• ٣ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٤ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

دليل العقيدة في القرآن

أسرة

دليل العقيدة في القرآن

1- التوحيد:

أ- الدليل على وجوده تعالى: قال تعالى: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (فصلت/ 53). التطبيق الحياتي: النظر والتدبّر والتفكّر في السماوات والأرض وما فيهما من آيات كونيّة، لابدّ من أنّها ستنتهي إلى معرفة الحق، والدلالة بوجودها على وجود الله، أي أنّ التأمّل الحرّ والتفكير المستقلّ لابدّ هاديان إلى وجود الحقّ تبارك وتعالى. ب- لا إله إلا الله: قال تعالى: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا) (الأنبياء/ 22). التطبيق الحياتي: تعدّد الآلهة يؤدِّي لفساد نظام العالم والكون وتخريبهما، وهلاك مَن فيهما بوقوع التنازع والاختلاف الحاصل بين الشركاء عادة. وقال عزّ وجلّ: (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ) (الأنبياء/ 24). التطبيق الحياتي: العقل يرفض وجود إلهين – كما تقدّم – ويطالب بالدليل على صلاحيّة الكون بإرادتين متصارعتين أو مختلفتين. وقال جلّ جلاله: (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) (البقرة/ 163). التطبيق الحياتي: الذي يستحقّ العبادة بحقّ: هو الله الذي ليس في الوجود إلهٌ سواه، والذي وسعت رحمته كلّ شيء، بيده النفع والخير وملكوت كلّ شيء، وهو القادر على دفع الضّرُّ والشر، وإليه يرجع الأمر كلّه. وقال تقدّست أسماؤه: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ) (فاطر/ 40). التطبيق الحياتي: القوي الواثق يتحدّى ويطالب: أخبروني عن الشركاء الذين تعبدونهم من دون الله وتتّخذونهم آلهة: هل خلقوا شيئاً من الأرض، أم لهم شِرك في خلق السماوات حتى يستحقّوا الألوهيّة أو الشّراكة فيها؟! وقال تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) (الحج/ 73). التطبيق الحياتي: الإله خالق، فإذا عجزَ غيره عن خلق حشرة صغيرة كالذّبابة فهو ليس بإله. فالآلهة المصطنعون المزيّفون: (فراعنة كانوا أم غيرهم)، لن يخلقوا أقذر حشرة، ولن تستطيع كلّ الآلهة – حتى لو اجتمعت – على خلق ذبابة واحدة أو ما دونها. وقال جلّ شأنه: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (آل عمران/ 18). التطبيق الحياتي: ثلاثة شهود كبار على وحدانيّة الله: الله تعالى نفسه، والملائكة أقرب خلقه إليه، والعلماء أعرف خلقه به، فأيّ شهادة أعظم من هذه؟! وأيّ ريب في وحدانيّةٍ شهداؤها الله والملائكة والعلماء؟! ت- ربّ العالمين: قال سبحانه: (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) (طه/ 50). التطبيق الحياتي: هذا جواب رسول الله (موسى) (ع) لفرعون الذي يرى نفسه إلهاً. سأله: (فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى) (طه/ 49)، فاختصر له موسى (ع) الإجابة في الآية، أي: إنّ الله يُعرَف بصفاته، فهو خالق العالم، وهو الذي خصّ كلّ مخلوق بهيئة وصورة معيّنة، وليس لغيره ذلك، ولو كانَ لَبانَ. ث- من أسماء الرب وصفاته: قال تعالى: (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى) (طه/ 8). التطبيق الحياتي: الإله الذي له جميع الأسماء الحُسنى: الحيّ، القيّوم، الرحمن، الرّزاق، التوّاب، العليم، القدير، المحيط، السميع، البصير، العزيز، وغيرها (99 إسماً وقيل أكثر)، هو الرب الحقيقي ولا ربّ سواه، له الصفات العُليا، والأفعال الحكيمة الحميدة. وكلّ صفةٍ من صفاته تعالى خُلُقٌ يمكن للإنسان أن يتخلّق به في حياته. وقال عزّ وجلّ: (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) (البقرة/ 255). التطبيق الحياتي: إذا علمت أنّ ربك متفرِّد بالألوهيّة والسلطان والقدرة، وقائم على تدبير الكائنات في كلّ لحظة، لا يغفل عن شيء من أمور خلقه، وهو مالك كلّ شيء في السماوات والأرض، ولا يجرؤ أحدٌ على الشفاعة لأحدٍ إلا بإذنه، ويعلم كل شيء في الوجود دقيقه وعظيمه، وهو القاهر الذي لا يُغلَبُ، ارتاحت نفسه وقرّت عيناه، فماذا ستفقد إن وجدته، وماذا تجد إن فقدته؟ وقال عزّ وجلّ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) (سورة الإخلاص). التطبيق الحياتي: نفي التعدُّد عن الله تعني أنّه غني بذاته، كريم، تحتاج إليه جميع الخلائق في قضاء الحوائج، ولا يحتاج إلى الآخرين، فالإله الحقّ هو الإله الغني عن العالمين، والمفيض غناه على العالمين. ج- مشيئة الله ربّ العالمين: قال تعالى: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (التكوير/ 29). لمّا كان الله تعالى ربّ العالمين، فإنّك لا تقدر على شيء إلّا بما أوجده فيك من قوّة، وبما أودع فيك من قدرة على توجيهها الوجهة الصحيحة. فأنت لا تعمل خيراً إلا بتوفيق الله، ولا شرّاً إلا بخذلانه، وليس للإنسان مشيئة إلا أن يشاء الله أن يعطيه تلك المشيئة. إنّ مشيئة الله تجري وفق سنن وحِكَم، وهي في (الرِّزق) و(الهداية) و(العذاب) و(الرحمة) نظام دقيق وحكيم وعادل.   - مشيئة الله في (الرِّزق): قال تعالى: (لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (الشورى/ 12). التطبيق الحياتي: لله تعالى خزائن السماوات والأرض ومفاتيحها، يوسِّعُ على مَن يشاء ويُضيِّق على مَن يشاء لحكمةٍ ومصلحة، وإن كان الأصل في الرِّزق السعي، قال تعالى: (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) (الملك/ 15).. وقد جعل سبحانه من أسباب التوسعة في الرِّزق الإنفاق في الخيرات والصدقات خصوصاً صلة الرحم، وجعل الولد يرث أثر صلاح أبيه، كما في قصّة موسى والعبد الصالح، عندما بنى جداراً يريد أن ينقضّ ليبقى الكنز المدفون لليتيمين؛ لأنّ أباهما كان صالحاً، وليستخرجاه عندما يبلغان أشدّهما. وصلاح الإنسان بعامّة سبب في زيادة رزقه.   2- مشيئة الله في (الهداية): قال تعالى: (وهديناهُ النَّجدين) (البلد/ 10). النّجد: الطريق المرتفع. التطبيق الحياتي: إذا رسم الله تعالى لك الطريق، طريق الخير وطريق الشرّ، وأودع في فطرتك السليمة أداة التمييز بينهما من عقل وفكر، فقد هداك، أي جعلك تستطيع إدراك محاسن الخير ومفاسد الشر وأبعاد كلّ منهما. وقد عبّر سبحانه عنهما بالنجدين للدلالة على صعوبتهما واحتياجهما إلى مجاهدة النفس لعبورهما. وهذه الهداية بمعنى (التعليم)، وهي مهمّة الأنبياء (ع). وهناك هداية بمعنى (التوفيق)، وهذه تُسند إلى الله – جلّ جلاله – قال تعالى: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) (الكهف/ 13). التطبيق الحياتي: مقابلة الصالح بالأصلح منه خُلقٌ رباني، فهؤلاء الجماعة من الشبّان: آمنوا بالله، فألهمهم الله الصبر والثبات، وزاد في إيمانهم بالتيسير للعمل الصالح؛ من الانقطاع إلى الله، واعتزال الناس الأشرار، والزهد في الدنيا، وزيادة الإيمان بالطاعة قاعدة عامّة. قال سبحانه: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) (محمد/ 17). أيّ أنّ الذي يختار الهداية، بعد إرسال الرسل، والمجاهدة في سبيل الله، يستحق توفيق الله.   3- مشيئة الله في (العذاب) و(الرحمة): قال تعالى: (عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) (الأعراف/ 156). التطبيق الحياتي: لأنّ الكلّ في ملك الله وفي قبضته: (إنّا لله)، فإنّه سبحانه إذا تصرّف في خالصِ ملكه، فليس لأحدٍ أن يعترض عليه، فالله تعالى يُعذِّب بعدلٍ ويرحم بفضل، ولذلك وسعت رحمته كلّ شيء، وأمّا عذابه فيُصيب به مَن يشاء من عُصاة أمره، والمعينين لهم، والساكتين عنهم. ح- عدل الله رب العالمين: قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ) (النحل/ 90). التطبيق الحياتي: دعائم الحياة الإسلامية الكريمة، وركائز المجتمع الإسلامي السعيد، تقوم على (العدل) و(الإنصاف) في كلِّ شيء: في التعامل، والقضاء، والحكم، وشؤون الدِّين والدنيا، وسلوك الإنسان مع نفسه ومع غيره، بل حتى في الاعتقاد، فلا يعبد بحقّ وعدل غير الله الخالق والرازق النافع. إنّ الله يأمرنا بالعدل ويعاملنا بما فوقه وهو (التفضّل)، ذلك أنّه تعالى يقول: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (الأنعام/ 160). وهو تعالى لا يظلم، ولا يجور، ولا يجحف في حقِّ ذي حقّ، ولذلك فالإيمان الصحيح هو أن تنزِّهه من جميع القبائح والنقائص والمعايب.   خ- الحقوق الإلهية: قال تعالى: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) (لقمان/ 20). التطبيق الحياتي: يتجلّى توحيد الله تعالى في (خلقه) وفي (إنعامه)، فلو خلق سبحانه السماوات بما فيها من غير أن تجلب للناس منافعَ، وخلق الأرض بما فيها من غير أن يُذلِّلها للناس، أكان للإنسان أن ينتفعَ من شمسٍ أو قمرٍ أو نجومٍ أو جبالٍ أو أشجارٍ أو معادنَ أو ماءٍ وهواء؟ ولأنّ جزاء الإحسان هو الإحسان، كان لابدّ من تسليم الوجه لله عزّ وجلّ، أي إن أسدى لك لطفاً، فأقِرّ له العقل بحقِّ الشكر. قال سبحانه: (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ) (لقمان/ 22). ومن حقوق الله على العبد:   1- العبادة: قال تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (الفاتحة/ 5). التطبيق الحياتي: لأنّه تعالى الخالق وحده، المُنعم وحده، فهو المستحقّ للعبادة وحده، ومنه وحده تُطلب المعونة على العبادة وعلى جميع الشؤون. قال الله جلّ جلاله: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) (الزمر/ 36). يقول الإمام علي بن الحسين (ع): "فأمّا حقُّ الله الأكبر، فإنّك تعبده، لا تُشرك به شيئاً. فإذا فعلتَ ذلك بإخلاصٍ، جعل لك على نفسه أن يكفيك أمر الدنيا والآخرة، ويحفظ لك ما تحبّ منها"[1].   2- الطاعة: قال تعالى: (مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) (الأحزاب/ 71). التطبيق الحياتي: الخضوع لله عزّ وجلّ، وامتثال جميع أوامره ونواهيه، من مستلزمات العبوديّة له، والطاعة لله باعثة على سعادة المطيع وفوزه بشرف الدنيا والآخرة. قال الإمام الحسن (ع): "إذا أردتَ عزّاً بلا عشيرة، وهيبةً بلا سُلطان، فاخرج من ذلِّ معصية الله إلى عزِّ طاعته".   3- الشكر: قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) (إبراهيم/ 7). التطبيق الحياتي: عرفان نعمة المُنعم، وهو ما يقرّه العقل والشرع والعُرف ويحتِّمه الضمير والوجدان ازاء المحسنين مع الناس، فكيف بالمُنعم الأعظم الذي لا تُحصى نعماؤه ولا تُعدّ آلاؤه؟ وللشّكر – كما يقول العارفون – معنى في العقل، والقلب، وحركة الإنسان في الحياة، أي أنّه ينطلق من وعيك للنِّعم في الوجود، وفاعليّتها في استمراره، وما تمنحك من قدرة التحمّل والمواصلة.   4- التوكّل: قال تعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) (الطلاق/ 3). التطبيق الحياتي: إذا اعتمدت على الله عزّ وجلّ في جميع الأمور، وفوّضتها إليه، وأعرضتَ عمّا سواه، فأنت من المتوكِّلين المستعينين به، اللاجئين إليه. قال الإمام الصادق (ع): "إنّ الغِنى والعِزّ يجولان، فإذا ظفرا بموضع التوكُّل أوطنا"[2]. ويُنسب إلى الإمام علي (ع) قوله: رضيتُ بما قسم اللهُ لي **** وفوّضتُ أمري إلى خالقي كما أحسنَ اللهُ فيما مضى **** كذلك يُحسِنُ فيما بقي!!   دور الغيب في حياتنا   قال تعالى في صفة المتّقين: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) (البقرة/ 3). التطبيق الحياتي: قواكَ المادية والعقليّة محدودة، فإذا لم ترتبط بالمطلق بشكلٍ أو بآخر بقيتَ محدوداً، إنّ الله تعالى أراد لحياتك أن تكون أوسع دائرة من الحياة المادية، ففتحَ عليكَ باب الإيمان الشامل الكامل بكلّ ما غاب علمه عنك: كذات الله تعالى، وملائكته والدار الآخرة، ممّا أخبر عنه القرآن، وأرشد إليه الدليل، وعجزت عنه وسائل وأدوات القدرة المادِّية. إعتقادك بوجود أشياء غير منظورة من القوى والعوالم والأشياء بما لم يتيسّر لك رؤيته عمليّاً، وامتداد تفكيرك خارج السنن والتجربة، يموّنك بقوّة أكبر، ويسلِّمك بمدد أعظم يتجاوز حدود السائد والمألوف، ويدور في فلك أوسع من الفلك الدنيوي. إنّ الغيب هو ارتباطٌ عملي وحياتي بالله في المواقف الصعبة والعصيبة التي يعجز الإنسان على اختراق عقباتها، فالحياة لا تخضع دائماً للتفسيرات المادية، خاصة في عالمي (الرزق) و(الصحّة). الغيب باختصار، هو وجود جانب روحي – غائب عن الحواس والعلم – يرعى الإنسان، يتدخّل في حياته. وهذه بعض الأمثلة القرآنية:   1- دور الغيب في النصر: قال تعالى في معركة حنين: (ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ) (التوبة/ 26). التطبيق الحياتي: الألطاف الخفيّة في حياة كلٍّ منّا هي من بعض الغيب الذي يريد الله للمؤمن من أن تبقى عينه معلّقة به، وقلبه متّصلاً به، فالله تعالى هو الذي يفيض أسباب النصر، وبيده الأمر كلّه، فإذا عشتَ هذا الفتح الروحي في قلبك، عشتَ الفتح العسكري في حربك، بل في حياتك كلّها.   2- دور الغيب في البركة: قال تعالى على لسان عيسى (ع): (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا) (مريم/ 31). التطبيق الحياتي: البركةُ بركتان: بركة من خلال عملك المبارك النافع الذي تنتفع وتثري وتصلح حياة الناس به، بما تمتلكه من طاقات خيِّرة تنجزها في خدمتهم. وبركة تمثِّل حالة غيبيّة روحية فيما تنفقه من مال، فيزكو وينمو ويتضاعف بأن يطرح الله البركة فيه، وفيما تبذله من علم وجهود وأوقات في خدمة الناس، فتزداد علماً وصحّةً وسعةً في الوقت. وعن النبي (ص): "العلم يزكو على الإنفاق"، أي أنّ الله يجعله علماً مباركاً، فيتّسع كلّما نفع.   3- دور الغيب في الخصب: قال تعالى على لسان نوح (ع) لقومه: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) (نوح/ 10-12). التطبيق الحياتي: هناك علاقة وثيقة بين الإنسان وبين الطبيعة والغيب، أي ثمّة ارتباط بين المادي والمعنوي، فقد يبدو الاستغفار لأوّل وهلة بعيد الصِّلة عن الرزق: (أمطار، أموال، بنين)، ولو صحّ هذا لما كان للدّعاء والتضرّع وصلاة الاستسقاء معنى. قال عزّ وجلّ: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ) (الأعراف/ 96). فالمراد من (تدخّل الغيب): الأثر العملي للإرادة الإلهية في القانون الطبيعي والإجتماعي، فيُعطِّله أو يُغيِّره من أجل مصلحة يُقدِّرها الله تعالى، وليس من الضروري أن يتوافق تدخّل الغيب مع رؤية الإنسان أو طموحه. إنّ تدخّل الغيب لا يلغي القانون كلِّياً أو يُعطِّله أبديّاً، بل بقدرٍ معين، عند زمن معيّن، في ظرفٍ معيّن. كما أنّ تدخل الغيب يهدف إلى تحقيق غايات سامية، منها: أ- مصلحة عامّة، كالتدخل للإلههي في حفظ الرسالة الإبراهيمية وسلسلة النبوّات المرتقبة من عقب إبراهيم ومن ضمنهم النبي محمد (ص)، فأصبحت النار باردة ليخرج (ع) سالماً معافى. ب- مصلحة خاصّة، كتدخّل الغيب لتحقيق غرض فردي، أو مصلحة جماعة، ممّا لا يتعارض مع الأهداف العامّة. ت- دعاء الإنسان، فالإنابة إلى الله بصدق وإخلاص، توجب الرحمة وتستنزل الخير والبركة. وبالإجمال، فإنّ الإيمان بالغيب رحمة من الله بعباده!! وقد تميّزت الأُمّة الإسلامية على ضوئه بأمرين، هما: أوّلاً: أنّها أمّة الغيب. وثانياً: أنّها أمّة السند. وحين نربط بينهما، فنقول: إنّ الغيب إنما نستقبله من خلال سند موثّق محقّق عن عالمه المطلق الله جلّ جلاله، أي يصلنا الخبر بذلك من خلال شخص موثّق أو جماعة من الثقافات والصادقين في نقلهم المحقِّقين في أمرهم[3]. إنّ وسائلنا للعلم والمعرفة تنحصر بنوعين: أ- المُشاهَد المحسوس: وهذا ما نعرفه ونميِّزه بتشخيص الحواس له. ب- المنقول لنا: ويشترط فيه أن نطمئن إلى صدق ناقل الخبر. ومن هذا النوع من المعرفة، ما حدّث به رسل الله وأنبياؤه (ع) من عوالم السماوات، والملائكة، والجنّ، ومشاهد يوم القيامة، وما حدّثونا به من صفات الله تقدّست أسماؤه[4].   2- النبوة أ- ضرورة النبوة لإصلاح الحياة: قال تعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (البقرة/ 213). التطبيق الحياتي: خُلق الناس ولهم صفة الجماعيّة والتجمّع: (الإنسان اجتماعي بالخلقة، الإنسان مدنيّ الطّبع). وكذا الفطرة وحدها لا تصلح سبيلاً للهداية، ولا العقول لتسيير شؤون الحياة، فهي متفاوتة مضطربة، وقاصرة عن إدراك الحقائق. من هنا كان التبليغ الذي يأتي به الأنبياء، تشريعاً من الله، موافقاً لما يحكم به العقل. وبالتالي فإن طبيعة التفاعل الإجتماعي تقتضي نظاماً مستقيماً يحقِّق العدل في العلاقات الإجتماعية، وفي جميع السلوك الإنساني. فكان بعث الأنبياء (ع) إلى الناس لطفاً إلهيّاً استدعته الحكمة الربانية واقتضته المصلحة الإنسانية. سأل رجلٌ الإمام الصادق (ع): من أين أُثبتُ الأنبياء والرسل؟ فأجابه (ع): "إنّا لمّا أثبتنا أنّ لنا خالقاً صانعاً متعالياً عنّا، وعن جميع ما خلق، ولمّا كان ذلك الصانع حكيماً، متعالياً، لم يجز أن يشاهده خلقه ولا يلامسوه فيباشرهم ويباشرونه، ويحاجّونه، ثبت أنّ له سفراء في خلقه، يعبِّرون عنه إلى خلقه وعباده، ويدلّونهم على مصالحهم ومنافعهم، وما به بقاؤهم، وفي تركه فناؤهم. فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه، والمعبِّرون عنه عزّ وجلّ، وهم الأنبياء"[5].   ب- رسائل الأنبياء – عليهم السلام – واحدة: قال تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ) (المؤمنون/ 23). التطبيق الحياتي: دعوات الأنبياء (ع) واحدة؛ لأنّ مصدرها واحد، ولذلك كانت المشتركات بينها كثيرة، وقد جاءت الرِّسالة الخاتمة لتكمِّل مكارم الأخلاق. فطبيعة مهمّة كلّ قيادة نبويّة هي: الدعوة إلى عبادة الله، وعدم الإشراك به، واقتران الدعوة بالخوف عليهم والرّأفة بهم مرّة، وبالإنذار والتحذير مرّة. إنّها دعوات إصلاحية يُراد بها صلاح المجتمع وسعادة الناس، ولذلك كان المستجيبون لدعوات الأنبياء – على طول تأريخ الدعوة النبوية – أكثر الناس للحياة، وأنفع الناس للمجتمعات. وقال عزّ وجل: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الأعراف/ 157). التطبيق الحياتي: مهمّة النبي – وضمناً أيّة قيادة إسلامية – هي: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإحلال الطيِّبات مما تستطيب به الحياة، فلا يُنغِّصها جسدي بأكل المحرّمات، ولا ألم نفسي باقتراف المعاصي، ورفع التكاليف والأحكام الشاقّة التي خضعت لها الأُمم السابقة. قال تعالى: (طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى) (طه/ 1-2). وقال (ص) لكلِّ الدعاة إلى الله: "بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تُعسِّروا". ورُوي عنه (ص): "بعثتُ بالحنيفيّة السّمحة".   ت- مهمّات الأنبياء – عليهم السلام –: قال تعالى: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة/ 128). التطبييق الحياتي: إنّ مجال دعوات الأنبياء – عليهم السلام – وساحات عملهم، هي: القبائل التي ينتمون إليها، والقرى التي يسكنون فيها، وحيثما ترد كلمة (أخوهم) في دعوة نبي، فإنّها تعني الأخوّة في النسب، أي أنّ النبي منبثق عن مجتمعه، ولهذا أكثر من دلالة ومغزى: أ‌-                           إنّ درجة تأثيره في الأُمّة أكثر ممّا لو كان غريباً عنها؛ لأنّها أعرف بعاداتها وتقاليدها وأعرافها، ونقاط القوّة والضغط فيها، وطريقة تفكيرها، وهذا ممّا يحتاجه أي مغيِّر أو مصلح اجتماعي. ب‌-                       إنّ صاحب الرسالة عندما ينطلق في مجتمعه، فإنّ من أهله أقرباءه الذين يلوذ بهم عندما تضيق الأمور وتوصد الأبواب، فضلاً عن أن يكونوا أرضيّة صالحة لتقبّل الأفكار والمبادئ. وحيث لكلِّ مجتمع ثقافته وقوانينه ومزاجه الذي يُميِّزه، فمن الطبيعي أن تنفعل كلّ دعوة بتلك الخصوصيات وتصطبغ بها، ممّا يؤثِّر على نجاح الدعوة ومصيرها[6].   ث- المقوّمات القياديّة للأنبياء (ع): قال تعالى مخاطباً نبيّه محمّد (ص): (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ) (آل عمران/ 159). التطبيق الحياتي: عرّف الباحثون في الشأن القرآني خصائص القيادة النبوية، بما يلي: 1- المعرفة التامّة بأحوال الأُمّة: فأيّ مجتمع هو كيان متحرِّك يقوم على نظم وعلاقات تسبغ عليه صفات تميِّزه عن المجتمعات الأخرى، والتغيير الذي ينشده النبي ويسعى إلى تحقيقه هو استبدال وضع قائم سيِّئ بآخر صالح. وعلى ضوء الاستيعاب الشامل، يمكن تصوّر خطّة عمل ناجحة، تتضمّن برنامجاً اجتماعيّاً، تنظيميّاً، وسياسيّاً، يأخذ بنظر الاعتبار الخصوصيات التي يتمتّع بها هذا المجتمع أو ذاك. ولقد امتازت قيادات الأنبياء (ع) بمميّزات منها: أ- العقلانية عند اتخاذ المواقف، والوضوح في الإجراءات. ب- نزاهة الوسائل ووضوح الأهداف. ج. قوّة الإرادة ومواصلة السير. 2- الكفاءات الشخصية والاجتماعية: لقد تناول القرآن الكريم جوانب مضيئة من شخصيات الأنبياء (ع) تصلح أن تكون معالم مفيدة للقادة السائرين في دربهم، منها: أ- الرعاية الإلهية الخاصّة: بسبب الأدوار الخاصة المسندة إليهم، والمهمات الشاقّة التي تتطلب قدراته استثنائية. وهذه الرعاية تجعل منهم – عليهم السلام – قوة صالحة ومثلاً أعلى حقيقيّين. وتتمثّل في الاصطفاء والتفضيل والإعداد والحفظ الإلهي. واللافت في القرآن أنذه يفتح باب هذه الرعاية للمؤمنين المخلصين أيضاً، لِكُلٍّ بحسب درجة قربه من الله تعالى. ففي نجاة النبي يونس (ع) من الحوت – مثلاً – يقول تبارك وتعالى: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) (الأنبياء/ 88). ب- الخصائص الذاتية العالية: من الإخلاص والصلاة والأمانة والإلتزام الكامل بأحكام الله وتوجيهاته، وهذا يتحقّق عندما تتوفّر فطرة سليمة، ونفس طاهرة، فضلاً عن علمهم وحكمهم وتقواهم وصبرهم واحتمالهم، وهذه الخصال درجات ومستويات أعلاها ما اتّسم به الأنبياء (ع)[7]. ج- أوصياء الأنبياء (ع): قال تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (البقرة/ 124). التطبيق الحياتي: الإمامة – بتصريح الآية الكريمة – لا تكون لأحدٍ إلا بجعلٍ من الله تعالى، أي بتعيين منه، فهي عهد الله، ومسؤولية ربّانية لا تُناط إلا بمن لديه أهلية القيام بها، وهي أن يكون غير ظالم لنفسه أو لغيره، وهذا لا يتحقق إلا إذا كان الإمام معصوماً. منزّهاً من الخطايا والذنوب. و(العصمة) غير (العدالة). تلك مَلَكَة ثابتة، وهذا التزام قابل للتغيّر. ولئلّا يُترك مصير الدعوة التي ضحّى من أجلها الأنبياء رهناً للظروف والأهواء والأمزجة، كان الأنبياء (ع) يوصون مَن بعدهم – بأمر من الله – لخلفاء يواصلون مسيرة الدعوة من بعدهم مُبلِّغين عن الله (بما بلّغ أسلافهم من الأنبياء)، ومعلِّمين للناس. قال تعالى مخاطباً نبيّه محمّداً (ص) في أخريات حياته: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) (المائدة/ 67).   - الاهتمام بالسنّة المطهّرة: قال تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (الحشر/ 7). التطبيق الحياتي: أوامر النبي (ص) إلهية، فهي لا تصدر عن هوى أو رغبة شخصيّة، وإنّما هي تعليمات سماوية: (إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى) (النجم/ 4)، ولذلك فكلّ ما أمر به (ص) يستوجب الأخذ والعمل به لأنّه لم يأمر إلا بصلاح، وبكلِّ ما يُقرِّب من الجنّة ويُبعِّد عن النار، وكلّ ما نهى عنه (ص) يستلزم التّرك والإمتناع والإنتهاء عنه، لأنّه ما نهى إلا عن الفحشاء والمنكر والبغي، وكلّ ما يُبعِّد عن الجنّة ويُقرِب من النار. وسنّته (ص) – الصحيح منها طبعاً – صالحة لكلِّ زمانٍ ومكان، وهي عِدْل القرآن، ولذلك فإنّ ثقافة المسلم لا تكتمل بالقرآن وحده، بل لابدّ له من المصدر الثاني للتشريع وهو السنّة النبوية المطهرة. وأفضلُ مصدر للسنّة والسيرة النبويّة هو القرآن الكريم؛ لأنّه سجّل للإنسانية، كلّ هذه الثروة الضخمة من مسيرة النبوّة لتكون مرجعاً للأُمّة بعده وإلى يوم الدِّين. قال عزّ وجلّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) (الأنفال/ 24). التطبيق الحياتي: ليس هناك طبيب يكتب وصفةً لمريضٍ ليؤطِّرها ويُعلِّقها على الجدار، إنّما يكتبها ليُعالج بها مرضه، وتعاليم النبي (ص) وَصْفات لعلاج، فإذا دعا النبي (ص) إلى حياةٍ طيِّبة مشتملة على سعادة الدنيا والآخرة، وفيها صلاحك وخيرك، وفيها كلّ حقّ وصواب ينفعك، واعتبرت نفسك غير معنيٍّ بما دعا إليه، فأنتَ كمَنْ قال: سمعتُ وهو لم يسمع، وكالمريض الذي يُعلِّق الوَصفة على حائط غرفته، فلا تُسمّى مستمعاً حتى تنفِّذ ما يقول، ألم يقل تعالى عمّا أعرض عنه (ص) بأنّه ميِّت: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا) (الأنعام/ 122). وقال جلّ جلاله في اقتران طاعة رسوله بطاعته: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) (النساء/ 80). التطبيق الحياتي: إذا طلب معاون المدرسة من التلاميذ أمراً نقلاً عن مديره، فهل يرفض التلاميذ تنفيذ الأمر؛ لأنّهم لم يسمعوه من المدير مباشرة؟ إنّهم ينسون أنّ المعاون ممثِّلٌ للإدارة وهو لا يتصرّف من عنده، وإنّما هو مأمور بنقل الأمر، فهو وكيل المدير وسفيره الناطق باسمه. ولذلك فالمُعرِض عن طاعة الرسول متّبعٌ لهواه، مُنقاد لشهواته، مُضيِّع لمصلحته، فهو إذ يعصيه إنّما يعصي الله الذي أمره بالتبليغ، ولذلك فإنّ طاعة الرسول، فيما صحّ عنه، هي طاعة لله بلا أدنى خلاف، لأنّه الأمين على الوحي والحفاظ لسرِّ الله. ولهذا قال (ص): "ألا إنِّي أوتيت القرآن ومثله معه"، يعني السنّة[8]. وروي عنه (ص) أيضاً: "إنِّي ما أحللتُ إلّا ما أحلّ القرآن، وما حرّمتُ إلّا ما حرّم القرآن". إنّ الدساتير تحتاج عادة إلى مَن يشرحها ويوضِّحها، على اعتبار أنّ القرآن هو بمثابة الدستور الذي يرسم الخطّ العام للإسلام، كانت علاقة السنّة به علاقة بيان وشرح وتفصيل. قال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) (النحل/ 44). وقد وصلتنا السّنّة النبوية عن طريق الأئمّة الطاهرين من أهل بيته، والرواة المنتجبين من أصحابه، ولابدّ من التأكّد من صحّة السند وسلامة المتن في كلِّ ما يصلنا من روايات للتحقّق من صدورها عن المعصوم وورودها لنا كما صدرت عنه.   3- المعاد: قال تعالى: (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ) (يونس/ 4). التطبيق الحياتي: هدف العودة إلى الله تعالى بعد الموت إعطاء قيمة للحياة ولما بعد الحياة، فلابدّ بعد الامتحان من يوم يُفصل فيه بين المحسن والمسيء، ذلك أنّ العقل يقرّ أنّ: وجود التكليف يستلزم البعث، فلو لم يكن المعاد لقبيح التكليف، والتكليف مشقّة، والمشقّة من غير عوض ظلم. أما رأيت لو أنّ طالباً مُجِداً سوِّي مع طالب كسول، هل كان يجدّ ويجتهد في العام المقبل، بل هل كان يجدّ في العام المنصرم؟ وصّى الإمام علي (ع) ابنه الحسن (ع)، فقال: "إعلم أنّ مالكَ الموت هو مالكُ الحياة، وأنّ الخالق هو المُميت، وأنّ المُفني هو المُعيد"[9].  
[1]- رسالة الحقوق للإمام زين العابدين (ع). [2]- الوافي، ج 3، ص 56. [3]- الموسوعة الإسلامية الميسّرة: 8/1757. [4]- عقائد الإسلام من القرآن الكريم: 1/69. [5]- خلاصة علم الكلام، ص 266. [6]الثوابت والمتغيرات في مسيرة الأنبياء :19-21 [7]- المصدر السابق بتصرّف. [8]- تفسير البرهان: 2/176. [9]- نهج البلاغة، كتابه (ع) لولده الحسن (ع).

ارسال التعليق

Top