• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

جوهر القراءة الفعالة

تأليف: مورتيمر آدلر وتشارلز فان دورن، ترجمة: طلال الحمصي

جوهر القراءة الفعالة

◄إنّ اتّباع قواعد القراءة من أجل أن تنام أسهل من اتباع قواعد القراءة التي تبقيك مستيقظاً أثناء القراءة. استلقِ في سريرك بوضع مريح وتأكّد من أن الضوء بوضع غير ملائم بشكل يكون فيه قليلاً من الإجهاد البصري، واختر كتاباً صعباً جدّاً أو مضجراً جدّاً – وفي كلتا الحالتين يجب أن تكون غير مهتم إذا قرأت الكتاب أم لا – إنّك في هذه الحالة سوف تستغرق في النوم خلال بضعة دقائق. إنّ أولئك الخبراء في الإسترخاء والكتاب بين أيديهم لا ينتظرون حلول المساء كي يفعلوا ذلك، وإن مقعداً مريحاً في المكتبة يمكنه أن يفعل فعله في أي وقت.

    ومن سوء الحظ أنّ القواعد التي تبقيك مستيقظاً لا تتألّف من فعل عكس ذلك. ومن الممكن أن تبقى مستيقظاً أثناء القراءة وأنت جالس على كرسي مريح أو حتى وأنت في السرير، وقد عرف أناس يجهدون عيونهم وهم ساهرون يقرؤون على ضوء خافت جدّاً. ما الذي جعل القُرّاء المشهورين على ضوء الشموع مستيقظين؟ إنّه أمر واحد بالتأكيد، إنّ الوضع مختلف بالنسبة لهم، بل هو بالأحرى مختلف جدّاً سواء قرأوا الكتاب الذي بين أيديهم أم لهم يقرأوه.

    وسواء جهدت لأن تكون صاحياً أم لا، فإن ذلك يعتمد على هدفك من القراءة. فإذا كان هدفك من القراءة أن تربح من خلالها – أن تنمو بطريقة ما في ذهنك أو في عواطفك – فيجب أن تبقى صاحياً. وإن ذلك يعني أن تقرأ بفعالية لأقصى حد ممكن. إنّه يعني بذل الجهد – الجهد الذي يتوقع منك أن تبذله.

    إنّ الكتب الجيِّدة، سواء أكانت من صنع الخيال أم لا، تستحق مثل هذه القراءة. وأن تستخدم الكتاب الجيِّد كمسكّن هي إضاعة كبيرة للوقت. وأن تنام أو ما شابه ذلك، أي أن تجعل ذهنك يحيد عن الهدف خلال الساعات التي خططت لأن تقرأ بها قراءة مثمرة – والتي هي القراءة من أجل الفهم – فإن ذلك إخفاق في الوصول إلى الهدف الذي وضعته لنفسك.

    لكن الحقيقة المحزنة هي أنّ الأشخاص العديدين الذين يستطيعون التمييز بين الكسب والمتعة وإشباع الفضول من جهة أخرى – يخفقون أيضاً في تنفيذ خطط قراءتهم. إنّهم يخفقون حتى لو عرفوا أن أيّاً من الكتب تعطي هذه النتيجة أو تلك. والسبب في ذلك أنّهم لا يعرفون كيف يكونون قرّاءً مُجدين، وكيف يركِّزون فكرهم على ما يقومون به من خلال العمل الذي بدونه لا يمكن أن تحصل على النتيجة المطلوبة.

 

- الأسئلة الأربعة التي يجب أن يسألها القارئ:

    إنّ القراءة الفعالة هي القراءة الأفضل، كما أنّ القراءة التفحصية هي دائماً قراءة فعالة. إنّها ممارسة مثمرة وليست ممارسة عقيمة. لكنّنا إلى الآن لم نخض في صلب الموضوع وذلك بوضع ولو قاعدة بسيطة واحدة عن القراءة الفعالة. وهي: إسأل نفسك أسئلة عندما تقرأ – أسئلة تحاول أنت بنفسك أن تجيب عليها أثناء عملية القراءة.

    هل هذه الأسئلة هي أية أسئلة؟ بالطبع لا. لأن فن المطالعة على أي مستوى بعد المستوى الإبتدائي يتألّف عادة من طرح الأسئلة الصحيحة ومن خلال ترتيب صحيح لها. ويوجد أربعة أسئلة أساسية يجب أن تسألها عن أي كتاب.

    1- ماذا يبحث الكتاب بمجمله؟ فيجب عليك أن تهتم بالموضوع الأساسي للكتاب، وكيف طوّر الكاتب موضوعه من خلال ترتيبه له وتقسيمه إلى موضوعات أساسية وجزئية.

    2- ماذا قيل بشكل مفصّل وكيف قاله؟ يجب عليك أن تكتشف الأفكار الرئيسية، والأمور التي يجزم بها والمناقشات التي تشكل ما يريد الكاتب إيصاله بشكل خاص إلى القارئ.

    3- هل الكتاب حقيقي كلّياً أو جزئياً؟ إنّك لا تستطيع الإجابة على هذا السؤال إلا إذا كنت قد أجبت على السؤالين السابقين. فيجب أن تعلم ماذا قيل قبل أن تقرّر أن ما قيل حقيقي أم لا. وعندما تفهم الكتاب فإنك ملزم باتّخاذ قرارك إذا كنت قارئاً جادّاً، فمعرفة رأي الكاتب ليس كافياً في هذا الخصوص.

    4- ماذا عن الكتاب؟ إذا أعطاك الكتاب معلومات، فيجب أن تسأل عن مدى أهميتها. ولماذا يعتقد الكاتب أنّه من الضروري أن تعرف هذه الأشياء؟ وهل من الضروري أن تعرفها؟ وإذا لم يكن الكتاب يُعلِمُك فحسب، بل أنّه ينوّرك أيضاً، فهل من الضروري أن تستفيض في ذلك إلى مدى أبعد وذلك خلال السؤال، ماذا تبع ذلك؟ وما الذي يلمِّح إليه الكاتب؟ وما هي مقترحاته؟

    إنّ الأسئلة الأربعة المذكورة سابقاً تلخص كلّ واجبات القارئ. وإنّها تطبّق على أي مادة تستحق القراءة (كتاب أو مقالة أو حتى إعلان تجاري). إنّ القراءة التفحّصية تنحو لتقديم أجوبة أكثر دقة للسؤالين الأولين أكثر من السؤالين الثالث والرابع، لكنّها على كلّ حال تساعد في الإجابة على هذين السؤالين الأخيرين أيضاً. أمّا القراءة التحليلية فلا تنجز بشكل مُرضٍ حتى تجيب عن السؤالين الأخيرين، أي حتى يكون لديك فكرة عن مدى صحة الكتاب بشكل كلّي أو جزئي ومعرفة مدى أهميته فقط إذا كان في مخططك أشياء من هذا القبيل. إنّ السؤال الأخير "ماذا عن الكتاب" هو على الأغلب أهم سؤال في القراءة المتزامنة الموجهة لموضوع واحد. ومن الطبيعي أن تجيب على الأسئلة الثلاثة الأولى قبل أن تحاول الإجابة على السؤال الأخير.

    وليس كافياً أن تعرف ما هي الأسئلة الأربعة. لأنّه يجب عليك أن تسألها وأنت تقرأ. وإنّ العادة في فعل ذلك هي الدليل على أنّك قارئ جاد. والأكثر من ذلك فإنّه يجب عليك أن تعرف كيف تجيب عليها بشكل دقيق وصحيح. إنّ القابلية المتمرسة لفعل ذلك هي ما يسمى بـ"فنّ القراءة".

    فالناس عادة يشعرون بالنعاس عندما يقرأون الكتب الجيِّدة ليس لأنّهم غير قادرين على بذل الجهد، بل لأنّهم لا يعرفون كيف يبذلون مثل هذا الجهد. إنّ الكتب الجيِّدة في متناول يدك، ولن تكون جيِّدة بالنسبة لك إذا لم تكن بحد ذاتها جيِّدة. وهذه الكتب هي في متناول يدك وسترهقك إلا إذا استطعت الوصول إليها وأن ترفع نفسك لمستواها. وليس هذا النوع من الجهد هو الذي يتعبك، ولكن الذي يتعبك هو ذلك الإحباط الذي يعتريك من جراء عدم النجاح في ذلك. لأنّك تفتقر إلى مهارة القيام بذلك بشكل فعال. ولكي تستمر في القراءة بشكل فعال يجب ألا يكون لديك فقط الرغبة في ذلك بل – أيضاً – المهارة للقيام به، المهارة التي تتيح لك أن ترقى بنفسك لإتقان ما يبدو لك للوهلة الأولى أبعد من أن تصل إليه.►

   

المصدر: كتاب كيف تقرأ كتاباً

ارسال التعليق

Top