• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

حب الله تعالى.. صور ونماذج

السيد عادل العلوي

حب الله تعالى.. صور ونماذج

◄قال الله تبارك وتعالى في محكم كتابه ومبرم خطابه: (.. فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ...) (المائدة/ 54). لغة الحب من أجمل وأروع اللغات في قاموس القرآن الكريم والسنّة النبوية المقدّسة والأحاديث الشريفة، فهناك المئات من الآيات الكريمة والأخبار الشريفة تحدّثنا عن الحب بصوره ونماذجه المختلفة والرائعة. وسوف نستعرض هنا بعض المفاهيم عن الحبّ.

  -        الحب لغة: الحب لغة: الوداد والميل الشديد، ويقابله البغض والتنفّر، ويأتي على معانٍ فيقال: أحببت الشيء فهو مُحَبّ، واستحببته مثله. ويكون الاستحباب بمعنى الاستحسان، وحاببته حباباً من باب قاتَلَ، والمحبّ اسم منه، فهو محبوب وحبيب وحِبّ، والأنثى حبيبة وجمعها حبائب، وجمع المذكّر أحبّاء، وحباب الماء تكسّر الموج الصغار، والحُباب ضرب من الحيّات، ويقال أحبّ البعير إحباباً إذا لصق بالأرض فلم يبرح. والحبّة بذر، والحَبُّ معروف من الحنطة والشعير، والحَبُّ بزور الرياحين، ومن هذا الباب: حبّة القلب سويداؤه، ويقال ثمرته، ويأتي لوصف القِصَر، فالحبحاب الرجل القصير، والحَبَب تنضد الأسنان، والحَباب من الماء النفاخات، والمحبة أبلغ من الإرادة، والاستحباب أن يتحرّى الإنسان في الشيء أن يحبّه. والحب مجرّداً: استعماله الصحيح في الفصيح أن يكون لازماً، كالتعب والبغض، يقال: تَعِبَ وبَغُض وحَبَّ أي صار تعباً وبغيضاً وحبيباً. وبهذا المعنى استعملت في الآيات الكريمة، كقوله تعالى: (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ) (يوسف/ 33)، (وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ) (التوبة/ 24)، (لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا) (يوسف/ 8)، أي أشد في كونه حبيباً، (قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا) (يوسف/ 30)، أي قد شغفها الفتى من كونها حبيباً لها، (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا) (الفجر/ 20)، أي من جهة كونه حبيباً. ويأتي الحب بمعنى الأحباب، فهو متعدٍّ بمعنى جعله حبيباً، وميّله إليه مع العلاقة، والإحباب من الله تعالى لطف وتوجّه وإحسان وإكرام وإفضال، وعدمه منه تعالى قطع تلك الألطاف والمراحم، نعوذ به منه. (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (البقرة/ 190)، (وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ) (البقرة/ 205)، (وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) (البقرة/ 276)، (فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) (آل عمران/ 32)، (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا) (النساء/ 36)، (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا) (النساء/ 107)، (لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ) (النساء/ 148). وأمّا التحبيب فهو إحباب إذا كان النظر إلى جهة الوقوع، وأمّا الحَبّ فهو من ذلك المعنى من جهة كونه حبيباً للزارع، ونتيجة عمله، ومنتهى مقصده وميله وتوجّه. وأما اللزوم والثبات واللصوق فمن لوازم المحبّة، وسائر المعاني كلّها مجازات بمناسبات مخصوصة.   -        الحِب اصطلاحاً: الميل الباطني والقلبي نحو المحبوب، فإنّ الحبّ من المعاني الإضافية، وهو رابط بين المحب وحبيبه، والإنسان يمتلك غرائز منها غريزة الحبّ، ويتجلّى هذا الحبّ وهذه الغريزة في سلوكه وحركاته وسكناته، وبهذا المعنى ومن هذا المنطلق ينقسم باعتبار متعلّقاته إلى الحبّ المذموم والحبّ الممدوح، كما ينقسم إلى الحبّ المجازي والحبّ الحقيقي، وله مراتب طولية وعرضية، فإن مفهومه كلي مشكّك كالنور، فإن بداية النور الحسي ما يتبقى من رأس عود الكبريت بعد اخماده، ونهايته نور الشمس في رائعة النهار. بداية الحبّ هو الميل الباطني الجزئي الذي يوجد في تمام المخلوقات المتكاملة، فكلّها محبّة في ذاتها تتحرك بحركة جوهرية للوصول إلى كمالها المنشود فيها. النواة تطوي مراحل كمالها لتكون نخلة باسقة، والنطفة تسبح في تكاملها لتكون إنساناً سميعاً بصيراً، فكل ما في الكون يسبح ويسبّح بحمد ربّه ليصل إلى الكمال المودَع في ذاته. ونهاية الحبّ إلى الحبيب الذي لا نهاية له في ذاته وصفائه وأسمائه، (وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى) (النجم/ 42)، (إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ) (الشورى/ 53)، (إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ) (الإنشقاق/ 6). فكمال الحبّ هو الله سبحانه مطلق الكمال والكمال المطلق، وإله من وَلَهَ بمعنى العشق والحب، وإنّه المعشوق والمحبوب. والمؤمن ولهان في عبادة ربّه وحبّه، لا يرى معبوداً وإلهاً وحبيباً سوى الله سبحانه وتعالى "قولوا لا إله إلا الله تفلحوا"، فإنّ النجاح والفلاح والصلاح في الحبّ الإلهي والعشق المقدّس، لا العشق المَجازي المذموم في الآيات والروايات. ثمّ إنّ حقيقة الدين والإيمان الحب كما ورد في الخبر الشريف "هل الإيمان إلا الحبّ والبغض"، فسبحانه وتعالى هو المحبوب الأصيل والأوّل، ونحبّ كل شيء عليه اسم الله عزّ وجلّ بالتبع كما جاء في المناجاة "اللّهمّ ارزقني حبَّك، وحبّ من يحبّك، وحبّ كل عمل يوصلني إلى قربك". الحبّ الحقيقي كحُبّ أويس القرني قد مدحه الله ورسوله، فهو يعطي للإنسان حركة ونشاطاً نحو الإيمان الكامل والعمل الصالح. الحبّ تارة يكون عاملاً هدّاماً من ورائه الانحطاط والرذالة والهلاك والنار، كما هو أساس الذنوب والآثام في العالم على مرّ العصور والأحقاب، ويعلم ذلك من هذه الرواية الشريفة عن أبي عبدالله (ع): قال رسول الله (ص): "أوّل ما عُصي الله تبارك وتعالى بست خصال: حبّ الدنيا، وحبّ الرياسة، وحبّ الطعام، وحبّ النساء، وحبّ النوم، وحبّ الراحة". وأخرى يكون الحب عاملاً للتكامل والاعتلاء والتقدّم والازدهار، وذلك لو كان لله وفي الله ومن الله وإلى الله وبالله. قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) (البقرة/ 165). وعن مولانا الإمام الصادق (ع): "لا يمحض رجل الإيمان بالله حتى يكون الله أحبّ إليه من نفسه وأبيه وأمه وولده وأهله وماله ومن الناس كلهم". وفي الدعاء الشريف: "أنت الذي أزلت الأغيار عن قلوب أحبّائك حتى لم يحبّوا سواك.. ماذا وجد من فقدك، وما الذي فقد من وجدك، لقد خاب من رضي دونك بدلاً". وفي الخبر الشريف: "إن موسى ناجى ربّه بالوادي المقدّس فقال: يا ربّ إني أخلصت لك المحبّة مني، وغسلت قلبي عمن سواك" – وكان شديد الحبّ لأهله – فقال الله تبارك وتعالى: (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) (طه/ 12)، أي انزع حبّ أهلك من قلبك إن كانت محبتك لي خالصة، وقلبك من الميل إلى من سواي مغسولاً. وعن الإمام الصادق (ع): "القلب حَرَمُ الله فلا تسكن حَرَمَ الله غير الله". ما أجمل وأروع هذا الحديث الشريف فإنّه من جوامع الكلم، والله يقول في حديث قدسي: (لا تسعني سمائي ولا أرضي ولكني يسعني قلب عبدي المؤمن)، فما أعظم هذا الإنسان الكائن الذي ما زال مجهولاً، والذي يزعم أنّه جرم صغير ولكن انطوى فيه العالم الأكبر، وكان قلبه عرش الله وحَرَمه! طوبى لمن عرف قدر نفسه وقيمة كل امرىء ما يُحسنه، فقيمة الإنسان في الدنيا والآخرة بمعرفته وعلمه. وإنّه بطاقته يمكنه أن يصل إلى هذا المقام العظيم والمنزلة الرفيعة، حتى يكون قلبه حَرَم الله سبحانه وتعالى. يناجي ربّه في سرّه – أي نفسه وقلبه – يتكلّم مع ربّه، فما أجمل الدنيا حينئذٍ حين تكون والله مزرعة الآخرة. لابدّ لنا أن نمنع الأغيار من دخولهم قلوبنا، وسيدة الأغيار النفس الأمّارة بالسوء: أعدى عدوّك نفسك التي بين جنبَيك، ومن عرف نفسه فقد عرف ربّه، والقلب السليم أن يلقى الله ليس فيه سواه سبحانه، (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (فصلت/ 35). لابدّ أن نجلس على أبواب قلوبنا ونمنع غير الله، القلب حَرَم الله فلا تسكن حَرَم الله غير الله. "اللّهمّ اجعل قلبي بحبّك متيماً"، ومن دعائه (ع): "صلّ على محمد وآل محمد واشغل قلبي بعظيم شأنك، وأرسل محبتك إليّ حتى ألقاك وأوداجي تشخب دماً". وفي الخبر: (من طلبني وجدني، ومن وجدني عشقني، ومن عشقني عشقته، ومن عشقته قتلته، ومن قتلته فأنا ديّته). وفي الدعاء الشريف أيضاً: "اللّهمّ إني أسألك أن تملأ قلبي حبّاً لك، وخشيةً منك. وتصديقاً لك، وإيماناً بك، وفَرَقاً منك، وشوقاً إليك. اللّهمّ اجعل حبّك أحبّ الأشياء إليّ، واجعل خشيتك أخوف الأشياء عندي، واقطع عني حاجات الدنيا بالشوق إلى لقائك". الأدعية والأوراد والأذكار من الرسول المختار (ص) مشحونة بالحبّ الإلهي، وطلب حبّه منه سبحانه، فإنّه من النِعَم التي يختصّ به الله أولياءه من عباده

