• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

تعليم الطفل مهارة الانضباط الذاتي

تعليم الطفل مهارة الانضباط الذاتي

إنّ الانضباط الذاتي، أو قوّة الإرادة، أو الضمير الحيّ، هو واحد من أهم ست مهارات يفترض أن يتعلمها كلّ طفل، لأنّه عندما يتعلم الطفل الانضباط الذاتي يصبح قادراً على تتنظيم نفسه، والتعامل مع مشاعره الخاصة، والتخطيط للمستقبل، إضافة إلى تمكنه من مقاومة الانحرافات.

عندما يطوّر الطفل عادات انضباط جيِّدة، تتعزز قدرته في مجال معالجة المشاكل والتقليل من القلق والاضطراب على مدى سنوات عمره. إنّ مجرد أن يكون الطفل حسن التصرف لا يعني بالضرورة أنّه قادر على ضبط نفسه. إنّ الطفل القادر على ضبط الذات يميل إلى التصرف بمسؤولية حتى عندما يكون بعيداً عن نظر الأُم. وقد يتخلى هذا الطفل عن تحقيق الرضا الفوري، ويمكن أن يكون قادراً على اتخاذ القرار الجيِّد من دون تدخل مباشر من قِبَل الأُم.

 

معنى الانضباط الذاتي:

إنّ الطفل القادر على ضبط النفس، يمتلك القدرة على السيطرة على عواطفه، لأنّه سبق أن تعلم مهارات التعامل مع الغضب والقدرة على السيطرة على السلوك المتهور. ويمكن أن يتقبل نقد وتوجيهات البالغين بحترام شديد، كما يمكن أن يتحمل مسؤولية تصرفه، وتعلم أيضاً اتخاذ القرارات السليمة بنفسه، وبالاستناد إلى النتائج السلبية والإيجابية لخياراته، بدلاً من الاكتفاء بالقول: "يجب تنفيذ هذا العمل لأن أُمّي طلبت منِّي ذلك". يستطيع الطفل القادر على ضبط النفس، اتخاذ القرارات السليمة في مجالات المهمات الروتينية والواجب المدرسي والمال وضغط الأنداد والاعتناء بالذات. إنّ تعليم الطفل مهارات الانضباط الذاتي، في سن مبكرة، يساعد على مضيه قدماً بسهولة في حياته المستقبلية. فالأشخاص الذين لا يتعلمون الانضباط الذاتي إطلاقاً يميلون إلى بذل الكثير من الجهد للحفاظ على العادات الصحية، حتى في مرحلة البلوغ. إنّ النجاح في مجال الدراسة والعمل وإدارة الشؤون المالية والمسؤوليات العائلية يتطلب القدرة على ضبط النفس. وافتقار البالغ إلى الانضباط الذاتي يجعله يعاني مشاكل على صعيد إدارة الوقت والمال.

 

الافتقار إلى الانضباط:

في ما يلي بعض الأمثلة عن ما يمكن أن يحصل في حال كان الطفل يفتقر إلى الانضباط الذاتي:

·      يمكن أن يقاطع طفل في الرابعة الحديث بين البالغين مرات عدة، لأنّه لا يستطيع انتظار دوره في الكلام.

·      يمكن أن يغادر طفل في السادسة سريره باستمرار، لأنّه لا يستطيع تحمل البقاء وحده في الغرفة إلى أن يغفو.

·      يمكن أن ينتهز طفل في الثامنة فرصة انشغال الأُم، ويتناول خلسة وجبة طعام سريعة ومشروبات غازية.

·      يمكن أن يلجأ طفل في العاشرة إلى تضييع وقته في الحديث مع صاحبه على التليفون بدلاً من أداء واجبه المدرسي.

·      يمكن أن يعرب طفل في الثانية عشرة عن رغبته في تعلم العزف على آلة موسيقية معيّنة، لكنّه لا يخصص وقتاً للتدريب.

·      يمكن أن يقبل طفل بالغ في الرابعة عشرة تحدي صاحبه، ويحاول سرقة لوح شوكولاتة من المتجر.

·      يمكن ألا يستطيع طفل بالغ في السادسة عشرة، مقاومة إغراء الرد على رسالة أثناء قيادته السيارة.

·      يمكن أن يختار بالغ في الثامنة عشرة، أن يضيع وقته مع أصدقائه بدلاً من تنفيذ العمل الذي كلف به من قبل أستاذه في الكلية.

 

نتيجة الانضباط:

وفي ما يلي، ثمّة أمثلة عما يمكن أن يحصل في حال تعلم الطفل الانضباط الذاتي:

·      يمكن أن يلجأ طفل في الرابعة إلى طلب المساعدة من بالغ عندما يخطف طفل آخر لعبته من يده بدلاً من أن يلجأ إلى الضرب.

·      يمكن أن يقوم طفل في السادسة بارتداء ملابسه وحده مباشرة بعد تناوله إفطاره من دون الحاجة إلى التذكير.

·      يمكن أن يختار طفل في الثامنة عدم مشاركة زميله اللعب بالكرة أثناء وجودهما في حافلة المدرسة.

·      يمكن أن يباشر طفل في العاشرة أداء واجباته المدرسية مباشرة بعد عودته من المدرسة وتناوله وجبة خفيفة.

·      يمكن أن يعتذر بالغ في الرابعة عشرة عن زيارة صديقه بسبب انشغاله بالإعداد للامتحان.

·      يمكن أن يرفض بالغ في السادسة عشرة الانضمام إلى حفل، خوفاً من وجود أشخاص سلوكهم سيئ.

·      يمكن أن يختار بالغ في الثامنة عشرة ألا يغش في الامتحان، على الرغم من محاولة البعض إعطاءه ورقة بالإجابات الصحيحة.

 

تعليم مهارات الانضباط الذاتي:

يمكن أن تدوم عملية تعلم الانضباط الذاتي مدى الحياة. وحتى تساعد الأُم طفلها في تعلم الانضباط الذاتي وممارسته، منذ سن الطفولة إلى سن البلوغ، يمكنها تزويده بالأدوات المناسبة التي تتلاءم مع عمره. هناك طُرُق عدة لتعليم مهارات الانضباط الذاتي. وفي إمكان الأُمّ اتباع استراتيجيات مختلفة لمساعدة طفلها ليصبح أكثر مسؤولية. من هذه الاستراتيجيات:

1- اعتماد النظام: يحتاج الطفل إلى نظام وروتين حتى يصبح قادراً على ضبط الذات. على الأُم اعتماد قوانين واضحة في المنزل والتمسك بالعواقب في حال خرق القوانين. فالروتين يساعد الطفل على توقع ما يمكن أن يحصل، يزوده بأفضل الأدوات لاتخاذ القرارات السليمة. على الأُم اعتماد جدول صباحي يومي، لأنّ الطفل في حاجة إلى روتين صباحي يتضمن: موعد تناول وجبة الإفطار، الاغتسال وتنظيف الأسنان، وارتداء الملابس. كما يجب أن تعتمد روتين لما بعد المدرسة يعلم الطفل توزيع وقته بين اللعب والدراسة والأنشطة الأخرى. من المهم اعتماد روتين لوقت النوم أيضاً. لأنّه يعلم الطفل أن هناك وقتاً للراحة.

2- توفير التعليم: إنّ الطفل الصغير في حاجة إلى معرفة اتخاذ القرارات السليمة. إن من أفضل أساليب تعليم الطفل اتخاذ القرارات السليمة هو أسلوب المقاربة الحازمة، لأنّه يساعد الطفل على فهم الهدف من القوانين. مثلاً، بدلاً من القول للطفل: "عليك أداء الواجب المدرسي بمجرد دخولك المنزل"، على الأُم أن تشرح لطفلها أسباب اعتمادها هذه القاعدة. يمكنها القول مثلاً: "من الأفضل أداء الواجب المدرسي أوّلاً ثمّ اللعب، لأنّه بهذه الطريقة يصبح لديك وقت طويل للعب". بذلك، يفهم الطفل أسباب أداء الواجب أوّلاً، بدلاً من الاعتقاد أنّه يؤدي الواجب، لأنّ أُمّه طلبت منه تأديته. يمكن أن يكون اللعب وسيلة فعالة لتعليم الطفل الانضباط الذاتي. مثلاً، يمكن أن تتباحث الأُم مع طفلها حول مشاكل محددة من المحتمل أن يواجهها أثناء اللعب مع أطفال آخرين، وتبيّن له طرق معالجتها. إذا كان الطفل صغيراً في السن، يمكنها أن تلعب معه دور الطفل الذي يخطف اللعبة من يده أو ينعته بصفات سيئة أو يدفعه، لترى رد فعله، ثمّ تعلمه كيف يتصرف في مثل هذه الحالات. أما إذا كان الطفل أكبر سناً، فيمكنها أن تلعب معه دور الطفل الذي يقاوم ضغط الأنداد، أو الذي يقوم بما يجب القيام به في الحالات الصعبة أو غير الآمنة. إنّ اللعب عن طريق انتحال شخصيات أخرى، يساعد الطفل على الشعور بأنّه يمتلك القدرة لمواجهة الظروف الصعبة، وقد يساعده على تجنب ردود الفعل المتهورة.

3- اعتماد عواقب مناسبة: من الضروري أن تتلاءم العواقب مع أخطاء الطفل. ففي بعض الأحيان، يجب أن ينال الطفل العقاب الطبيعي. مثلاً، إنّ الطفل الذي ينسى واجبه المدرسي في المنزل كلّ صباح، لن يتعلم أن عليه وضع كلّ أغراضه في حقيبة المدرسة ليلاً قبل الذهاب إلى النوم، إذا كانت الأُم تسارع إلى توصيل الواجب إلى المدرسة في كلّ مرّة. في هذه الحالة، يجب ترك الطفل ينال عقابه الطبيعي من المعلمة، حتى يتعلم ألا ينسى واجبه مرة أخرى. وفي أحيان أخرى، يجب أن ينال العقاب المنطقي. مثلاً، إذا عبث الطفل بمحتويات كمبيوتر الأُمّ، يجب حرمانه من ألعاب التسلية الموجودة على الكمبيوتر. أو إذا كان الطفل يتأخر في النوم صباحاً، يجب وضعه في السرير قبل الوقت المحدد للنوم ليلاً. عندما تركز الأُم على تعليم طفلها الانضباط الذاتي، عليها أن تتجنّب الدخول معه في صراع حول السلطة. يجب ألّا تحاول أن تفرض عليه أداء عمل ما بالقوة، لأنّ الإلزام لا يعلم الطفل الانضباط اذاتي. بدلاً من ذلك، عليها أن تبيّن له العواقب السلبية لأخطائه وتتركه يقرر بنفسه. الطفل في حاجة إلى أن يتعلّم كيف يتخذ القرارات السليمة بنفسه من خلال تقييم العواقب.

4- الانضباط خطوة بخطوة: يحتاج الطفل إلى سنوات وسنوات من التعليم والتدريب حتى تصبح لديه القدرة على ضبط ذاته. على الأُم اتباع سياسة الخطوة خطوة واستخدام استراتيجيات تتلاءم مع سن الطفل عند تعليمه الانضباط. يفترض ألا تتوقع الأُم أن يتمكن طفلها البالغ ست سنوات من العمر، تنفيذ المهام الروتينية الصباحية وحده من دون تذكيره بها. عليها، حتى يصل طفلها إلى هذه الدرجة من الانضباط، أن تعلق لوحاً على الحائط بالقرب من سرير طفلها يتضمن صوراً لأشخاص يغسلون وجوههم وينظفون أسنانهم ويرتدون ملابسهم، أو أن تقوم بتصوير طفلها أثناء قيامه بهذه المهام وتعليق صوره على الحائط، ليراها عند قيامه من السرير كل صباح.

5- المديح: على الأُم أن تولي طفلها الكثير من الاهتمام وتمتدحه عندما يكون سلوكه منضبطاً. فإذا طلب منها طفلها المساعدة في حل الإشكال بينه وبين شقيقه بدلاً من أن يضربه، عليها القول له مثلاً: "أحسنت. كان خيارك في طلب المساعدة جيداً". إن مدح الطفل عند اتخاذ اختيارات سليمة يزيد من احتمالات تكرار السلوك نفسه الجيِّد. يجب أن تثني الأُم على الطفل عند فعل شيء من دون تذكيره به. أن تقول له مثلاً: "عظيم. لقد أديت واجبك المدرسي حتى قبل أن أطلب منك ذلك". أو: "أنا فخورة بك جدّاً لأنك قمت بتنظيف غرفتك وحدك". إنّ مدح الطفل حتى على الأشياء البسيطة والبديهية، يشجعه على السلوك المنضبط.

6- تعليم مهارات حل المشاكل: على الأُم أن تعلم طفلها حل المشاكل التي يمكن أن يواجهها، وأن تتعاون معه من أجل قضايا محددة تتعلق بالانضباط الذاتي. في بعض الأأحيان، يمكن أن يؤدي سؤال الطفل عن رأيه في كيفية التعامل مع مشكلة محددة، إلى توصله إلى حل خلاق للمشكلة.

أحياناً، يمكن التوصل إلى حل للمشاكل بسهولة، خاصة إذا كانت بسيطة. مثلاً، إذا كان الطفل يجد صعوبة في الانتهاء من ارتداء ملابسه في الوقت المناسب استعداداً للذهاب إلى المدرسة، يمكن أن يسهل عليه الأمر إذا حضّر ثيابه ليلاً قبل الذهاب إلى النوم. لكن المشاكل المعقدة تحتاج إلى سلسلة من المعالجات لحين التوصل إلى الحل المناسب. مثلاً، يمكن أن يحتاج المراهق الذي يتقاعس في أداء واجبه المدرسي إلى إجراء بضعة تغييرات في القوانين إلى أن يتعلم أداء واجبه المدرسي من تلقاء نفسه.

7- النموذج المثالي للانضباط الذاتي: يتعلم الطفل الكثير من خلال مراقبة الأُم. فإذا رأى الطفل أُمّه تماطل في أعمال المنزل، أو تجلس أمام شاشة التلفزيون بدلاً من غسل الأطباق، سوف يقلدها في عادتها هذه. يجب أن تكون الأُم المثال الجيِّد بتصرفاتها: تأدية واجباتها المنزلية من دون توانٍ أو تردد، اتخاذ القرارات السليمة، ضبط الأعصاب والسيطرة على الغضب.. إلخ.

8- المكافآت: يمكن أن تستخدم الأُم نظام المكافأة لحل مشاكل محددة تتعلق بالانضاط الذاتي. إنّ الطفل الصغير في السن والذي يرفض النوم في سريره الخاص ليلاً، قد ينفع معه أسلوب تعليق ملصق على صدره يحمل صورة للشخص المفضل لديه، لاعب كرة أو "باسكت بول" أو ممثل أو مطرب.. إلخ. أمّا الطفل الأكبر سناً، والذي لا يؤدي واجبه المدرسي في الوقت المحدد، فقد ينفع معه أسلوب إعطائه مبلغاً رمزياً من المال.

ينبغي اعتماد نظام المكافآت لفترة قصيرة فقط. إذ يجب أن تتوقف الأُم عن تقديم مكافآت لطفلها حالما يبدأ الأخير في إتقان مهارات الانضباط الذاتي. هناك الكثير من المكافآت التي لا تكلف مالاً وتستطيع الأُم استخدامها، مثل تخصيص وقت لاستخدام الوسائل الإلكترونية، للمساعدة في تحفيز الطفل على التصرف بمسؤولية.

ارسال التعليق

Top