◄في هذا الموضوع سوف نتعرّف على طرق تهذيب النفس، والأمور التي تساعدنا على القيام بذلك.
1- طرق تهذيب النفس:
إذا أراد الإنسان أن يهذّب نفسه، فلابدّ من أن يلتفت إلى الطرق التي يمكن استخدامها للقيام بهذا الأمر، وهذه الطرق هي:
أ) الوقاية: وهي بمعنى التوقِّي من أوّل الأمر بالحيطة والحذر، وتجنّب ما يؤدّي إلى الوقوع في المعاصي والأخلاق السيّئة، وهي أفضل وأسهل وسيلة لتهذيب النفس، لأنّ النفس قبل إصابتها وتلوّثها تكون أكثر استعداداً للتخلّق بأخلاق الله وعمل الخير، وتكون أقدر على مواجهة إغراء الدنيا ووسوسة الشيطان، ولذا فإنّ ترك المعاصي أيسر من الحصول على التوبة.
يقول الإمام عليّ (ع): "ترك الخطيئة أيسر من طلب التوبة، وكم من شهوة ساعة أورثت حزناً طويلاً".
ولذلك فإنّ عمر الشباب هو عمر مناسب جدّاً لهذا الأمر، حيث ينبغي ألّا يكون قد حصل التلوّث بحبِّ الدنيا في هذا العمر.
ب) الترك المباشر: لو فرضنا أنّ الوقاية لم تنجح بشكل كامل، وابتلى الإنسان بالمعاصي وسوء الخلق، فإنّ أفضل وسيلة لعلاج ذلك هو الترك المباشر والدفعيّ للمعاصي، والتوبة مباشرة بتصميم قاطع، وإرادة قويّة، والتغلّب على الشيطان والنفس الأمّارة بالسوء دفعة واحدة، وربما يحصل هذا الأمر نتيجة سماع آية أو حصول حادثة أو غير ذلك.
ت) الترك التدريجيّ: إذا لم نستطع تهذيب أنفسنا دفعة واحدة، فيمكن أن نقوم بذلك بشكل تدريجي، بأن نقوم بترك ذنب أو مجموعة ذنوب، وبذلك نكون قد بدّلنا نقطة سوداء في قلوبنا إلى نقطة بيضاء، ومن ثمّ نقوم بترك ذنب آخر، وهكذا إلى أن نكون بعد فترة قد ابتعدنا تماماً عن الذنوب، وأخرجنا الصفات السيئة من أنفسنا، وسدّدنا ضربة موجعة للشيطان، تضعفه عن محاولة إضلالنا وإسقاطنا في وادي الهلاك.
2- الأمور المساعدة على تهذيب النفس:
وأمّا الأمور التي يمكن لها أن تساعدنا على تهذيبنا لأنفسنا، فهي:
أ) التفكّر: إنّ الإنسان إذا انشغل بأموره الدنيويّة، وغفل عن الآخرة وآثار اعماله فيها، فإنّه لن يندفع لتهذيب نفسه، وهنا ما الحلّ؟
الحلّ في التفكّر، التفكّر في العاقبة، وفي نتائج اعماله في الآخرة، وفيما سيحصل له في عالم القبر ويوم القيامة. إنّ هذا التفكّر سيلجم الإنسان عن ارتكاب ما يؤدّي إلى سوء العاقبة.
يقول الإمام عليّ (ع): "من عمر قلبه بدوام الفكر حسنت أفعاله في السرّ والجهر".
ب) التأديب والمجازاة: يمكن للمرء أن يتوعّد نفسه بالعقاب فيما لو ارتكبت المعصية، فإن فعلت عاقبها بأحد هذه الأمور: إما بالصوم يوماً، أو بدفع مبلغ ماليّ، أو بحرمان النفس من وجبة طعام، أو ممّا تشتهيه وهكذا.. وإن أقلعت يكون قد كبح جماحها، فلا يتهاون معها ولا ينساق مع العادات السيئة التي تحكّمت بها.
يقول الإمام عليّ (ع): "تولَّوْا من أنفسكم تأديبها واعدلوا بها عن ضراوة عاداتها".
ويقول (ع): "نعم العون على أسر النفس وكسر عادتها الجوع".
ت) الإلتفات إلى قيم الذات وتقوية القيم الإنسانية: إنّ نفس الإنسان جوهرة ثمينة، جاءت إلى الوجود من عالم الكمال والجمال، فإذا أدرك الإنسان ذلك فإنّه سوف ينأى بنفسه عن ارتكاب ما لا ينسجم مع مقامه كخليفة الله ومحلٍّ لتكريمه، لأنّ تلك النفس خلقت لتترفّع عن الدنس والخطايا، ولترتقي في عالم القرب إلى الله، وهذا ما يدفع نحو تهذيب النفس، فعلى السالك عندها أن يقوم بأمرين:
الأوّل: أن لا يستجيب لتلك الصفة السيِّئة في نفسه.
الثاني: أن يعمل على تقوية تلك الصفة الحسنة المقابلة لها، ويفرض على نفسه العمل بها حتى يعتاد عليها تدريجيّاً، لتتحوّل إلى ملكة وصفة راسخة في نفسه، وفي ذلك يقول الإمام عليّ (ع): "عوِّد نفسك فعل المكارم، وتحمَّل أعباء المغارم، تشرف نفسك، تعمر آخرتك، ويكثر حامدوك".
3- موانع تهذيب النفس:
كما ينبغي على الإنسان أن يهتمّ بطرق التهذيب، عليه أيضاً أن يزيل الموانع التي تحول دون تهذيب نفسه، وذلك بالكفّ عن أمرين:
أ) معاشرة أهل السوء: إنّ الإنسان يتأثّر بأقرانه، سواءً من حيث يشعر أم لا يشعر، فإن كان لابدّ من صحبة فيجب أن يكون الأصحاب من الأخيار، الذين يُقرِّبُون من الجنّة ويُبعِّدون عن النار، من هنا أكّدت الروايات كثيراً على اتّخاذ الأصحاب من المؤمنين الصالحين، وضرورة الابتعاد عن قُرنَاء السوء، لما ذلك من أثر طيّب على المرء في أخلاقه وأعماله، بل وفي دينه، يقول الإمام عليّ (ع): "احذر مجالسة قرين السوء فإنّه يهلك مقارنه ويردي مصاحبه".
ب) الموارد التي يحتمل أن يضعف فيها: بما أنّ الإنسان يتأثر بالأمور التي تحيط به، فإنّه من الممكن أن يضعف في بعض المواطن، أو الحالات التي تتهيّأ فيها أجواء المعصية، كمجالس الفسق والفجور ومراكز السوء، والخلوة بالمرأة الأجنبيّة والمزاح معها، والنظر إلى المشاهد المثيرة للغرائز والشهوات، من هنا كان عليه أن يبتعد عن تلك الموارد التي يقوى فيها الشيطان عليه، حتّى لا يقع في المعصية، يقول الإمام عليّ (ع): "إذا أبصرت العينُ الشهوة، عمي القلب عن العاقبة".
إنّ الإنسان الذي يهتمّ بتهذيب نفسه لابدّ أن يقدم على كلّ ما من شأنه أن يوصله إلى هدفه السامي، لكي يحثّ السير ويسرع في الوصول قبل فوات الأوان.
ت) حبّ الدنيا: والمراد بها حبّ الدنيا المذمومة بالنظرة الإسلاميّة.►
المصدر: كتاب دروس في تزكية النفس
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق