لقد حازت فاطمة الزهراء (عليها السلام) كمال العقل وجمال الروح وصفاء الضمير، ورسمت لنا ملامح الطريق الوعر الذي سلكته الرسالة بمواقفها وتراثها فكانت هي رُكناً من أركان الرسالة، ولذا فلا يمكن فهم تاريخ الرسالة بصورة دقيقة من دون فهم تاريخها.. فهي ابنة نبيّ، حَرَّر العقول، ووقف بذوي العقول فوق الأجيال. كما أنّها زوجة إمام كان رُكناً من أركان الحقّ، وامتداداً لأعظم نبيّ في تاريخ الإنسان. وقد مَثَّلت الزهراء (عليها السلام) أشرف ما في المرأة من إنسانية وصيانة وكرامة وقداسة، بالإضافة إلى ما كانت عليه من ذكاء وقّاد وعلم واسع، وكفاها فخراً أنّها تَربَّت في مدرسة النبوّة، وتَخرَّجت في معهد الرسالة، وتَلقَّت عن أبيها، الرسول الأمين (صلى الله عليه وآله وسلم) ما تَلقّاه عن ربّ العالمين. لقد سمعت فاطمة (عليها السلام) القرآن الكريم من لسان النبيّ المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن صوت الإمام عليّ المرتضى (عليه السلام)، فعبدت ربّها بعد أن وعت أحكامه وفرائضه وسُننه وعياً لم يحصل عليه غيرها من ذوي الشرف والمكرمات. ومن هنا، نعرف السرّ في ما صرَّحت به عائشة، من أنّها لم تجد في الأرض امرأة كانت أحبّ إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من فاطمة (عليها السلام)، وقد عَلَّلت هي ذلك بقولها: ما رأيت أحداً كان أصدق لهجةً من فاطمة إلّا أن يكون الذي أولدها. وهكذا صارت الزهراء البتول (عليها السلام) صورة الإنسانية الكاملة، التي يتخشّع بتقديسها المؤمنون.
لم تكتفِ الزهراء فاطمة (عليها السلام) بما هيّأ لها بيت الوحي من معارف، ولم تقتصر على الاستنارة العلمية، التي كانت تُهيِّئها لها شموس العلم والمعرفة المحيطة بها من كلّ جانب. لقد كانت تحاول في لقاءاتها مع أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبعلها باب مدينة علم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، أن تنهل من العلوم ما استطاعت. كما كانت ترسل ولديها، الحسن والحسين (عليهما السلام)، إلى مجلس الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بشكل مستمر، ثمّ تستنطقهما بعد العودة إليها. وهكذا كانت تحرص على طلب العلم، كما كانت تحرص على تربية ولديها تربيةً فُضلى. ولقد كانت تبذل ما تكتسبه من العلوم لسائر نساء المسلمين، على الرغم من كثرة واجباتها البيتيّة. إنّ هذا الجهد المتواصل لها في طلب العلم ونشره قد جعلها من كبريات رواة الحديث، ومن حَمَلة السنّة المطهّرة. ولا ننسى أنّ أحد أسمائها قد كان هو (المُحدِّثة)، وهذا مصدر آخر لعلمها الذي انتقل إلى أبنائها الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) يتوارثونه كابراً عن كابر. ويكفيك دليلاً على ذلك، وعلى سموّها فكراً، وكمالها علماً، ما جادت به قريحتها من خطبتين مهمّتين، ألقتهما بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد تضمّنتا مضامين رائعة، تُعبِّر عن عمق فكرها وأصالته، واتّساع ثقافتها، وقوّة منطقها. أضف إلى ذلك رفعة أدبها، وعظيم جهادها في ذات الله وفي سبيل الحقّ تعالى. لقد كانت الزهراء (عليها السلام) من أهل بيت، اتّقوا الله وعلَّمهم الله، وهكذا فطمها الله بالعلم فسُمِّيت فاطمة، كما انقطعت عن النظير فسُمِّيت بالبتول.
وفي الختام، قيل عن مكانة السيِّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) أنّه قال: «لم يولد للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من خديجة على فطرة الإسلام إلّا فاطمة». وعن الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام): «والله لقد فطمها الله تبارك وتعالى بالعلم». وعن الإمام أبي عبدالله الصادق (عليه السلام): «إنّما سُمِّيت فاطمة، لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها». وعن أُمُّ المؤمنين أُمّ سلمة، أنّها قالت: كانت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أشبه الناس وجهاً وشبهاً برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق