الله يريد من الناس عندما يعيشون الحياة كلها وعندما يتحركون في كلّ قضاياهم، أن يقدموا بين أيديهم عند لقاء ربهم زاداً يتزوّدون به حتى يستطيعوا أن ينالوا رضوان الله وأن يعيشوا جنّة الله، يقول تعالى: (وتزوّدوا فإنّ خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب) (البقرة/ 197)، ويقول تعالى أيضاً: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدّمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون) (الحشر/ 18). إنّ تحقيق التقوى بحاجة إلى عنصرين: العنصر الأوَّل، هو أن يعرف الإنسان ما أراده الله منه، وما حرَّمه عليه، لأنّه لا يمكن للإنسان الذي يجهل الواجبات أن يفعل ما أراده الله منه أو يترك ما حرَّمه عليه، ولذلك لا بدَّ لكل مسلم من أن يمتلك الثقافة الفقهية الشرعية. وقد ورد عن الإمام جعفر الصَّادق (ع) أنَّه قال: «ليت السِّياط على رؤوس أصحابي حتى يتفقَّهوا في الحلال والحرام»، لأنّ قضية أن تكون مسلماً، يعني أن تلتزم بالإسلام كلّه؛ أن تلتزم به فيما أوجبه الله عليك، وأن تلتزم به فيما حرَّمه عليك، (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (الأحزاب/ 36). أما العنصر الثاني فهو الإرادة، بمعنى أن تكون للإنسان الإرادة التي يستطيع من خلالها أن يضغط على النفس الأمَّارة بالسّوء، وأن يضغط على شهواته عندما تدفعه إلى الحرام، وعلى نفسه عندما تدفعه إلى ترك الواجبات. 

ارسال التعليق

Top