للإمام الحسين (ع)، مكانة عظمى، لا يرقى إليها سوى جدّه وأبيه واُمّه وأخيه السبط والأئمّة من ولده عليهم جميعاً أفضل الصّلاة والسّلام، ولو بذل المؤرِّخ وُسْعاً، لتتبّع ما يحظى به الحسين (ع)، من مقام رفيع، بلغ القمّة السامقة في دنيا المسلمين، لخرج بسفر جليل في هذا المضمار، وبقدر ما تسمح به المحاولة الّتي بين أيدينا سنشير إلى بعض المنطلقات الأساسيّة الّتي تبرز مكانة الحسين (ع) في معيار الشريعة الالهيّة.
فالقرآن الكريم ـ الوثيقة الالهيّة العظمى ـ الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، يعرب في العديد من آياته الكريمة عن الشوط البعيد الّذي قطعه الحسين (ع) من درجات الرفعة عند الله تعالى، فهو واحد من أهل البيت الّذين نزل في حقِّهم قوله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (الأحزاب/33).
ومن الّذين ذكروا في آية المباهلة :(فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِل فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) (آل عمران/61). وفي آية المودَّة: (قُلْ لاَ أَسْأَ لُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) (الشّورى/ 23). إنّ الحسين (ع) بشر ولكنه تحمّل من الآلام والفجائع ما لم يتحمله البشر. وتحمل من المحن ما يفوق طاقة البشر، ومع ذلك بقي صامداً قوياً إنّ صوته جلجل في رحاب الأرض منادياً بالحرية. "كونوا أحراراً في دنياكم" ونداءُه أرعب الطغاة وهزّ عروش الحكام: "والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقرّ لكم إقرار العبيد" و"هيهات منّا الذلة" وصوتُ نسائه وبناته رنّ في فضاء هذا الكوكب وكان صدىً في القلوب والنفوس. إنّنا قد نظن أنّ الحسين (ع) كان يشعر بالرضا لو لم يُعانق الشهادة ولم يُقتل ولم يشهد مأساة كربلاء. ولكن الحسين كانت له نظرة أخرى. فِرضاهُ في إحياء القيم الإسلامية إذ نجده يصرخ ويقسم بالله بأنّ سعادته في القتل. إذ أكّد: "والله لا أجد الموت إلّا سعادة، والحياة مع الظالمين إلّا برماً". أن يكون الرجل واسع الثراء ذا جاه وسلطة ونفوذ وشعبية وتكون أوامره نافذة ذلك أقصى ما يتمناه الإنسان، أمّا أن يتمنى القتل وأن يعانق الشهادة ويحلم بها وتكون هاجسهُ ويجد السعادة في ذلك فذلك ما لا يصل إليه أحد من الناس. إلّا الأنبياء والأوصياء، وقد وصل إليه الحسين وفاز بامتياز: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي) (الفجر/ 27-30).
كان الإمام الحسين (ع) يرى أنّ المجتمع الإسلامي يحتاج إلى ثورة ولكنها ليست ثورة من أجل إسقاط حكم واستلام سلطة ولكنها ثورة في النفوس ثورة في الضمائر، ثورة في المفاهيم، ثورة في مشاعر الناس وقلوبهم. وقد نجح في ذلك أيّما نجاح ذلك هو النصر. وذلك هو الفتح المبين. ذلك هو الفتح الذي أشار إليه الإمام حينما خاطب بني هاشم وأرسل إليهم رسالة قال فيها: من الحسين بن عليّ إلى بني هاشم: "من لحق بي منكم استُشهد ومَن لم يلتحق لم يدرك الفتح". النزعة الإنسانية في ثورة الحسين تجسّدت في تغليب الخير على الشر ومناصرة المظلوم على الظالم. وإخراج الإنسان من العبودية والقهر والذل إلى الحرّية والعز والكرامة نجده يخاطب أصحابه: "صبراً يا بني الكرام" والنزعة الإنسانية تتمثل في تغليب المنفعة العامة والمصلحة الاجتماعية على النوازع الفردية قال العقاد: "إنّ منفعة الإنسان وُجدت لفردٍ من الأفراد، أما الأريحية التي يتجاوز بها الإنسان منفعته فقد وُجدت للأُمّة كُلّها أو للنوع الإنساني كلّه. ومن ثمّ يكتب لها الدوام".
فسلامٌ عليك يا شهيد الحقّ، ويا سفينة النجاة ومصباح الهدى، وسلام عليك يا منار الدين، وفخرَ الموالين والمحبّين.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق