• ٧ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٥ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

معرفة المعروف والمنكر

معرفة المعروف والمنكر
 ◄إنّ الإنسان يحتاج في كل حركة من حركاته إلى المعرفة، ولا يختلف الأمر بالنسبة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيلزم قبل كل شيء المعرفة بهذه الفريضة مفهوماً ومصداقاً. فكما يجب علينا أن نعرف معنى المعروف والمنكر، كذلك علينا كمكلفين أن نعرف ما هي دائرة وحدود كل من المعروف والمنكر ومعرفة مصاديق كل منهما.

فعن الإمام الصادق (ع) – لما سُئل عن وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الأمة جميعاً –؟ قال (ع): لا، فقيل: ولم؟ قال (ع): "إنما هو على القوي المطاع العالم بالمعروف من المنكر، لا على الضعفة الذين لا يهتدون سبيلاً، إلى أي من أي، يقول إلى الحق أم إلى الباطل، والدليل على ذلك من كتاب الله قول الله عزّ وجلّ: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ...) (آل عمران/ 104).

 

-        معنى المعروف والمنكر:

لنبدأ أوّلاً بالمعنى اللغوي لكلمتي معروف ومنكر.

يقول أهل اللغة إنّ كلمة معروف مشتقة من المعرفة بمعنى أنّه الشيء أو الفعل أو الصفة التي تعرف بحسنها، وعبر عنها بالمعروف لعدم تأذي الطبع عادة منها، وبالتالي فهو يتلقاها وينفعل بها وبوجودها بعدم إستهجان أو إبداء إنزعاج، أي يتلقاها بقبول وعدم اعتراض وكأنّها مألوفة لديه.

والمنكر من الإنكار، أي ما يقابل المعنى الآنف فيكون المعنى أنّه غير معروف أي غير معلوم، وبالتالي لا يألفه الطبع السليم للإنسان لقبحه وسوئه. وبالتالي فالمعروف والمنكر صفتان متضادتان تعرضان على الأشياء والأفعال بشكل أخص.

وفي الإصطلاح المعروف هو إسم لكل فعل حسن بنظر العقل والشرع والعرف. والمنكر هو كل قبيح بنظر العقل والشرع والعرف.

ولابدّ من العودة للإلفات إلى أن سبب تسمية المعروف معروفاً هو أنّ الإنسان ذا الفطرة السليمة الطاهرة والصافية غير الملوثة بالإنحراف المأخوذ عن البيئة الفاسدة، يأنس به فيتقبله، وسُمي المنكر منكراً لغربته فلا تأنس به فطرة الإنسان السليمة.

 

-        معيار تشخيص المعروف والمنكر:

لقد سبقت الإشارة إلى أنّ الفطرة السليمة عند الإنسان هي أوضح وأصدق معيار، وتشكل كذلك أفضل ملاك لتشخيص المعروف والمنكر. والقرآن الكريم أكّد على ذلك معتبراً أن حسن الأفعال وقبحها ذاتيان، وبالتالي فإن نفس تسمية الأفعال الحسنة بالمعروف والأفعال القبيحة بالمنكر تعد إشارة إلى كون هذا الحسن والقبح كامناً في نفس الفعل. وقد أشار القرآن أيضاً إلى امتلاك الإنسان وسيلة لإدراك هذا الحسن وذلك القبح وهو الفطرة السليمة قال تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) (الشمس/ 7-8).

 

-        ولتشخيص المعروف والمنكر يمكن الركون إلى المعايير التالية:

1-    الشرع المقدس.

2-    العقل السليم.

3-    الفطرة الطاهرة.

وإنّما ذكرنا إضافة إلى الفطرة والشرع المقدس العقل السليم لأننا وجدنا في المأثور وبالتجربة أن كل ما حكم به العقل حكم به الشرع، وبالتالي فكل ما ندب إليه الشارع المقدس وحث على فعله وارتضاه العقل واستساغته الفطرة السليمة هو ما أسماه الله تعالى والسنّة الشريفة المعروف. وكل ما نهى عنه الشارع ورفضه العقل والفطرة وكان بنظرهما غير مقبول فهو المسمى بالمنكر والقبيح.