 -        كيف نحبه:

هذا غيض من فيض في جلالة وعظمة حبّ الله سبحانه، وأما ما يورث حبّه وكيف لنا أن نصل إلى محبّته؟ جاء في الأخبار عن الأئمة الأبرار (ع): "قيل لعيسى (ع) علّمنا عملاً واحداً يحبّنا الله عليه، فقال (ع): أبغضوا الدنيا يحببكم الله". وفي حديث المعراج قال الله تعالى مخاطباً نبّيه الأكرم وحبيبه الأعظم: (يا محمد وجبت محبتي للمتحابّين فيّ، ووجبت محبّتي للمتعاطفين فيّ، ووجبت محبّتي للمتواصلين فيّ، ووجبت محبّتي للمتوكّلين عليّ، وليس لمحبتي عَلَم ولا غاية ولا نهاية، وكلّما رفعت لهم علماً وضعت لهم علماً). وعن الرسول الأكرم (ص): "من أكثر ذكر الموت أحبّه الله". وعن الإمام الصادق (ع): "طلبت حبّ الله عزّ وجلّ فوجدته في بغض أهل المعاصي". وعنه (ع): "إذا تخلّى المؤمن عن الدنيا سما، ووجد حلاوة حبّ الله وكان عند أهل الدنيا كأنّه قد خولط وإنما خالط القوم حلاوة حبّ الله، فلم يشتغلوا بغيره". قال رجل للنبي (ص): يا رسول الله علّمني شيئاً إذا فعلته أحبّني الله من السماء، وأحبّني الناس من الأرض. فقال (ص) له: "ارغب فيها عند الله عزّ وجلّ يحبّك الله، وازهد فيما عند الناس يحبّك الناس".   -        أحباب الله.. وأما من يحبّهم الله سبحانه، فقد ذكرهم في كتابه الكريم في مبرم خطابه المجيد: -        (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (البقرة/ 195). -        (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (البقرة/ 222). -        (فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (آل عمران/ 76). -        (وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) (آل عمران/ 146). -        (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران/ 159). -        (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (المائدة/ 42). -        (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) (الصف/ 4). -        قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) (آل عمران/ 31). وفي حديث الإمام الباقر (ع): "إنّ الله يحبّ المداعب بالجماعة بلا رفث، المتوحّد بالفكرة، المتحلّي بالصبر، المساهر بالصلاة". وقال (ع): "إنّ الله يحبّ كل قلب حزين ويحبّ كل عبد شكور". وعن رسول الله (ص): "ثلاثة يحبّهم الله عزّ وجلّ: رجل قام من الليل يتلو كتاب الله، ورجل تصدّق بيمينه يخفيها عن شماله، ورجل كان في سريّة فانهزم أصحابه فاستقبل العدو". وأمّا الذين لا يحبّهم الله فقد ذكرهم سبحانه في كتابه المجيد: -        (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (المائدة/ 87). -        (وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) (البقرة/ 276). -        (وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (آل عمران/ 57). -        (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا) (النساء/ 36). -        (وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (المائدة/ 64). -        (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأنعام/ 141). -        (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ) (الأنفال/ 58). -        (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ) (النحل/ 23). -        (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) (القصص/ 76). -        (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) (الروم/ 45). -        (لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلا مَنْ ظُلِمَ) (النساء/ 148).►

ارسال التعليق

Top