• ٣٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٢١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

ائتلاف القلوب وتوحيد الغايات

عمار كاظم

ائتلاف القلوب وتوحيد الغايات

إنّ ائتلاف القلوب واتحاد الغايات والمناهج من أوضح تعاليم الإسلام ولاريب أنّ توحيد الصفوف واجتماع الكلمة هما الدعامة الأساسية لبقاء الأُمّة ونجاح رسالتها، عن الإمام عليّ  (عليه السلام): «الناس أخوان فمَن كانت أخوته في غير ذات الله فهي عداوة وذلك قوله عزّوجلّ: (الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) (الزخرف/ 67)». هناك أمرٌ يلاحظه المسلم كلّ يوم، فالعملُ الواحدُ في حقيقته وصورته يختلف أجره اختلافاً كبيراً حين يؤديه الإنسان وحيداً، وحين يؤديه مع آخرين، إنّ ركعتي الفجر مثلاً وركعات الظهر هيَ هيَ، لم تَزِدْ شيئاً عندما يؤثر المرء أداءها في جماعةٍ عن أدائها في انفراد، ومع ذلك فقد ضاعف الله تعالى أجرها بضعاً وعشرين مرة عندما يقف الإنسان مع غيره بين يدي الله، وهذا إغراءٌ شديد للانضواء في كنف الجماعة، ونبذ العزلة، ودفع الإنسان إلى ترك وحدَتِهِ والإندماج في أُمّته، فالإسلام يكره للمسلم أن ينحصر في نطاق نفسه وأن ينأى بمصلحته عن مصلحة الجماعة وحياتها.

ولكي يمتزج المسلم بالمجتمع الذي يحيا فيه شرَّع الله الجماعة للصلوات اليومية، ورغّب حضورها، وتكثير الخُطى إليها، ثمّ ألزم أهل القرية الصغيرة أو الحيّ الآهل أن يلتقوا كلّ أسبوع لصلاة الجمعة. ثمّ دعا إلى اجتماع أكبر في صلاة العيد، وجعل مكانة الأرض الفضاء خارج البلد وأمر الرجال والنساء بإتيانه إتماماً للنفع وزيادةً في الخير، ثمّ أذّن إلى حشدٍ أضخم يضمُّ الشتات من المشرق إلى المغرب، ففرض الحج، وجعل له مكاناً وزماناً معلوماً حتى يجعل اللقاء بين أجناس المسلمين أمراً محتوماً. وكان رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شديد التحذير من عواقب الاعتزال والفرقة، وكان من حلِّهِ وترحاله يُوصي بالتجمُّع والاتحاد.

إنّ الناس إن لم يجمعهم الحقُّ فرَّقَهم الباطل، وإذا لم توحِّدهُم عبادة الرحمن مزَّقتهُم عبادةُ الشيطان، وإذا لم يستويهم نعيمُ الآخرة تخاصموا على متاع الدنيا. روي عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال في حَجّة الوداع: «لا ترجعوا بعدي كُفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض»، بمعنى أنّ العراك الدامي شأن الكافرين المنقسمين على أنفسهم أحزاباً متنافرة.

إنّ شرائعُ الإسلام وآدابه تقومُ على اعتبار الفرد جزءاً لا ينفصم عن كيان الأُمّة، فهو طوعاً أو كرهاً يأخذ نصيبه ما يتوزع على الجسم كلّه من غذاءٍ ونموٍّ وشعور، وقد جاء الخطاب الإلهي مقرِّراً هذا الوضع، فلم يتجه للفردِ وحدَهُ بالأمر والنهي إنّما تناولَ الجماعة كلّها بالتأديب والإرشاد، ثمّ من الدرس الذي يُلقي على الجميع يستمعُ الفرد وينتصح، وهذا ما يلاحظه في سياق التشريع في الكتاب والسنّة، إنّ الله عزّوجلّ لم يَخلق الناس لينقسموا ويختلفوا، لقد شرّع لهم ديناً واحداً، وأرسلَ لهم الأنبياء ليقودوا الناس كافةً في طريق واحد، وحرّم عليهم من الأزلِ أن يتفرّقوا. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ * فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ * فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ) (المؤمنون/ 51-54). وقد حذّر الله تعالى المسلمين من الخلاف في الدين والتفرُّق في فهمه، قال تعالى: (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (آل عمران/ 105).

لقد وحّد الإسلام بين أبنائه وجمعهم حول العقيدة الصادقة والمبادئ السامية وأصبح الإخاء العام بينهم هو الرباط والدعامة الذي بنوا عليه علاقاتهم وتعاملهم وكانت الإخوة الدينية أصدق تعبير وأسمى هدف وأجلّ غاية، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «إنّما سمّوا إخواناً لنزاهتهم عن الخيانة، وسمّوا أصدقاء لأنّهم تصادقوا حقوق المودّة»، فبمجرد إقرار الإنسان بشهادة التوحيد والاعتراف بالدين الإسلامي والانضواء تحت رايته تتحقق إخوته لجميع المسلمين في أنحاء المعمورة فهي ليست تكليفاً يُكلَّف به الإنسان أو يحتاج إلى مراسم ظاهرية معينة أو ما إلى ذلك من النواحي الشكلية، وإنّما بمجرد الإيمان يصبح للفرد حقوقه التي هي لكلّ المسلمين وعليه واجباته التي يطالب بها الجميع.

ارسال التعليق

Top