 

-        دائرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الفقه:

إنّ علماء الإسلام قسموا الأفعال بحسب تعلق الحكم الشرعي بها تقسيماً خماسياً.

فقسم مطلوب فعله ولا رخصة في تركه وهو الواجب.

وقسم مطلوب تركه ولا رخصة في فعله فهو الحرام.

وقسم مطلوب فعله وهناك رخصة في تركه فهو المستحب أو المندوب، وقسم مطلوب تركه وهناك رخصة في فعله فهو المكروه.

وقسم أخير وهو ما يستوي فيه الطرفان أي أنّه لا رجحان في طلبه ولا رجحان في تركه والتخيير قائم في كل الطرفين فعلاً وتركاً وهو المباح، وبالتالي فالأحكام الإلهية تنقسم إلى:

1-    واجب، 2- حرام، 3- مستحب، 4- مكروه، 5- مباح.

ويمكن إعادة تقسيمها تقسيماً ثلاثياً:

1-    ما هو مطلوب فعله.

2-    ما هو مطلوب تركه.

3-    ما لا رجحان في فعله أو تركه.

وبالعودة إلى دائرة المعروف والمنكر بحسب التقسيم الفقهي نقول: ما يكون لازماً أو راجحاً فعله دون الزام وهما اللذان يعبر عنهما بالواجبات والمستحبات هما مجموعة من الأقوال والأفعال التي كشف عن حسنهما يسميان باسم المعروف. وما يكون لازماً تركه بحكم الشرع والعقل أو راجحاً يعبر عنه بالمحرمات والمكروهات هما مجموعة من الأقوال والأفعال التي كشف الشرع والعقل عن قبحهما ويسميان باسم المنكر.

 

 

-        مصاديق المعروف والمنكر:

إنّ دائرة المعروف والمنكر لا تقتصر على الأفعال والأقوال لتكون مقتصرة على دوائر الأحكام الشرعية التقليدية من عبادات ومعاملات، بل تتسع لتشمل كافة أبعاد الوجود الإنساني بما يشمل عقائد الإنسان ومشاعره، ولا تقتصر على الجانب الفردي في حياة البشر بل تتوسع لتضم باقي الجوانب التي تتعلق بالإجتماع الإنساني أو الجانب الاجتماعي، بل أكثر وأوسع لتشمل كل نواحي حياة الإنسان وعلاقاته.

فمن مصاديق المعروف ما هو اعتقادي ومنها ما هو عبادي وأخلاقي وأسري وعسكري وأمني وسياسي واقتصادي وإداري وثقافي وبيئي. وإليك بعض هذه المصاديق.

عقائدياً: الإيمان بالله وتوحيده والنبوة والإمامة واليوم الآخر يقع في دائرة المعروف ويقابل ذلك الكفر الذي هو مصداق للمنكر.

عبادياً: أداء الصلاة، ايتاء الزكاة، الصوم، الحج، تلاوة القرآن، احياء الشعائر... إلخ من مصاديق المعروف، وما يقابلها كترك الصلاة وحبس الحقوق وتسويف الحج والإفطار بلا عذر من مصاديق المنكر...

أخلاقياً: برّ الوالدين، الصدق، كظم الغيط من المعروف، وأما عقوق الوالدين، والكذب وسرعة الغضب والإنحراف عن خط الله سبحانه في قول أو فعل من مصاديق المنكر.

إجتماعياً: على صعيد الأسرة: الزواج، صلة الرحم، حسن العشرة، الإلفة بين أفراد العائلة من مصاديق المعروف، وأما أضدادها كترك الزواج مع مخافة الوقوع في الحرام، إشاعة جو التشاجر في العائلة، قطيعة الرحم من مصاديق المنكر.

إقتصادياً: من مصاديق المعروف: الإعتدال في الإنفاق بين الإسراف والتقتير، الإيثار، الإنفاق في سبيل الله. ومن مصاديق المنكر الإسراف والتقتير، الحرص، الإستئثار.

إدارياً: يبرز من مصاديق المعروف الإداري إغتنام الوقت وعدم تضييعه، أداء الأعمال في أوقاتها، تيسير أمور أصحاب الحوائج، رفض قبول الرشاوي. ويبرز من مصاديق المنكرات: هدر الوقت، تسويف العمل، تعسير أمور المراجعين وأخذ الرشاوى.. إلخ.

ثقافياً: فمصاديق المعروف الثقافي من أمثال إشاعة ونشر الثقاقة الإسلامية، السعي لتحصين المجتمع ثقافياً، تأسيس المراكز والمؤسسات والمنتديات الثقافية وتفعيلها، حضور الأنشطة الثقافية والحث على حضورها والسعي لتحصيل الثقافة الصحيحة ومواجهة الغزو الثقافي ويقابلها: إشاعة ونشر الثقافات المعادية البعيدة عن الإسلام، تشويه صورة الثقافة الإسلامية وعناوين العمل الإسلامي كالثورة والمقاومة، تثبيط الناس عن المشاركة في الأنشطة الثقافية الإسلامية، إنشاء مراكز الفساد والفحشاء...

 

-        خاتمة:

إنّ دائرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تتسع باتباع دائرة الحياة ذلك أن دائرة الأحكام الإلهية هي باتساع الحياة، ألم يرد أنّه ما من واقعة إلا ولله فيها حكم؟ فنحن في حمأة الحياة أفراداً وجماعات ومجتمعات، دولاً كنا أو أمماً أو حتى على مستوى الإنسانية، تتعرض في كل يوم بل في كل لحظة أمور ومستجدات وحوادث ووقائع لا تخلو من مصلحة أو مفسدة، من حسن أو قبح، وبالتالي فلها حكم يوافق ما فيها من حسن أو قبح وبالتالي فهي محكومة بأحد الأحكام الإلهية الخمسة، وعلينا أن نعرف حكمها لنضعها في دائرة المعروف أو المنكر، ولتشخيص ذلك لابدّ من العودة إلى من بيده زمام الأمر من الجهة العلمية ومن الجهة العملية.

 

-        الخلاصة:

يلزم قبل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المعرفة بهذه الفريضة مفهوماً ومصداقاً. فكما يجب علينا أن نعرف معنى المعروف والمنكر كذلك علينا كمكلفين أن نعرف ما هي دائرة وحدود كل من المعروف والمنكر ومعرفة مصاديق كل منهما.

إنّ سبب تسمية المعروف معروفاً هو أنّ الإنسان ذا الفطرة السليمة الطاهرة والصافية غير الملوثة بالإنحراف المأخوذ عن البيئة الفاسدة يأنس به فيتقبله وسمي المنكر منكراً لغربته فلا تأنس به فطرة الإنسان السليمة.

إنّ دائرة المعروف والمنكر لا تقتصر على الأفعال والأقوال لتكون مقتصرة على دوائر الأحكام الشرعية التقليدية من عبادات ومعاملات بل تتسع لتشمل ما هو اعتقادي وعبادي وأخلاقي وأسري وعسكري وأمني وسياسي واقتصادي وإداري وثقافي وبيئي.

لتشخيص المعروف والمنكر يمكن الركون إلى المعايير التالية:

1-    الشرع المقدس.

2-    العقل السليم.

3-    الفطرة الطاهرة.►

 

المصدر: كتاب (حياة المجتمع/ سلسلة الدروس الثقافية)

 

إقرأ أيضاً:-

-الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الشريعة

ارسال التعليق

Top