• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

كيف نقرأ الإمام الحسين (ع)؟

العلّامة السيِّد محمّد حسين فضل الله

كيف نقرأ الإمام الحسين (ع)؟

◄عندما ندرس قضيّة الإمام الحسين (ع)، فإنّنا لابدّ أن نبدأ بدراسة شخصيته في كلّ منطلقاته الروحية والإسلامية بشكل عامّ، بحيث نتابع الإمام الحسين (ع) في حياته مع أبيه الإمام عليّ (ع)، ومع أخيه الإمام الحسن (ع)، وكيف واجه الأحداث التي أحاطت بتلك المرحلة، وكيف تأثّر إيجاباً بأسلوب أبيه وبالقضايا التي واجهته، وبالتحدّيات التي تعرّض لها. وهكذا في إدارة الإمام عليّ (ع) لمسألة الخلافة في إبعاده عنها، وعلاقته بالخلفاء الذين سبقوه، وكيف عبّر عن الموقف في كلّ ما يتّصل بالواقع الإسلامي آنذاك، امتداداً إلى الحروب التي فرضت عليه في الجمل، وصفّين، والنهروان.

وهكذا بالنسبة إلى حركة الإمام الحسين مع أخيه الإمام الحسن (ع)، وكيف واجه الأوضاع القاسية الصعبة التي انتهت بالهدنة التي عُقدت مع معاوية بن أبي سفيان، وكيف عاش التجربة الإسلامية بعد وفاة أخيه الإمام الحسن (ع)؛ لماذا لم يعارض معاوية؟ لماذا كان يطلب من أصحابه أن يهدأوا حتى يموت معاوية؟ هل هو التزام بما اتّفق عليه الإمام الحسن مع معاوية وتوقيعه على وثيقة الهدنة أو وثيقة الصلح وما إلى ذلك؟

ثمّ نحاول دراسة أسلوب الإمام الحسين لندقّق في كلِّ النصوص التي رُويت عنه أو نُسبت إليه، فقد نلاحظ أنّ هناك بعض النصوص التي لا تنسجم مع حركة الإمام الحسين (ع)، كما هو في النصّ الذي نُسب إليه: «وخيرٌ لي مصرعٌ أنا لاقيه، كأنّي بأوصالي تُقطِّعُها عُسلان الفَلَوات بين النواويس وكربلا».

لابدّ أن ندرس، إذا وجدت هناك نصوص موثوقة، كيف مارس الإمام الحسين (ع) عملية الدعوة في مكّة، وكيف تحرّك في طريقه إلى العراق حتى وصل كربلاء، وأن ندقّق في كلّ كلماته التي توحي بأنّ الحسين لم يخرج مقاتلاً، وإنّما خرج إماماً مُصلحاً مغيّراً للواقع منفتحاً على وعي الناس، من أجل أن يصل بالناس إلى حقائق الإسلام على مستوى النظرية وعلى مستوى الواقع. ثمّ يختم كلامه بالقول: «إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مُفسِداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّةِ جدّي، أُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحقّ، فالله أولى بالحقّ، ومَن ردَّ عليَّ هذا أصبرُ حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحقّ وهو خير الحاكمين».

فالظاهر أنّ هذه الخطبة هي التي تمثِّل الإمام الحسين (ع) في خطِّ الفكر والتطبيق للعملية الإصلاحية التي انطلق بها لتغيير الواقع الفاسد.

وعندما نقرأ كلمته (ع): «فمن قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ، ومَن رد عليَّ أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحقِّ وهو خير الحاكمين»، فلابدّ من أن ندرس هذا النصّ لنعرف أنّ الإمام الحسين (ع) خرج كجدّه رسول الله (ص)، إماماً مصلحاً متحركاً في رسالته، من أجل تغيير الواقع بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن.

على هذا الأساس، كان حوارهُ مع الحرّ بن يزيد الرياحي، وهكذا كان حواره مع جيش عبيد الله بن زياد في كربلاء. إلّا أنّ الإمام الحسين (ع) وقف وقفة الاستشهاد، عندما طلب إليه أن يعطي الشرعية ليزيد بن معاوية، إضافةً إلى الانصياع لأمر ابن زياد وَالي بني أُمية على الكوفة، وأن يُعطي الشرعية للحكم بالمطلق، لكلّ ما يقوم به يزيد، ولكلّ ما يقوم به ابن زياد، عند ذلك، قال لهم كلمتهُ المعروفة: «لا والله، لا أُعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقرّ لكم إقرار العبيد». «ألا وإنّ الدعيَّ ابن الدعيِّ قد ركز بين اثنتين، بين السِلَّة والذلة، وهيهات منّا الذلة! يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحُجُورٌ طابت وطَهُرتْ، وأنوف حميّة، ونفوس أبيّة، من أن نُؤثرَ طاعةَ اللّئام على مصارعِ الكرام».

إذاً، لابدّ من أن ندرس ذلك كلّه، وندرس الأسلوب الحسيني في حركتهِ القتالية من النصوص الموثوقة، لأنّ العاطفة أدخلت في المأساة أشياء كثيرة. لذلك، علينا أن نعرف كيف كان الإمام الحسين (ع) يفكّر في حركة الدعوة، وفي أسلوب الدعوة، وفي حركة القتال، وفي العناوين التي فرضت القتال.►

ارسال التعليق

Top