من المعروف أنّ الغضب يولد العداء والبغض. من هنا نجد أن مجموعة كبيرة من شباب اليوم تعاني مشاكل عاطفية وسلوكية.
تشير الدراسات إلى أنّ نسبة 17% إلى 22% من الأطفال تحت سن الثامنة عشرة يعانون مثل هذه المشاكل العاطفية والسلوكية نتيجة الغضب. وأن أغلبية هؤلاء الأطفال يجدون صعوبة في التعامل مع مشاعر الغضب، وهذا يدفعهم إلى التصرف بعنف ويفقدهم السيطرة على أفعالهم.
تتكرر موجات غضب الطفل عادة في مرحلة الطفولة المبكرة. في العادة، يبدأ الطفل الصغير التعبير عن غضبه بإصدار أصوات تشبه أصوات الهررة أو الكلاب، ويحتمل أن تتصاعد إلى أن تصبح صياحاً وصراخاً. ثمّ، عندما يكبر، يمكن أن يلجأ إلى خطف الأشياء من يد الأطفال الآخرين أو إلى دفعهم أو جرهم على الأرض. وإذا زاد غضبه على حده، يمكن أن يلجأ إلى الضرب والركل. قد يهرب بعض الأطفال إلى غرفهم وهم يصرخون ويبكون عند شعورهم بالغضب. ويمكن أن تتصلب أجساد البعض نتيجة التوتر والغضب الزائد.
قلق الأُمّ:
يمكن أن تثير ردود فعل الطفل المتنوعة هذه قلق الأُم، خاصة في السنوات الأولى من عمر الطفل، إذ إن من المحتمل جدّاً أن يتعرض طفل في عمر السنتين لخطر الإصابة بالاضطراب النفسي عندما يصبح في عمر خمس أو ست سنوات، نتيجة الغضب المفرط. ويحتمل أيضاً أن يؤدي الغضب المفرط بطفل في عمر أربع إلى ست سنوات، إلى أن يسلك سلوكاً غير لائق في المدرسة، وإلى إثارة المشاكل في المنزل. من هنا، يجب ألا تكتفي الأُم بالإصغاء فقط إلى طفلها عندما يتحدث عن شعوره بالعداء نحو أنداده بسبب شعوره بالغضب منهم، بل عليها أن تسعى إلى معرفة السبب وتعمل على إيجاد حل له بالتعاون مع طفلها، حتى لا تزداد مشاعر العداء بين طفلها وأنداده وينتهي الأمر برفضهم له. إن مشاعر العداء التي تنجم عن الغضب، تخلق بيئة غير صحية تؤثر في كل الأطراف المعنية. ويمكن أن يؤدي تنفيس الطفل عن غضبه إلى التقليل من حدته. ولكن، إذا برر لنفسه الحق في أن يغضب يبقى غضبه ملتهباً. ويمكن أيضاً أن يجعل الطفل يشعر بأنّه أفضل حالاً، لكن غالباً ما يشعر في داخله بأنّه أسوأ، لأنّه فقد أعصابه ولم يستطع السيطرة عليها قبل أن ينفجر غاضباً في وجه الطرف الآخر، أو قد يجعله يواصل غضبه مبرراً موقفه هذا لنفسه وللآخرين، على أنّه محاولة من جانبه للحفاظ على حقه في التصرف بطرق عنيفة.
الغضب وعجز المهارات:
يعاني الأطفال الذين يشعرون بالغضب عادة عجزاً في المهارات، ويفشلون في تعليم المهارات الأساسية التي تساعدهم على امتلاك مهارات أخرى. ويسيئون تفسير بعض المواقف الاجتماعية. لذا، غالباً ما تكون ردود أفعالهم عدوانية. ويمتلكون مجموعة من المعتقدات التي تؤكد الانتقام من كل من يثير غضبهم. وقد يعتقدون خطأ، أن حقهم في التعبير عن غضبهم أمر صحي. في العادة، لا يتعلم الأطفال الغاضبون وضع أنفسهم مكان الآخرين ورؤية الأشياء من منظور الآخرين. ولا يتعلمون مهارة التفكير المهمة. لذا، لا يتوقفون عن إصدار أحكام ضد الآخرين. يتوقع الأطفال الغاضبون الكثير من الآخرين. لذا، ينزعجون جدّاً عندما لا يلبي الآخرون رغباتهم. ويلومون الآخرين على مشاكلهم ولا يتحملون مسؤولية تصرفاتهم. ولا يسمحون لأحد أبداً بأن يحملهم مسؤولية أخطائهم. بعض الأطفال الغاضبين يتصفون بالباطنية، فهم يحتفظون بكل ما هو سلبي في داخلهم ويغضبون سراً. وإذا سمحوا للآخرين بالاطلاع على مشاعرهم، لا يشعرون بالراحة، إذ إنّهم نادراً ما يعبرون عن غضبهم للآخرين ويتحدثون عنه. ونتيجة لغضبهم الشديد يبدون واهنين ومتعبين جسدياً. يمكن أن يفجروا غضبهم داخلياً أو خارجياً. وفي كلتا الحالتين، تصدر عنهم تصرفات تبعد الآخرين عنهم.
الأساليب التربوية وغضب الأطفال:
هناك أسلوبان تتبعهما الأُمّهات عادة في تعاملهنّ مع غضب الطفل المفرط: إما "إعطاء الكثير" أو "إعطاء القليل". إنّ الأُم التي تتبع أسلوب "إعطاء الكثير"، تحاول تلبية كل مطالب ورغبات طفلها. فيؤدي هذا إلى اعتقاد الطفل بأنّه مركز الكون. ويؤمن هذا الطفل الذي أفسدته الأُم، بأن من المفروض أن يحصل على كل ما يرغب، وأن من حقه أن يغضب في حال لم يحصل عليه. وهذا يؤدي بدوره إلى شعوره بأنّه صاحب حق دائماً، فلا يتعلم التعامل مع شعوره بالإحباط في حال لم تتمكن الأُم من تلبية احتياجاته.
أما الأُم التي تتبع أسلوب "إعطاء القليل"، فهي أم تشغل معظم وقتها باهتمامها بشؤونها الذاتية وليس برعاية طفلها. وقد تكون باردة ومهملة وغائبة دائماً عن منزلها. فيشعر الطفل بأنّه مهمل ومرفوض، ويتوجب عليه كل يوم مكافحة مشاعر الإحباط والخوف والضياع والحزن والغدر. ويخاف الطفل التعبير عن غضبه خوفاً من أن يلقى المزيد من الفرض والإهمال من جانب الأمّ.
يشعر هذا الطفل بأنّه لا يستحق أن تلبى مطالبه واحتياجاته، ويشعر بالعار إذا لم يرتقِ إلى مستوى توقعات الأُمّ، حتى لو لم تكن منطقية. كما يشعر هذا الطفل، الذي يعاني في الأساس الإساءة بسبب رفضه وإهماله، بالغضب بسبب شعوره بالظلم. وفي كثير من الأحيان، يستبدل شعوره بالغضب نحو الآخرين بشعور العدائية. وحتى ينال ما يريد من الأُم يمكن أن يتمرد أو يسلك سلوكاً غير ملائم.
أفكار مفيدة:
إذا ترك الطفل المفرط في الغضب من دون مساعدة، يحتمل أن تتكثف مشاعره ويتحول غضبه إلى عداء وكراهية فيبتعد عنه الآخرون ويصبح معزولاً اجتماعياً. إنّ وضع خطة للتعامل مع الغضب، يمكن أن يقلل من حدته ويضع حداً لنتائجه المدمرة. هنا بعض الأفكار التي قد تفيد الأُم في مجال التغلب على غضب طفلها قبل استفحال الأمر:
1- الغضب جيِّد لتحديد المشاكل وليس لحلها: من المشاكل التي يواجهها الطفل هي الشعور بالذنب بعد الانفجار غضباً في وجه الآخرين، وهذا يزيد الوضع تعقيداً. الغضب، على وجه الخصوص، يشير إلى المشاكل ويكشف الأخطاء. بعض هذه المشاكل موجود داخلي ويتطلب التكيّف مع التوقعات أو المطالب. وبعضها الآخر خارجي ويحتاج إلى معالجة بطريقة بناءة. إنّ مساعدة الطفل على فهم أنّ الغضب صالح لتحديد المشاكل لا لحلها، يعتبر بمثابة الخطوة الأولى نحو معالجة الغضب بطريقة صحية.
2- التعرف إلى علامات الإنذار المبكر للغضب: في كثير من الأحيان، لا يدرك الطفل الصغير معنى الغضب. في الحقيقة، يسيء الطفل السلوك في العديد من الأوقات، قبل أن يدرك ما حصل. إن إدراك علامات الإنذار المبكر يساعد الطفل على أن يعي أكثر حقيقة مشاعره، وهذا بدوره يمنحه الفرصة للسيطرة على ردود فعله قبل الانفجار غضباً. ثمة إشارات شائعة تدل على أنّ الطفل بدأ يغضب وربما على وشك أن يفقد أعصابه، منها: الشعور بتوتر، تطبيق الأسنان بإحكام أو الكز عليها، الإفراط في الكلام والتصرف، استخدام كلمات وتعبيرات سيئة، حدوث تغير في نبرة الصوت وتحولها إلى صوت أنين وصراخ، والتململ والقلق، الانسحاب، عدم التجاوب، سهولة الاستفزاز، إصدار أصوات تشبه أصوات الهررة أو صوت التنفس العميق، العبوس، التحديق، تحريك بؤبؤ العين بسرعة، وتعبيرات أخرى في الوجه.
على الأُم أن تعير علامات الإحباط هذه اهتماماً لأنها تدل على بداية غضب الطفل. وما إن تكتشفها عليها أن تتحدث عنها إلى طفلها. ففي نهاية الأمر يتمكن الطفل من التعرف إلى مشاعر الإحباط والغضب واختيار رد الفعل المناسب قبل فوات الأوان. وعندها يصبح الطفل قادراً على الانتقال من الانفعال إلى الإجراءات الصحيحة، لكن بداية، يجب أن يكون قادراً على معرفة الأسباب التي تزيد من غضبه.
3- التراجع: إنّ الغضب والشعور بالمرارة يدمران الإنسان. لذا، يجب أن تبدأ الأُم تعليم طفلها مهارتي التراجع أمام الوضع الصعب، والاختلاء بالنفس لبضع دقائق، في سن مبكرة. إذ تعتبر مهارة التراجع من أكثر درود الفعل صحية في حالات الغضب. فهي تساعد على وقف تطور الغضب وعلى تغيير رد الفعل حيال الأوضاع الصعبة. أما مهارة الاختلاء بالنفس، فهي تمكّن الطفل من إعادة النظر في الوضع وتهدئة نفسه والسيطرة على غضبه ثمّ تقرير ما يفعل. إذا لم يتعلم الطفل هاتين المهارتين لن يتمكن من السيطرة على غضبه، ولا من التخلص من الشعور بالمرارة.
4- عدم التحدث إلى الطفل أثناء غضبه: عندما يكون الطفل شديد الغضب، لا يستطيع السيطرة على غضبه. على الأُم ألا تحاول التحدث إليه، أو تحاول أن تهدئه في تلك الأثناء. لأنها بدلاً من تهدئته، تزيد من غضبه. فالغضب من المشاعر التي تتملك الشخص قبل أن يدرك ما الذي يحصل. الشعور بالإحباط من العوامل التي تولد الغضب الذي ينتهي، في كثير من الأحيان، إلى غضب عارم قبل أن يدركه الإنسان. لذا، إذا كان الطفل يشعر بالإحباط فعلى الأثم أن تتجنب الحديث إليه، حتى لا تثير غضبه.
5- تعليم مهارات إيجابية: في العادة، يكون رد فعل الأُم سلبياً حيال غضب طفلها، إذ إنها غالباً ما تتكلم معه بصوت عالٍ وانفعال أثناء الحديث معه عن غضبه. فهي تشير إلى الأخطاء من دون أن تطرح البدائل. على الأُم أن تعلم طفلها مهارة القدرة على أن يكون رد فعله إيجابياً حيال المواقف الصعبة، وأن تطرح عليه خيارات إيجابية. من هذه الخيارات: التحدث عن مشاعره السلبية، طلب المساعدة، المثابرة على محاولة التقليل من حدة الغضب. على الأُم شرح هذه الخيارات وتبسيطها لتسهل على طفلها اتخاذ القرار. عندما يعرف الطفل الصغير أن هناك خيارات غير خيار الغضب، يستطيع تعلم مهارة رد الفعل الإيجابي والبناء.
تحتاج هذه الخيارات التي هي في الواقع مهارات، إلى وقت ليتعلمها الطفل، إذ إن من المحتمل أن يسيء الطفل استخدامها. على الأُم أن تثابر على تعليم طفلها هذه المهارات كردود فعل حيال الشعور بالإحباط بدلاً من الغضب، وعلى تدريبه عليها.
إذا ترك الطفل المفرط في الغضب من دون مساعدة يحتمل أن تتكثف مشاعره ويتحوّل غضبه إلى عداء وكراهية فيبتعد عنه الآخرون ويصبح معزولاً اجتماعياً.
تعليم الطفل:
ثمّة أمور كثيرة يستحسن تعليمها للطفل حتى يتمكن من التعامل مع الحالات الغضب. ومنها:
· التعبير عن غضبه بطريقة غير عنيفة: من المسموح الشعور بالغضب، ولكن من غير المسموح إيذاء الآخرين بسبب الشعور بالغضب.
· إدراك مشاعر الغضب عنده وعند الآخرين.
· السيطرة على دوافع الغضب.
· تقنيات تهدئة نفسه بنفسه.
· التعبير عن مشاعر الغضب بطريقة إيجابية.
· القدرة على حل مشاكله بنفسه.
· النأي بنفسه عن الأوضاع التي تثير العنف أو الغضب.
· تجنب أن يكون ضحية لغضب طفل آخر.
في الخلاصة: إنّ الغضب هو شعور يختبره كل طفل. الطفل الرضيع يعبر عن غضبه بالبكاء عندما يشعر بالجوع. والطفل في عمر الثانية والثالثة، يثور غضباً إذا لم تلبَّ رغباته. وفي سن ما قبل المدرسة، يتواصل غضب الطفل ويحتد أكثر. في سن المدرسة، يلجأ الطفل الغاضب إلى توبيخ الآخرين بطريقة ساخرة أو مهينة. في سن المراهقة يعبر الطفل عن غضبه بطرق عدائية. كلّ هذه الشواهد الحية تدل على أنّ الغضب ليس غريباً على الطفولة. إنّه جزء من الحياة. المهم أن تُعلم الأُم طفلها كيف يتعامل مع غضبه قبل أن يتحول إلى شعور بالعداء، فيرفضه كلّ من حوله.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق