• ٢٤ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٥ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

حساسية الصيام.. تفجِّر الخلافات الأسرية

حساسية الصيام.. تفجِّر الخلافات الأسرية
◄معظمها لأسباب واهية ما أن يهل شهر رمضان المبارك، حتى تضع كثير من الزوجات أيديهن على قلوبهنّ، بسبب ما يشهده الشهر الكريم من خلافات زوجية قد تفضي إلى الطلاق أو الموت، على الرغم من أن أسبابها واهية.. مثل إنفلات أعصاب الزوج بسبب الإمتناع عن التدخين وشرب الشاي والقهوة وقلة النوم في نهار رمضان، أو شكواه من التأخر في إعداد الطعام، أو غياب صنف من الأطباق التي يشتهيها على مائدة الإفطار. وربما تتفجر الخلافات من جانب الزوجة نفسها بسبب العزومات المفاجئة، أو لكثرتها، أو لمبالغة الزوجة في الطلبات التي تفوق إمكانات الزوج. خلافات كثيرة تبدو تافهة، لكنها تؤدي في كثير من الأحيان إلى كارثة تلصق زوراً بشهر الخير والبركات.. في هذا الموضوع نذكر نماذج لبعض الخلافات ومحاولة معرفة أسبابها وحلولها عبر السطور التالية:   -        علياء: يتفرغ لمراقبتي بحثاً عن أي خطأ على مائدة الإفطار لأنّها تعلم طبيعته الدقيقة، وحرصه على كل كبيرة وصغيرة على مائدة رمضان، ولأن مواعيد العمل في رمضان تجعله يعود إلى المنزل مبكراً؛ حرصت "عليا" على تنفيذ طلبات زوجها بحذافيرها، وعن ذلك تقول: "زوجي دائماً في شهر رمضان يتفرغ لمباشرتي أثناء أداء الأعمال المنزلية، ويدقق في الأصناف التي أطهوها كل يوم، وهو دوماً يبحث عن الحجج ليُخرج أي خطأ على مائدة الإفطار، فقد تصطف المائدة بعشرات الأطباق التي يحبها لكنه ينفعل ساخطاً إذا لاحظ عدم وجود طبق "المقبلات"، أو لأن مقدار الملح في الطعام أقل مما يحب، وإذا ما حاولت أن أقنعه عبثاً بأن ذلك أفيد لصحته، ارتفع صوته إلى عدة شوارع تالية لمنزلنا متهماً إياي بأنني أحاول أن أفسد شهيته، وقد يتطور إنفعاله إلى قلب مائدة الطعام بما تبقى من محتوياتها!   -        منال: فاجأني بأصدقائه وهددني بجارتي! أتزوج جارتك! أما "منال حسن"، فتقول: زوجي ودود ومتسامح وإجتماعي للغاية خارج البيت، لكنه في التعامل معي يكون وكأنّه قد إستنفد كل هذه الصفات خارج البيت ولم يتبق لي سوى نقيضها خاصة مع حلول شهر رمضان المبارك.. فهو دائماً عصبي، متوتر، يثور لأتفه الأسباب، لا يضع إعتباراً لمشاعري وإمكاناتي وظروفي الإنسانية، ففي أحد الأيام فوجئت باتصال منه قبل إنطلاق مدفع الإفطار بساعة واحدة يخبرني أنّه قادم ومعه ثلاثة من أصدقائه لتناول الإفطار، وبالطبع أسقط في يدي، فكنت أعددت إفطاراً تقليدياً، لا يتناسب مع ضيوفه، لذلك سخرت كل طاقتي خلال هذه الساعة لإعداد أطباق جديدة تناسب هؤلاء الضيوف، كما إستعنت بإحدى جاراتي لأنقذ الموقف.. وتناول الضيوف إفطارهم في سعادة، وإنتظرت بعد انصرافهم كلمة ثناء من زوجي، لكنني فوجئت به يصرخ في وجهي عندما علم باستعانتي بجارتي في إعداد الطعام قائلاً: هل تزوجتك أنت أم تزوجت جارتك.. أنت زوجة فاشلة، كان من الأولى بي أن أتزوج جارتك!   -        سمير: طلباتها التي لا تنتهي دفعتني لتسديد مصاريف الطلاق بمنتهى السعادة طلبات كثيرة أما سمير حسين (موظف) فيقول: منذ منتصف شهر شعبان وطلبات زوجتي لا تنتهي، كلما أحضرت قائمة من طلباتها فاجأتني بقائمة ثانية وثالثة تحت إدعاء أنها إحتياجات الأسرة في خلال الشهر، حتى وصلت إلى مرحلة كراهية الشهر المبارك بسبب هذه الطلبات التي تتضمن عشرات الأنواع من الياميش واللحوم بأنواعها المختلفة، وبالطبع تتفرغ في النصف الثاني من رمضان لقوائم مشتريات أخرى لثياب العيد وكعك العيد، ولم أجد سبيلاً للخروج من كل هذه الطلبات والقوائم التي لا تنتهي سوى بتسديد كل طلبات المأذون الذي أنهى إجراءات الطلاق وأنا في قمة السعادة.   -        محمد: الزحام والعطش والقهوة وحرارة الجو سبَّبت إنفعالي موقد مشتعل أما محمد شعبان (مدرس) فيعترف: عملي طوال النهار مع التلاميذ في المدرسة يستنفد كل أعصابي وطاقتي على الحوار والنقاش، إضافة إلى الزحام المروري الخانق، والحرارة المرتفعة، كل ذلك يدفعني إلى الإنفعال لأتفه الأسباب حتى لو كانت غير مقصودة.. وعلى الرغم من أن رمضان هذا العام جاء في الإجازة الصيفية، إلا أن حرارة الجو المرتفعة وإحساسي الشديد بالعطش، فضلاً عن رغبتي في تناول القهوة التي أدمنها، كل ذلك يسبب إنفعالي، لكن الحمد لله زوجتي تعودت على طباعي وبدأت تدرك أن هذه سمات طارئة بسبب الصيام.. وأحمد الله أن حالتي لم تصل إلى حالة أحد زملائي الذي قام بقذف زوجته بموقد مشتعل بسبب إخفائها علبة سجائره كي لا يبدأ إفطاره بها!   -        اعتقاد خاطئ: وعن الخلافات الأسرية تقول أستاذة الطب النفسي بجامعة عين شمس، د. هبة العيسوي، إنها إيحاءات ناتجة عن الصيام، وشحنات زائدة ناتجة عن الإحتكاك بين الأفراد، تخلق نوعاً من الحساسية تنشأ بين الأفراد وبعضهم البعض، أو نتيجة ضغوط أسرية، أو مصروفات المنزل، وهي عادة خلافات ليست فقط مرتبطة بشهر الصيام، ولكنها تكثر فيه فقط، ويمكن إحتواؤها بسهولة. وترفض العيسوي الاعتقاد القائل بأنّ الصيام لابدّ أن تصاحبه زيادة في العصبية وتوتر الحالة المزاجية نتيجة نقص السكر الذي يؤدي إلى انخفاض الجلوكوز في الدم، بالرغم من أن خلال شهر رمضان عادة ما نتناول وجبات غنية بالمواد البروتينية التي تحتوي على أحماض أمينية تسبب زيادة الموصلات العصبية ومنها الـ"سيروتينين" الذي يعرف "بالناقل السعيد" الذي يساعد على إعتدال المزاج والشعور بالسعادة والنشوة، وهذه الوجبات في مقدمتها المكسرات، خاصة الجوز واللوز والبندق والزبيب والقرفة، وهذه الأصناف مضادات طبيعية للإكتئاب. وتضيف العيسوي أن كثيراً من الصائمين يعتقدون أنّ الصيام يؤثر سلباً في صحتهم وتركيزهم، لكن الأبحاث أكدت أنّ القدرة العقلية تتحسن عند الصائمين، وأثبتت الأبحاث أن في الجسم هرموناً يطلق عليه إسم "هرمون مانع خروج الماء" يفرز من الدماغ، ويعمل على إمتصاص الماء في الجسم عن طريق الكلى. ومن العوامل التي تزيد من إفراز هذا الهرمون عدم شرب الماء وكثرة التعرق، وأكدت الأبحاث دوره في تدعيم القدرة على التعلم وتقوية الذاكرة.   -        مودة ورحمة: أخيراً، أكّد وكيل الأزهر السابق الشيخ محمود عاشور، أنّ الحق سبحانه وتعالى قال في كتابه: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم/ 21)، مبينا أن المودة والرحمة هنا تعنى الحب والتعاون والتسامح ومساعدة كل منهما الآخر، مشيراً إلى المساعدة المعنوية على الحديث والتعامل؛ لأنها أكثر تأثيراً في الرجل من المساعدات المادية أو الإجتماعية؛ تجنباً لحدوث أي خلاف في شهر الطاعة.. فلابدّ أن يحسن كلاهما إلى الآخر في المعاملة، وعليها ألا تلقي على كاهله أعباء أكثر من طاقاته، وهو أيضاً لا يكلفها أكبر من وسعها في شكليات إجتماعية تفرضها عليه طبيعة الشهر الكريم. وتابع: يجب أن تطغى العبادات والمعاملات على ممارسات الشهر، ولا ننصرف للإنشغال بالأكل والشراب وإعداد العزائم، ناصحاً الأزواج بضرورة السعي إلى الإستقرار الأسري بينهم وبين زوجاتهم، حتى يعيشوا الشهر الكريم بصفاء ونقاء، ولا يعكر صفو لياليه المباركة بالمنازعات والخلافات.   ·       ثقافة الصيام: وترجع أستاذة علم الاجتماع، د. وفاء المستكاوي أهم الأسباب وراء الخلافات الأسرية التي تكثر في رمضان، مشيرة إلى أن أقوى الأسباب هو أنّ الأُمّة العربية والإسلامية تستقبل الشهر الكريم في طقس شديد الحرارة، وهو سبب قوي لإثارة وإفتعال الخلافات بين الأزواج والزوجات، حيث إن نقص السوائل يؤثر في الحالة المزاجية لدى الأزواج في أثناء الصيام. وتواصل: بجانب ذلك، فإنّ التربية تلعب دوراً كبيراً في تلك الخلافات، فالأبناء يرون آباءهم يتصرّفون حيال بعض المشاكل بسلوكيات مختلفة، يتوارثونها عند الكبر، ويمارسون نفس التصرفات، بالإضافة إلى ذلك ما يصاب المدخنون عادة بعصبية شديدة، لأن إدمان السجائر، والمنبهات كالشاي، والقهوة، والنسكافيه، وغيرهما، يؤثر في الجهاز العصبي، نتيجة هذا الإدمان الإجتماعي متأثرين بعادات إجتماعية. وأكّدت أنّ الفرد يتأثر نفسياً وعصبياً وبدنياً جراء تلك المكيفات، موضحة أنّ الفرد أصبحت تحكمه عادات وتقاليد إجتماعية بصرف النظر عن كونها صحية أم خاطئة، المهم أن تتماشى مع ميوله المزاجية وشهواته، ما يؤثر في علاقته بأفراد أسرته، ويمهد إلى نشوب خلافات على أتفه الأسباب. وأشارت إلى أنّ الحالة الاقتصادية عادة ما تلعب دوراً كبيراً في نشوب مثل هذه الخلافات؛ لأنّ الزوجة لا تراعي ظروف زوجها المادية، وتلقي على كاهله أعباء أكبر من إمكانياته، وتنفق ميزانية الأسرة على الشكليات الإجتماعية، ولا تراعي ظروفه. أيضاً هناك معادلة صعب تحقيقها في الشهر الكريم، وهي الموازنة بين الجانب الروحاني والشهواني، فدائماً ما تطغى رغباتنا على روحانيات الشهر والتي لم تقتصر فقط على العبادات، لكن على المعاملات أيضاً بين الأزواج والزوجات والأبناء، وبين الأفراد وبعضهم البعض. وتنصح الآباء بضرورة تدريب أولادهم على التحكم في الإنفعالات، والغضب، وعدم الإستسلام لموجة العصبية، ففي المقام الأوّل الصيام ثقافة تُمارس، ولابدّ أن نمتلك مهارة لا تجعل المتغيرات تؤثر علينا بالسلب.►

ارسال التعليق

Top