عمار كاظم
اليوم العالمي للقضاء على الرق هو مناسبة يحتفل بها سنوياً في الثاني من ديسمبر عام 1949م. وتنظمها الجمعية العامة للأُمم المتحدة. احتفل بهذا اليوم للمرة الأولى عام 1986م. وهذا اليوم الدولي يعطي فرصة للتفكير في مَن عانوا وماتوا تحت وطأة العبودية، وهي أيضاً مناسبة لرفع مستوى الوعي لدى الشعوب في العالم حول مخاطر العنصرية والتحيز، بل ويعد فرصة للاحتفال بذكرى الملايين من الرجال والنساء والأطفال الذين حرموا من أبسط حقوقهم، وكذا بذكرى كلّ أولئك الذين ناضلوا من أجل وضع حد لهذه المأساة البشرية. وعندما نزل القرآن الكريم كان الرّق من حقائق المجتمعات البشرية، ولم يشذ في ذلك مجتمع. ولم يكن الرق مجرد تسلط من الأقوياء على الضعفاء، بل كان قناعات راسخة حتى في العقول عامة، بل وفي عقول وقلوب الأرقاء أنفسهم. لم يكن هناك حُر يأمن الاسترقاق، فانتصار جيش في معركة يُحول الكثير من السّادة الأحرار إلى أرقّاء. كانت الأمم السابقة في عهد ما قبل الإسلام وفي الجاهلية تعيش في غياهب الضلال والتيه، فقد كان الإنسان تمتهن كرامته ويستعبد بشكل مهين، فجاء الإسلام ليحرّر الإنسان وليضع الشرائع والقوانين التي أعطت للحضارات درساً ونموذجاً في الرقي الأخلاقي والاجتماعي، فسمت مبادئ الإسلام على كلّ الأفكار التي امتهنت الإنسان وضيّعت حقوقه، وصدحت حناجر الداعين لرفع الظلم عن الإنسان مهما كانت مكانته ومنزلته، فلم يبح الإسلام وجود الرق أو الاستعباد إلّا في حالة واحدة وهي حالة الحرب، حين يجتمع الأعداء لمحاربة المسلمين، فإذا تمكّن قائد المسلمين من أسر عدد من الكافرين، فإنّه مخيرٌ بتحديد مصير هؤلاء المحاربين لدين الله ودعوته، فإمّا أن يقتلهم أو يعفوا عنهم، أو أن يفتدوا أنفسهم، أو أن يكونوا رقيقاً تجري عليهم أحكام الرق في الإسلام، فإذن الإسلام لا يجيز هذه المسألة إلّا من هذا الوجه فقط، فالرق أداةٌ أجازه الله سبحانه استعمالها للحاكم المسلم في لحظات وظروف معيّنة، عقوبة لمن حاول إطفاء نور الله ومحاربة دينه. وبالإضافة إلى أنّ الرّقّ لم يجز في الإسلام إلاّ في حالات ضيّقة جداً، فقد حثّ الإسلام على حسن معاملة الرقيق ونهى عن تعنيفهم أو إيذائهم، كما رتّب الإسلام أجراً لمن يعتق رقبة، وكانت هناك كثيرٌ من الكفّارات هي عتق رقبة، ككفارة الظهار وكفارة اليمين وغيرها، كما حثّ الإسلام على مكاتبة الرقيق إن علم المسلم فيهم خيراً، والمكاتبة هي اتفاق بين العبد وسيّده على أن يصبح حراً إذا افتدى نفسه بجهد أو مال. من المعلوم أنّ الله سبحانه وتعالى كرّم الإنسان تكريماً عظيماً، وذَكَر ذلك في كتابه العزيز حينما قال سبحانه (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا) (الأسراء/70)، وإنّ هذا التكريم الرباني بلا شكّ ينسحب على جوانب كثيرة في حياة الإنسان منذ خلق آدم (عليه السلام)، ومن أهم مظاهر التكريم الرباني للإنسان خلق آدم (عليه السلام) بيد الله تعالى وبثّ الروح فيه؛ فقد شاء الله سبحانه وتعالى أن يخلق بشراً من طين بيده ويبثّ في هذا الجسد روحه، ولا شكّ بأنّ هذا الأمر هو أوّل تكريم لهذا المخلوق وهو أنّ الله سبحانه وتعالى هو الذي خلقه بيده. أمر الله تعالى الملائكة بالسّجود لآدم تعظيماً لخلقه وتكريماً، فقد أمر الله سبحانه ملائكته بذلك بقوله (َإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ) (البقرة/ 34)، فسجد الملائكة كلّهم امتثالاً لأمر الله تعالى، ولا شكّ بأنّ السجود لآدم هو نوعٌ من أنواع التكريم الرباني للإنسان. جعل الإنسان خليفة الله في الأرض وإناطة هذه المهمّة العظيمة به، فقد خاطب الله سبحانه وتعالى الملائكة قائلًا (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً) (البقرة/ 30)، ولا شكّ بأنّ الاستخلاف ومهمّته في الأرض هي من تكريم الله تعالى للإنسان. تكريم الله تعالى للإنسان حينما خلقه في أحسن صورة وتقويم؛ فالإنسان في خلقته هو غاية في الإبداع والإتقان، كيف لا وصانعه ومبدعه هو ربّ العزة. ومن مظاهر هذا التكريم أنّه منحه عقلاً يفكّر فيه ويبدع ويهتدي. وأخيراً، لم ينصف الإنسان والبشرية إلّا شريعة الإسلام الربانية التي جاءت لإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة ربّ العباد، ولا ريب أنّ عبادة العباد هي العبودية الحقيقية.
ارسال التعليق