• ٧ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٥ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

طُرق تحصيل التقوى الذاتية

أسرة البلاغ

طُرق تحصيل التقوى الذاتية

التقوى التي تُمثِّل البناء التحتي أو حجر الأساس في بناء الشخصية الإسلامية أو الدينية عموماً (ذاتية) و(اكتسابية)، والذاتي منها مودعٌ في أصل النفس الإنسانية لقوله تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ (الشمس/ 7-10)، هي رصيد تقوائي مدخر.

إنّ (بذرة) أو (خميرة) التقوى، ومادّتها الخام مغروسة في نفوسنا، كما هو استعداد الأرض الخصبة للإنبات، وعملية (التزكية) المشار إليها في الآيات من (الشمس) تعني سُبل تحصيل وتحصين التقوى والارتقاء بها، ممّا يعني أنّ كلَّ إنسان هو (تقيٌّ) بالفطرة، كما إنّه (فاجرٌ) بالفطرة أيضاً، ونعني بذلك وجود هاتين القوّتين المتضادّتين المتصارعتين في مكنون الخلقة الإنسانية، ولا تَضمُرُ واحدةٌ وتقوى الأُخرى إلّا بقرار ذاتي في إضمار أو تضمير قوّة على حساب قوّة، أو تقويتها على حساب الأُخرى، أيّهما تُقوِّي أو تُغذِّي، تنمو وتستطيل!

الأتقياء الذين اتّصفوا بهذه الصفة وعُرِفوا بها هم الذين صقلوا طاقة التقوى بالتزكية والتنمية والتربية من خلال الآتي من العوامل:

1- الحبّ، ومُحفِّزه أنّه تعالى كاملٌ كمالاً مطلقاً، وأهلٌ للحبّ كونه منبع اللُّطف الفيّاض.

2- الطاعة، ومُحفِّزها الشعور التامّ أنّه تعالى أهلٌ للعبادة وضرورة الامتثال لأوامره ونواهيه وصولاً إلى مديات من الكمال.

3- الخوف، ومُحفِّزه الشعور بالحاجة إلى مُهذِّب ودافع للترك والامتناع عن كلِّ ما يُسيء إلى الذات وإلى الآخرين.

4- الرجاء، ومُحفِّزه الشعور بالحاجة إلى الخير واللُّطف والإحسان والعفو والرحمة.

5- الاستقامة، ومُحفِّزها ملازمة خطّ السير واجتناب التطرُّف والشطط.

وباجتماع هذه العواملُ يُتاح لمن يتوفّر على استحصال التقوى الذاتية أن يُقدِّم رضا الله تعالى على رضاه، وأن يكون رضاه انعكاساً وصدىً لرضاه سبحانه وتعالى. رُوِي عن الإمام عليّ (ع) قوله: «إنّ التقوى مُنتهى رِضا الله من عبادِهِ، وحاجَتِهِ من خَلقهِ» .. وليس (حاجته) تعني النقص - تعالى سبحانه عنه -، وإنّما هو مرادهُ منهم.

ويبقى السؤال الكبير: هل التقوى (عملٌ قلبيٌّ) تربويٌّ فقط، أم هي (نشاط اجتماعي) بما تعنيه من استقامة على الخطّ، وثبات على المبدأ؟ وهذا ما نحاول مقاربة الإجابة عنه هنا.

ارسال التعليق

Top