عندما ترى أنّ ابنك/ ابنتك يعارضك ويتمرد عليك، قدم له شيئاً ولو صغيراً بدل معاقبته. عطاؤك هذا يقوي الصلة بينكما، وهو كفيل بإحياء رغبته في إرضائك والتعاون معك من جديد، (تهادوا تحابوا) ولا تلجأ للعقوبة فهي تؤذي المشاعر كما تؤذي الجسد، وبالتالي تسحق رغبته الفطرية في التعاون معك، ويكون تعاونه فقط أمامك وسطحياً ومزيفاً، ناتجاً عن الخوف منك وليس حباً لك أو رغبة في إرضائك.
الجائزة تعمل في الأولاد عمل السحر وتجعلهم يتجاوبون معك بشكل إيجابي. ولكن يجب ألا تتسرع في تقديمها، وألا تلجأ إليها إلا بوصفها حلاً أخيراً بعد فشل بقية الوسائل والطرق الأخرى، كما توضح الخطوات التالية والتي يجب اتباعها أوّلاً:
1- اطلب من الابن/ الابنة ولا تأمره. (من فضلك..).
2- استمع له وأعطه الفرصة لكي يفسر لك رأيه الخاص، ولا تعارضه أو تَلُمْه أو تقارنه مع غيره أو تلقي عليه محاضرة!
3- وفِّر له ما يحتاجه ليحقق ذاته فرداً متميزاً، ولا تحاول أن تغيّره ليتناسب مع القالب الذي صنعته له أو الذي تتمناه.
4- في هذه الخطوة فقط نبدأ باستعمال الحوافز والجوائز إذا فشلت الخطوات السابقة.
5- إذا أصر الابن/ الابنة على الرفض وعدم التعاون، تبدأ مرحلة إلقاء الأوامر.
يجب ألا نلجأ إلى إعطاء الحوافز والجوائز في كلّ مرّة نريد من الابن أو الابنة شيئاً، فهذا لن ينجح في خلق روح التعاون في الطفل، ويفضل أن نترك هذا الأسلوب إلى الحالات الخاصة جدّاً، وعندما لا يكون لدينا وقت كافٍ لنقوم بالخطوات السابقة كلّها، فالجائزة تخلق وبشكل سريع روح التعاون والتجاوب ولكن بشكل مؤقت! لذا تترك هذه الطريقة لمعالجة تمرد الأطفال في الأوقات الحرجة والضرورية فقط.
ميزات الجائزة:
الجائزة تركز على العمل الجيد وتؤكد على التصرف الإيجابي. وهكذا ندفع الطفل ليفكر في التصرفات الجيدة الإيجابية ويلحظها، على عكس ما يفعله العقاب تماماً، فهو يركّز على التصرفات السيئة. وبالطبع عندما تولي شيئاً ما عنايتك فإنّه ينمو ويتحسّن، فالخصلة التي تجذب انتباهك وتحوز اهتمامك تكبر وتتأصل، وكأن اهتمامك بالشيء بمنزلة النور الذي يضيئه لافتاً إليه. وهكذا ينشغل فكر الابن/ الابنة بالتصرفات السلبية عندما تعاقبه، ويغيب عن ذهنه التصرفات الإيجابية التي بقيت في الظلام، بينما إذا قمت بمكافئته على تصرفاته الجيدة والإيجابية، فهذا سيوجهه نحو هذه التصرفات ويشجعه على ملاحظتها والسير في مسارها.
وإذا ما تصورنا أنّ التعاون بذرة مزروعة في أعماق كلّ ابن/ ابنة، فإنّ عدم تعاونه يكون دليلاً على أنّ هذه النبتة لا تنمو كما يجب، لأنّها بحاجة إلى مزيد من العناية، والجائزة هنا تلعب دور السماد، فهي ضرورية من وقت لآخر وبكميات محددة.
ومن ميزات الجائزة أنّها أسلوب يمثل قانون الحياة العملي، ألا وهو مفهوم الأخذ والعطاء، فالإنسان البالغ الناجح يفكر بنفسه كما يفكر بغيره. فإذا أعطيت حقّ لك أن تأخذ، وإذا أردت الحصول على حصة أكبر فعليك أن تعطي أكثر. لذا عندما تطلب من ابنك أن يقدم لك أكثر وتعده بجائزة ما لقاء ذلك، فإنّك تلقنه درساً هاماً في الحياة العملية، وتدربه على عقد الصفقات وكيفية المفاوضات، ويدرك الابن/ الابنة أنّه يستحق أكثر عندما يقدم أكثر، ولكن الدرس الأكبر والأهم الذي يتعلمه منها هو الصبر حيث سيضطر إلى تأجيل رغباته الحالية والآتية من أجل هدف معيّن، وللفوز بشيء أفضل من المستقبل.
الجوائز تساعد الطفل على العودة تحت سيطرتك، لذلك لا تلجأ إلى الجائزة إلا عندما تشعر بأنّ الطفل قد خرج من تحت سيطرتك وفقد الرغبة في الحصول على رضائك.
عقد الصفقات والوعد بالجوائز لا يدل على أنّ الأب/ الأُم تراجع عن رأيه تحت ضغط الابن/ الابنة، بل يدل على تراجع الابن/ الابنة وقبوله حكم أبيه. عندما يقدم الأب/ الأُم جائزة للابن/ الابنة لكي يشجعه للتعاون معه، فإنّ ذلك لا يدل على أنّ الأب/ الأُم خضع لرغبة الابن/ الابنة، بل العكس هو الصحيح، حيث أنّ الابن/ الابنة هو من يغير موقفه المعارض، وقبوله الجائزة برهان على رجوعه إلى حكم أبيه/ أُمّه.
والواقع أنّ قيمة وفعالية الحوافز والجوائز معروفة لدى الجميع، ويكفي أن تلاحظ رد فعلك إذا سألك مديرك أن تعمل عدة ساعات إضافية دون أي مقابل مادي، أو إذا عرض عليك العمل ذاته ولكن مع أجرة مضاعفة! قارن شعورك وحماسك للعمل في الحالتين! ولحسن الحظ، يمكنك أن تجرب فعالية هذا الأسلوب بسهولة، فمثلاً: عندما يرفض الابن/ الابنة أن ينظف أسنانه قبل النوم، قل له مثلاً: إذا نظفت أسنانك الآن فسنقرأ معاً قصتين بدل قصة واحدة.
تدريب عملي: يبيّن كيفية استعمال أسلوب الجائزة لتشجيع روح التعاون وتقويتها لدى الأطفال بين سن الرابعة والتاسعة:
ضع جدولاً للطفل تبين فيه كلّ الأعمال الإيجابية التي يمكنه القيام بها، وقبل أن يذهب الطفل إلى سريره ليلاً لينام، اقرأ معه ذلك الجدول، وعندما تمرّ على عمل جيِّد قم به، أظهر له حماساً وموقفاً إيجابياً وشجعه ليشعر بالفخر بنفسه، ويمكنك إلصاق صورة ملونة، أو ارسم بقلم ذهبي أو فضي نجمة أو شمساً أو وجهاً مبتسماً جانب ذلك العمل، أمّا إذا لم يقم بذلك العمل فعليك تجاهله وكأنّه لم يكن، وركّز اهتمامك على ما أنتج لا على ما لم ينتج، ويمكن أن تحدد درجة لكلّ عمل يقوم به، مثلاً درجتين إذا نام باكراً، وثلاث درجات إذا نظف أسنانه جيداً وهكذا، وحدد له جائزة ما عندما يحصل على مجموع معيّن، ولنقل مثلاً 25 نقطة، وعندما يحصل على هذا المجموع، عليك الوفاء بوعدك وتقديم الجائزة له، وهذه يمكن أن تُحدد حسب رؤيتك وتقييمك ما يحبه الطفل وما يرغب فيه، قد تكون تقديراتك السماح له باللعب مدة أطول، أو قد تكون قراءتكما قصة جديدة، أو دعوة أحد أصدقائه إلى البيت، أو ربما الرقص معاً أو الصلاة معاً، أو شراء قطعة حلوى مفضّلة أو غيرها.
الكاتبة: فريال تيسير
المصدر: كتاب نجاح أولادك (الأساليب التربوية، مناقشة مشاكلها وشرح حلولها)
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق