• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

جذوةُ الأمل عند الشباب

عصام الموسوي

جذوةُ الأمل عند الشباب

◄إنّ حياة معظم البشر، ولاسيما الشباب، في العالم المعاصر، معرّضة للكثير من المشاكل والمصاعب، ومن الطبيعي أنّ المشاكل والعوائق التي تقع في طريق التقدم، تغمر حياة الإنسان بالغمّ والأحزان المضنية، وتجعلهُ يرى النهار المشرق ليلاً مظلماً.

وينبغي أن نعلم أنّ البشر ليسوا وحدهم في معرض مواجهة مصاعب الحياة وعوائق تحقيق الأهداف، بل حتى النباتات تواجه أمثال هذه المعوّقات.

إنّ البذرة التي تحاول أن تطلع برأسها من أعماق التراب، لتحصل على النور والحياة، تواجه موانع من الطين والحجارة وجذور الأشجار والأعشاب، التي تقف حائلاً دون حركتها؛ ولكنّ أفنان البذرة الدقيقة، تواصل المقاومة والكدح وبذل الجهود، وكلّما واجهت في طريقها عقَبة انحرفت إلى جهة أخرى، حتى تتمكّن في نهاية الأمر أن تطلّ برأسها من بين الوحل والأحجار، لتعانق ضوء الشمس، وتتحوّل إلى نبتة جميلة جذّابة، تمنح الطراوة للطبيعة، وللناس الفيء والفواكه اللذيذة.

وإنّ حياتنا ليست بمعزلٍ عن هذه القاعدة، وإنّ تحرُّكنا لأجل بلوغ حياة نزيهة سامية، والحصول على مكانة ورتبة عالية، من الممكن أن يواجه بعشرات من الموانع والمعوِّقات، ومن نماذج ذلك: الظروف العائلية غير المساعدة، والوضعية غير المرغوبة في المدرسة، ورفاق السُّوء، والفشل المؤلم في الحياة.

ومضافاً إلى ذلك، فإنّ ما نعرفهُ من عوائق ومشاكل الحياة، ليست أشياء جديدة وحديثة الظهور، ولا تخصّنا وحدنا، بل هي أُمور قديمة الحدوث وشائعة في حياة المجتمعات، وإنّ الملايين من الشباب قد تمكّنوا بالأمل والعزم والإرادة الراسخة أن يجتازوا أمواجها ومتاهاتها، وأن يصلوا إلى قمّة الإنتصار.

وبطبيعة الحال، فإنه لابدّ من طرح (الأمل) بوصفه قوّةً بنّاءة، وشعلة مضيئة في طريق الحياة، مع الإلتفات إلى بيان أقسامه ومفاهيمه المختلفة:

 

1- الأملُ بالله تعالى:

قليلٌ من الناس أولئك الذين لا ينحرفون في طريق الحياة، ولا يقترفون الذنوب؛ ولكن رمز الموفقية يتمثل في سرعة إلتفات الإنسان إلى انحرافه، فيتراجع عن خطئه، ولا يعاود تكرار الذنب والخطيئة، بل يسعى إلى جبران الآثار الضارّة التي تَسبَّب في وجودها.

يقول نبيّنا محمد (ص): "كلّ بني آدم خطّاءٌ، وخيرٌ الخطّائين التوّابون".

أجل، إنه بمقدار الثقة بالله – تعالى – والأمل برحمته ورأفته، تكون حركة الإنسان وسعيه وجهاده وهجرته، ومن ثَمّ فوزهُ في دنياه وآخرته، وإنّ اليأس والقنوط من عفو الله ورحمته هو: عامل ظلمة روح الإنسان واقترافه الآثام والمعاصي.

وبالإلتفات إلى أنّ اليأس من رحمة الله – تعالى – يُعدُّ في نظر الإسلام كفراً بالله سبحانه، لقوله تعالى: (وَلا تَيأَسُوا مِن رَوحِ اللهِ إنّهُ لا يَيأَسُ مِن رَوحِ اللهِ إلّا القَومُ الكافِرُونَ) (يوسف/ 87)، فإنه لا ينبغي للإنسان أن يياس من عطف الله ورحمته بسبب ما اقترفهُ من الذنوب، فيبقى مُقيماً على الآثام غارقاً في مُستنقع الفساد والتلوُّث، وإنما عليه أن يسارع بالتوبة والرجوع إلى الله عسى أن يتوب الله عليه ويشمله برحمته ورضوانه.

يقول النبي (ص): "يَبعثُ الله المُقنطين يوم القيامة مُغلِّبة وجوههم (يعني غَلبة السواد على البياض)، فيقال لهم: هؤلاء المقنطون من رحمة الله".

وعليه: فإنّ اليأس من عفو الله ورحمته إثمٌ، وإنّ الأمل برحمة الله يجب أن يُصاحبه إنتهاج طريق الحق والصلاح، وليستفيد من أسباب الأمل ويجني ثمار إصلاح الذات.

 

2- الأملُ العقلائي:

إنّ الأمل الذي لا يستند على أساس، ولا يدعمهُ التدبير والسعي، لا يُعدّ أملاً عقلائياً.

ذلك أنّ أئمّة الدين، وكبار العلماء، والذين تمكّنوا بالوعي والعلم والتجربة، أن يشقّوا أمواج الصعوبات ويُحطِّموا صخورها الصلبة، وقد وضعوا بين أيدينا من التوجيهات والنصائح، ما يؤكد ضرورة اقتران الأمل بالعمل.

ولأجل ذلك، فإنّ الآمال التي لا أساس لها، والتي لا يرافقها السعي والعمل، تُعدّ آمالاً كاذبة.

وقد كتب الإمام علي (ع) إلى زياد بن أبيه، وهو خليفة عامله عبدالله بن عباس على البصرة، قائلاً: "أترجو أن يُعطيك الله أجر المتواضعين وأنت عنده من المتكبرين! وتطمع – وأنت مُتمرّغ في النعيم، تَمنعهُ الضعيف والأرملة – أن يوجب لك ثواب المتصدِّقين، وإنما المرءُ مجزيٌ بما أسلفَ، وقادمٌ على ما قدَّم".

 

3- الأملُ المضيء:

حينما يتوجّه الطلّاب والجامعيون إلى مَعاهد العلم، والموظفون إلى الدوائر، والعُمّال إلى المناجم والسهول والصحاري، متحمِّلين الحرّ والبرد والمصاعب، وجميع المُزعجات والمنغِّصات، فإنهم إنما يفعلون ذلك بأمل توفير وسائل عيشهم واحتياجات حياتهم المادية والمعنوية، بنحوٍ يمكّنهم من تحقيق البقاء والتكامل.

وكما ذكرنا فيما تقدّم، فإنه إذا لم يكن في الحياة (مصباح الأمل)، فإنّ حياتنا برمّتها سوف تكتنفها الظلمة والخوف والأوهام المُميتة، وتتبدّل ساحتها إلى موقد من النار المُحرقة.

يقول النبي (ص): "الأملُ رحمة لأُمّتي، ولولا الأمل ما رَضَعت والدة ولدها، ولا غَرسَ غارسٌ شجراً".

ويقول (ص) أيضاً: "مَنْ كان يأمل أن يعيش غداً، فإنه يأمل أن يعيش أبداً".

إنّ فقدان الأمل مرض نفسيّ، يؤدي إلى اضطراب الإنسان، وعدم قدرته على النشاط والسعي،  وهو من الخصال المؤذّية المذمومة من وجهة نظر الإسلام، والتي أدانها علماء المسلمين وشعراؤهم، ودَعَونا جميعاً إلى الوقاية منها والنجاة من كابوسها وآثارها الضارّة.

فلنتذكّر أنّ الأمل شعلة مضيئة ودافئة، نطرد بها ظلمة الحياة وصعابها. ►

ارسال التعليق

Top