◄لقد اختار الإمام الحسين (عليه السلام) التضحية أسلوباً له في حركته الإصلاحية الكبرى، إلّا أنّ تضحيته (عليه السلام) كانت من طراز فريد لم يعهد من قبل مثيلاً لها في تاريخ الإنسانية.
لقد ضحّى (عليه السلام) بكلّ ما عنده لله، صحبه وأهل بيته (عليهم السلام) ونفسه وعياله، إنّ هذا الأسلوب من التضحية لم يكن ليتحقق أوّلاً، ولا لتتحقق به غاياتها ثانياً لولا إيمان المضحين بأنّه هو الجبار الوحيد الذي لابدّ من سلوكه للوصول إلى المبتغى، وما كان هذا الإيمان بالتضحية محض صدفة، ولا موقفاً ألجأهم إليه القدر، وإنّما كان إعداداً رسالياً، ومنهجاً تربوياً بدأه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منذ ولادة الحسين (عليه السلام)، ثم عمقه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في الصفوة من أصحابه، وأحاطه الإمام الحسن (عليه السلام) بعنايته، لتستكمل حلقاته على يدي سيِّد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام).
ضَحّى (عليه السلام) من أجل الآخرين، من أجل الإنسانية، ضحّى بكلّ شيء، ضحّى بنفسه، بحياته، بأهل بيته، بأصحابه، بطفله الصغير الذي في عينيه براءة الطفولة ونقاءها. الحسين لم يمت، بل ازداد حياة ونشوراً، إنّه حيّ في القلوب، حيّ في الصدور، اسمه منحوت لا على الصخر بل في القلب، في قلب كلّ مؤمن، وسيبقى اسمه حيّاً ما دامت الحياة.
إنّ العظمة هنا إنّ الحسين (عليه السلام) في هذا الموقف الصعب الذي يذهل فيه الإنسان عن كلّ شيء ويفقد رباطة جأشه نجده يُفكِّر في أعدائه، ويقف فيهم خطيباً ينصحهم ويُوجِّههم ويرشدهم لعلّ واحداً منهم يعود إلى رُشده ويتوب فيدخل الجنّة.
لقد انتصرت أهداف الإمام الحسين (عليه السلام) في ثورته الخالدة، وانتصرت مبادئه العظيمة، وظلّ مثلاً خالداً للكفاح المقدّس يطارد الظالمين والطُّغاة في كلّ عصر وزمان، ويمدّ الثوار بروح التضحية والفداء. كانت نهضته (عليه السلام) تقويماً لكلّ الانحرافات التي مرّت في حياة المسلمين من الوجهة السلوكية والأخلاقية، كما دفعت هذه النهضة بحركة الإسلام الحضارية إلى أن يستهدي طريقها الرسالي الملتزم الواضح من جديد، بل إنّها كانت هي الحركة التاريخية الفعّالة التي عمقت الرسالة الإسلامية عبر التاريخ.
فكربلاء المقدسة رمز الثورة الخالدة، رمز البطولة والتضحية والشهادة، ومناخ ركاب العاشقين، ومصارع عشّاق الله ومحبّيه والمتفانين في صفاته وأسمائه الحسنى والمستشهدين من أجل دينه القويم الإسلام العظيم وستبقى كربلاء العشق مناراً لعشاق أهل البيت (عليهم السلام).
فلو طالعنا ثورة الحسين (عليه السلام)، ثورة العشّاق والمحبين، لاتّضح لنا ما كان عليه أولئك الأبرار الأخيار من الثبات والتضحية والفداء، وأنّهم غير مكترثين بما لاقوه من ألم الجراح والرماح والسيوف والسهام ولعاً منهم بالغاية وحبّاً لهم بمولانا الحسين (عليه السلام) ودينه، وشوقاً إلى جوار جدّه المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم).
أن يُقتل إنسان في سبيل العدل والحقّ والحرّية فذلك حدث جلل، ولكن أن يُقتل الحسين (عليه السلام) سيِّد الشهداء، فذلك الحدث الجلل الأكبر والأعظم والأضخم.. لأنّه ابن سيِّدة النساء فاطمة الزهراء بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإنّه ابن أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وإنّه سبط النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال فيه الرسول: «حسين منِّي وأنا من حسين»، «أحبّ الله مَن أحبّ حسيناً».►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق