◄الرِّضا عن النفس، الرِّضا عن الحياة، كما ذكر العلماء، هو أبرز مظاهر السعادة عند الإنسان، ولكن من أين يمكن اكتساب هذا الرِّضا؟
بلا شك لظروف الحياة المعيشية تأثيرها المباشر على حياة الإنسان، خصوصاً في المجتمعات النامية أو ما يُسمّى بـ(العالم الثالث)، فكيف تستقيم الحياة مع فقد المال والسكن والعمل والأمل؟ كيف ينظر الشباب إلى المستقبل مع زيادة نفقات الحياة وارتفاع تكاليف العيش وارتفاع نسب البطالة في نفس الوقت وعدم وجود "الضمان الإجتماعي" المقر عالمياً لتأمين الحد الأدنى من الحياة الكريمة التي توفِّر للإنسان الغذاء والدواء والسكن؟
القرآن الكريم يؤكِّد على أهميّة توفير تلك الأُمور، قال تعالى: (فليعبدوا ربّ هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) (قريش/ 3-4).
وفي المأثور: "لولا الخبز لما عُبِدَ الله".
لقد جسَّد "ألبوعزيزي" التونسي الغاضب والمحبط قِمّة اليأس والبؤس الذي يعيشه الشباب في بلداننا.
وهذا يتطلّب خطىً حثيثة وخطط شاملة لإصلاح الواقع السياسي والاجتماعي والنهوض بالحالة الإقتصادية.
ويبقى السؤال قائماً، ماذا لو توفّرت متطلِّبات الحياة وأسباب الرفاه، فهل يحصل الإنسان على سعادته؟
بلا شك أنّ توفّر متطلِّبات الحياة الأساسية ومن ثمّ الحصول على الرفاه.. كلّ ذلك يُهيِّئ الإنسان لحياة أكثر استقراراً ويهبه نوعاً من الإطمئنان للمستقبل وقدراً من الرِّضا، ولكن ذلك لوحده لا يكفي إذا لم يرتبط ببرامج أخرى تستفيد من هذه الإمكانات لحياة أعلى قيمة وأكثر فعّالية ونشاطاً.
أوروبا تنعم بالضمان الإجتماعي الشامل وهي تعيش مستوىً عالياً من الرفاه نسبة لبقية مناطق العالم، ولكنّها في نفس الوقت تعجّ بالمشاكل الروحية والمعاناة النفسية.
مثلاً: سويسرا، جنّة الأرض، كما يطلق عليها، والبلد الأعلى دخلاً للفرد في العالم، هي في نفس الوقت البلد الخامس في ارتفاع نسبة الإنتحار في العالم.. فلماذا ينتحر السويسري المرفّه والمنعم والمدلل إذا كان سعيداً ويعيش مطمئناً وراضياً عن حياته؟ أم إنّه يفتقد لذلك وإن كانت مظاهره منعمة ومرفّهة.
في ألمانيا، ينتحر سنوياً 25 ألف شخص وألمانيا ألمانيا.
الجواب نجده مرّة أخرى عند الباحث النفسي مايكل ارجايل في كتابه (سيكولوجية السعادة)، إذ يقول: "أن يصبح الفرد غنياً أو يحصل على بيت أفضل أو سيارة... إلخ، له تأثير ضئيل على الهناء..."(1).
فاللذّة التي يشعرها الفرد قد تكون مؤقتة أو تستمر ولكنّها لوحدها لا تلبِّي طموح الإنسان ولا تشع في قلبه أنوار السعادة.
ألبوعزيزي، واحد من الفقراء الذين أقدموا على الإنتحار، ولكن في مقابله هناك المئات أو الآلاف من الأغنياء الذين ينتحرون في مختلف دول العالم، فلماذا لم يهنأوا بالمال ولم يحصلوا على السعادة؟
إنّ الإنسان طموح وكلّما حصل على أمر يُريد الزيادة، فهو لا يستقر على حال، ولا يهدأ له بال، ويستمر في الركض وراء ملذّات الدنيا حتى يهلك ويُفنى.
وهذا ما يؤشِّر بأنّ الأغنياء أكثر طمعاً وهلعاً وأكثر قلقاً واضطراباً من غيرهم، وهذا يُفسِّر لنا ارتفاع استعمال الحبوب المنوِّمة والعقاقير المهدِّئة في أوروبا وأميركا.
لنتأمّل قليلاً أو كثيراً في قوله تعالى: (ومَن أعرض عن ذكري فإنّ له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى) (طه/ 124).
والضنك هو: الضيق، والذي يشعر معه الإنسان بنكد الحياة، بلا سعادة ولا راحة بال.
وهذا هو الذي يُبيِّن لنا أنّ السعادة سرٌّ وسعدٌ يعيشه القلب، قبل الجوارح والأعضاء.►
..............................
الهامش:
1- ص277.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق