اعتبر القرآن الكريم أنّ التقوى هي أفضل زاد للإنسان في سفره إلى الله: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) (البقرة/ 197). وقد اعتبرها أمير المؤمنين (عليه السلام) على رأس سلسلة الأخلاق الحميدة فقال: «التقى رئيس الأخلاق». والتقوى من «الوقاية»، وتأتي بمعنى صيانة النفس والجسد من خلال إطاعة الأوامر الإلهية والاجتناب عن معاصيه. ويفهم من موارد استعمال كلمتي التقوى والورع أنّ مفهوم التقوى أوسع من مفهوم الورع ويشمل فعل الواجبات وترك المحرمات.
وبما ان شهر رمضان هو شهر التقوى والتقرب إلى الله عز وجل، لذا علينا الإقبال على الطاعات وهجر المعاصي والذنوب فيه، على أمل التعرض لنفحات الكرم الإلهي والرحمة الربانية التي يفيض بها الله تعالى على عباده في هذا الشهر الفضيل. قال تعالى في محكم كتابه العزيز: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة/ 183)، يستوحى من آيات الذكر الحكيم عند بيانها فلسفة تشريع فريضة الصوم أنّ الصوم يهدف في حقيقته للتدرب على رصد النفس وممارسة هذه العملية لارتقاء سلم التقوى والفوز بضبط النفس والرقابة الذاتية عليها والتقدم بخطى راسخة نحو نيل الكمال. على هذا لا يحتسب مجرد تحمل الجوع والعطش صياماً واقعياً، بل هو كما جاء بيانه في حديث سابق عن الإمام عليّ (عليه السلام) ضبط شامل للنفس. وقد أشارت سيدة نساء العالمين الزهراء (عليها السلام) في حديث لها أنّ الصوم المقبول هو ما يصد اللسان والآذان والأعين وجميع أعضاء الجسم عن المعاصي وعن الجنوح إلى الباطل. أيضاً عن إمام المتقين عليّ (عليه السلام): «صيام القلب عن الفكر في الآثام أفضل من صيام البطن عن الطعام». فمثل هذا الصوم لا يتضمن تحمل الجوع والعطش فقط بل في التحلي بضبط النفس وتجنب المعاصي يمثل حصناً يصون المؤمن من نار جهنم، ولا يظل هذا الحصن قائماً في ظل صيانته من الانهيار بتجنب المعاصي. ولهذا نجد أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعد إلقائه الخطبة الشعبانية وتنويهه إلى المزايا الفائقة لشهر رمضان المبارك وحثه النّاس للإفادة الجادة والواعية من نعم هذا الشهر وتذكره بمشاهد يوم القيامة ودعوته للإنفاق على الفقراء واحترام الكبار والرأفة بالصغار وصلة الأرحام وكف الألسن والأعين والآذان عن المعاصي والعطف على الأيتام والابتهال إلى الله لغضه عما صدر عن عبده من الذنوب، واستضافة الصائمين المؤمنين وتقديم طعام الإفطار إليهم وإن كان بسيطاً، وتهذيب الأخلاق والاستزادة في الصلاة والإكثار من الصلاة عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) وتلاوة القرآن، أعلن عن توفر فرصة متميزة في هذا الشهر حيث أبواب الجنّة فيه مفتوحة وأبواب النيران فيه مؤصدة والشياطين فيه مغلولة، عندئذ نهض الإمام عليّ (عليه السلام) يسأله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن أفضل الأعمال في هذا الشهر، فأجاب (صلى الله عليه وآله وسلم): «الورع عن محارم الله عزّوجلّ». إنّ رمضان فرصة للتزود بتقوى الله تعالى وعمل الصالحات والتواصل الاجتماعي بين الناس، وتوطيد العلاقة بينهم وبين ربهم؛ بارتياد المساجد وغشيان دروس العلم وحِلَق الذكر، والمكْث في المساجد، والابتعاد عما حرم الله تعالى.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق