يقول سبحانه وتعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) (البقرة/ 186). وأيضاً، نقرأ في الخطبة الواردة عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «دعاؤكم فيه مستجاب». ويسأل البعض: لماذا لم يستجب الله؟ فأنا دعوت. وسبحانه يقول: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (غافر/ 60).
بعض الأحاديث تقول إنّ للدُّعاء شروطاً؛ وقد رُوي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قصّةٌ تقول: «إنّ رجلاً كان في بني إسرائيل قد دعا الله أن يرزقه غلاماً، يدعو ثلاثاً وثلاثين سنة، فلمّا رأى أنّ الله تعالى لا يجيبه، قال: يا ربّ، أبعيدٌ أنا منك فلا تسمع منّي، أم قريب أنتَ فلا تجيبني؟ فأتاه آتٍ في منامه، فقال له: إنّك تدعو الله بلسان بذيء، وقلب غلِق (عات) غير نقي، وبنية غير صادقة. فأقلع عن بذائك، وليتّق الله قلبُك، ولتحسن نيّتك، قال: ففعل الرجل ذلك، فدعا الله عزّوجلّ، فوُلِد له غلامٌ».
إنّ ذلك يحتاج إلى عملية إصلاح؛ ولذا، فما كان من هذا الرجل، إلّا أن أصلح لسانه، فنظّفه من كلّ الكلمات البذيئة، وأصلح قلبه، وجعل التقوى في داخله، وصدق فيه نيّته، فاستجاب الله له دعاءه ـــ كما يقول الحديث ـــ بعد عشرين سنة. من خلال هذا الحديث، نفهم أنّ لاستجابة الدُّعاء شروطاً، فقد لا يستجيب الله دعاءنا، لأنّ المنطلق الذي انطلق منه الدُّعاء لا يصلح لأن يرتفع إلى الله، كأن تقدّم لشخص طعاماً لذيذاً من ألذّ ما يكون، بصحن من أوسخ ما يكون، بطبيعة الحال يرفضه.
ثمّ إنّ الدُّعاء ينطلق من القلب قبل اللّسان، وإذا لم يكن في قلبك تقوى، فإنّ الدُّعاء ينطلق من قلبٍ فاسق، ومن قلبٍ حاقد. عندما تبعث شيئاً إلى الفضاء، ألا تحتاج إلى قوّة دافعة لتدفعه؟ فإذا لم يكن هناك قوّة قلب تدفع الدُّعاء، ولم تكن هناك قوّة لسان، فكيف سيصعد؟ وهكذا، فالنيّة هي التي تهيّئ جوّ الدُّعاء.
لماذا تتأخّر الاستجابة؟
وهناك جوانب أخرى لعدم استجابة الدُّعاء، هي أنّ الله لا يرى لك مصلحة في ذلك. فمثلاً، حينما يدعو إنسان على إنسان وهو يكرهه، لا يعني أنّ الله سيستجيب دعاءه، لأنّه لو استجاب كلّ دُّعاء، لأهلك الناس جميعاً. ثمّ إنّنا قد نطلب أمراً شخصيّاً من الله عزّوجلّ، ولكنّ الطلب قد يكون ضدّ المصلحة العامة، كأن تدعو الله لحصول أمر في غير الصالح العام. والله منظّم الكون وفق قوانين، وهناك الكثير من الأدعية المطلوب فيها ما يغاير القوانين الكونية، مثلاً قوانين الكون تفرض وضعاً معيّناً، وأنت تطلب ما هو ضدّ قوانين الكون، فالله لا يخرّب قوانين الكون من أجلك، لأنّ بعض القضايا الخاصة لابدّ من أن تسقط أمام القضايا العامة.
هناك كثير من الطلبات قد لا تكون فيها مصلحة شخصية للإنسان على مستوى النتائج، وإن كانت فيها مصلحة على مستوى البدايات.. قد تكون بعض الطلبات مضرّة بالناس الآخرين، والله، الرحمن الرحيم، لا يقبل أن يضرّ إنساناً من أجل مزاج إنسان آخر، وقد تكون بعض طلباتك الشخصية تختلف عن القانون العام الذي تريده البشرية، فالله لا يدمّر مصلحة البشرية من أجلك.
يجب أن لا يستعجل الإنسان في حسم الأمور لمجرّد أنّه يلتقي بسلبياتها، ولا يستعجل أيضاً الدخول في الأمور لمجرّد أنّه يواجه إيجابياتها، بل عليه أن يدرس عواقب الأمور، كما ورد عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) في ذلك الشخص الذي طلب منه أن يوصيه، وكرّر طلبه ثلاث مرّات، فقال له: «إذا أنت هممت بأمر فتدبّر عاقبته، فإن يكُ رشداً فامضه، وإن يكُ غيّاً فامتنع». ادرس الأمور من خلال نتائجها، ولا تدرسها من خلال مقدّماتها، ففي هذا خير كثير.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق