- صفات الجمال والجلال:
التسبيح هو تنزيه الله تعالى من كل نقص وعجز وجهل. ولله تعالى نحوان من الصّفات. صفات الجمال وصفات الجلال. وصفات الجمال هي (صفات الله الحسنى الثبوتية) "الإيجابية" كالعلم والسّلطان والحلم والعفو والجود والحكمة... وصفات الجلال هي الصّفات السّلبية التي تنفي عن الله النقص والعجز والجهل والشّح والقصور والفقر والحاجة والضّعف... ولله تعالى الجمال المطلق والجلال المطلق. والإطلاق هنا في كل من الجلال والجمال بمعناه الحقيقي. فهو سبحانه وتعالى جميل ولا ينقصه من الجمال شيء واجد لكل كمال وجمال وهو سبحانه جليل، ولا ينقصه من الجلال شيء، ليس في ذاته نقص أو قصور، أو ضعف أو عجز أو فقر أو جهل. وصفات الجلال هي نفي القصور والعجز والجهل والفقر... عن ذات الله تعالى.- التسبيح:
التسبيح هو، تنزيه الله تعالى عن كل ما يتصوره الإنسان من عجز وفقر. فأنّ الذات الإلهية واجبة في مقابل (الإمكان)، وغنية في مقابل (الفقر)، ومطلقة في مقابل (المحدود)... بالضرورة. وكل صفة تنافي هذا الوجوب والإطلاق والغنى منفي عن الذات الإلهية بالضرورة. فهو سبحانه منزّه عن كل نقص وقصور وعجز وجهل وفقر وظلم بالضرورة. - التسبيح لله في السلوك والعلاقة: والتسبيح على نحوين تسبيح وتنزيه في العقيدة، بمعنى الإعتقاد بتنزيه الله تعالى عن القصور والعجز. وتسبيح في مجال السّلوك والعلاقة بالله. بمعنى التعامل مع الله من منطلق الإيمان بأن كل ما يفعله الإنسان من خير من الله، وكل ما يفعله من شر من نفسه. وكل جميل في علاقة الإنسان بالله من الله، وكل قبيح وسوء في هذه العلاقة من الإنسان. في دعاء الأسحار للامام علي بن الحسين زين العابدين (ع): "أنت المحسن ونحن المسيئون، فتجاوز يا رب عن قبيح ما عندنا بجميل ما عندك"، وقبيح ما عندنا هو السيِّئات. وجميل ما عند الله هو العفو والمغفرة. وجميل ما عند الله يذهب بقبيح ما عندنا. وهذا نحو من (التسبيح) في (العلاقة بالله) في مقابل التسبيح في (العقيدة).- الإعتراض المكتوم في العلاقة بالله:
ولدى كثير من الناس نحو من الإعتراض المكتوم على الله. وهذا الإعتراض تارة فيما يصيب الإنسان من الإبتلاء بالنقص في الأنفس والأموال. وتارة فيما يرتكب الناس من الذنوب والمعاصي، فيعتقد الإنسان أن ما يصدر منه من الذنوب والمعاصي لا يكون إلّا بقضاء من الله وقدره. وما كان بقضاء وقدر لا يكون تحت إختيار الإنسان وأمره، ولا يكون الإنسان مسؤولاً عنه، فأنّ الإنسان لا يكون مسؤولاً إلّا عما يكون تحت اختياره وأمره، وما كان بقضاء من الله وقدره يدخل في دائرة الحتميات، ويخرج عن دائرة إختيار الإنسان. وهاتان قضيتان تؤديان مجتمعة إلى سلب مسؤولية الإنسان عما يصدر عنه من الأفعال. القضية الأولى أن كل شيء في هذا الكون يوجد بقضاء وقدر وأفعال الإنسان لا تشذ عن هذه القاعدة الفلسفية العامة. والقضية الثانية أن كل ما يتم بقضاء وقدر فهو بالضرورة يدخل في دائرة الحتميات، ولا يكون تحت إختيار الإنسان وإرادته وسلطانه. والنتيجة انّ الإنسان لا يتحمل أيّة مسؤولية تجاه أفعاله ولا تصح مؤاخذته وعقوبته. ولكنّنا إذا أمعنّا النظر نجد أنّ القضية الأولى منها صحيحة والقضية الثانية باطلة. وبذلك فلا ننتهي إلى النتيجة المذكورة. وإليك تفصيل كل من هاتين القضيتين. القضية الأولى: أن كل ما يصدر عن الإنسان لابدّ أن يتحقق بقضاء وقدر وهذا أمر صحيح وقطعي من دون ريب. فإذا أحرق الإنسان مدينة أو دمرها في الحرب تم ذلك بقضاء وقدر. وإذا أنشأ الإنسان مدينة أو عمرها فأن ذلك أيضاً لا يكون إلّا بقضاء وقدر. وإذا قتل إنساناً قتله بقضاء وقدر وإذا أحياه، أحياه بقضاء وقدر. فان قانون العلية يحكم هذا الكون، ولا يخرج عن حكم هذا القانون شيء في هذا الكو، فلا تتم الحروب ولا يتم البناء ولا يتم القتل ولا يتم الإحياء إلّا بقانون العليّة. وقانون العليّة يضمن دائماً حتمية المعلول عند وجود علة، وإمتناع وجود المعلول من دون وجود علته. فالخراب، والعمران، والقتل، والإحياء، لا يمكن أن يتم أي منها من دون وجود علته. ويستحيل أن لا يتحقق مع وجود علته. فكل من هذا الأمور يجب بوجود علته ويمتنع من دون وجود علته. وهذا هو القضاء وهو بمعنى (حتمية الوجود). وكما تقتضي العلة (حتمية) المعلول يقتضي كذلك (تقدير) المعلول. فإن اشعال عود الثقاب يقتضي حتمية الحرارة، كما يقتضيها الإنفجار الذري، إلّا أنّ الإنفجار الذري يقتضي الحرارة بـ(قدر معين) وعود الثقاب يقتضي الحرارة بـ(مقدار آخر). واختلاف (القدرين) باختلاف حجم وكم العلتين بموجب قانون المسانخة بين العلة والمعلول. فإنّ العلة كما تقتضي وجود المعلول بصورة حتمية، كذلك مسانخة المعلول لها، وأن يكون المعلول من سنخها من حيث الكم والكيف. فلا يجوز أن تكون ثمرة شجرة التفاح حبة الحنطة، ولا يجوز أن تكون التفاحة ثمرة لسنابل القمح. ولا يجوز أن يكون الإنجماد نتيجة لإرتفاع درجة الحرارة ولا يجوز أن يكون الإنصهار نتيجة لإنخفاض درجة الحرارة... بموجب قانون السنخية بين العلة والمعلول. وبنفس القانون تختلف درجة الإنصهار من معدن إلى معدن باختلاف درجات الحرارة، فلا يجوز أن ينصهر (الحديد) بنفس الدرجة الحرارية التي يذوب فيها (الذهب) مثلاً، ولا يجوز أن تكون درجة الحرارة الحاصلة من الإنفجار الذري دون الدرجة الحاصلة من اشتعال عود الثقاب. كل ذلك بموجب قانون السنخية بين العلة والمعلول. إذن يتحتم وجود المعلول عند وجود علته، وهذا هو (القضاء). ولابدّ من أن يكون المعلول من سنخ علته، في الكم والكيف وهذا هو (القدر), إنّ (حتمية) الحرارة باشعال عود الثقاب (قضاء) و(درجة الحرارة) التي يبعثها عود الثقاب المشتعل (قدر). والقضاء والقدر قانون عام في هذا الكون لا يشذ منه شيء، وكل شيء يجري في هذا الكون يجري بقضاء وقدر. ولا يشذ عن ذلك ما يصدر عن الإنسان من عمل صالح أو قبيح فإنّ أفعال الإنسان كأي شيء في هذا الكون تتحقق وتجب بوجود علتها، ولا تتحقق من دون علتها. فإذا وجدت العلة وجد المعلول بالضرورة ومن سنخ العلة كمّاً وكيفاً. وهذه هي القضية الأولى التي قلنا عنها أنها قطعية لا شك منها. وأمّا القضية الثانية فيختلف أمرها عن القضية الأولى اختلافاً كبيراً فأن إرادة الإنسان واختياره جزء من العلة التامّة التي تستوجب وجود المعلول، فلا يتحقق المعلول من دون إرادة الإنسان، ويجب بوجود الإرادة، إلا أنّ هذه الحتمية في جانب المعلول لا تنافي أن يكون هذا الفعل واقعاً تحت اختيار الإنسان ومسؤوليته، لموضع الإرادة والإختيار في جانب العلة. صحيح أنّ الفعل بعد أن يختاره الإنسان ويقدم عليه يجب ويتحتّم إلا أن إرادة الإنسان واختياره لما كانت جزأً من العلة التامّة التي تستوجب المعلول، وكان أمر الإرادة والاختيار بيد الإنسان، فلا محالة يكون الإنسان مختاراً في إيجاد الفعل وعدمه قبل العمل، ويكون الفعل تحت سلطان إرادته، ويكون الإنسان في النتيجة مسؤولاً عن فعله. الإرادة جزء من العلة. وأمر الإرادة بيد الإنسان، وإذا كانت العلة تحت سلطان الإنسان كان المعلول كذلك بالضرورة. وقد ورد في (دعاء كميل) في توجيه هذا الإعتراض الذي يساور النفس البشرية. "إلهي ومولاي اجريتَ عليَّ حكماً أتبعتُ فيه هوى نفسي، ولم أحترسْ فيهِ من تزيين عدوي، فغرَّني بما اهوى، وأسعدهُ على ذلك القضاءُ فتجاوزتُ بما جرى عليَّ في ذلكَ بعضَ حدودكَ، وخالفتُ بعض أوامركَ. فلكَ الحمدُ عليَّ في جميع ذلك، ولا حُجةَ لي فيما جَرى عليَّ فيهِ قضاؤكَ، والزمنَي حُكمك وبلاؤكَ". وهذا الذي جرى فيه القضاء على الإنسان من السيِّئات والذنوب، وألزمه الله تعالى بحكمه وبلائه جرى بإرادة الإنسان واختياره ولا حجة للإنسان على الله فيما جرى فيه القضاء الإلهي. فلم يَرَ الإنسان ولا يرى من الله غير الجميل "فلك الحمد عليَّ في جميع ذلك"، ولن يكون ولا يكون للعبد حجَّة على الله فيما جرى على العبد من قضاء الله وحكمه وبلائه. "ولا حجة لي فيما جرى عليَّ فيه قضاؤك". يقول تعالى: (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ) (الأنعام/ 149). ويقول تعالى: (لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ) (النساء/ 165).- مداخل مفضلة للشيطان:
ولكن الإنسان يحاول أن يتخفف من المسؤولية فيما يرتكب من الذنوب والمعاصي ويجعل من ابتلاء الله تعالى لعباده سبباً للتنصل من المسؤولية. وهذا الإتجاه من الرأي يتضمن اعتراضاً مكتوماً على الله حيث يرى الإنسان أن ابتلاءه بالذنوب والمعاصي أمر من ناحية الله تعالى. وهذا الإعتراض المكتوم موجود بشكل أو بآخر عند كثير من الناس، ويتفاعل هذا الإعتراض في نفس الإنسان حتى يتشبّع ذهنه بالإعتراض على الله تعالى من حيث يريد أو لا يريد. ومن هذا المدخل الإنسان في علاقة سلبية مع الله تعالى ويدخل الشيطان في علاقة العبد بالله تعالى. وأخطر ما يكون أمر الشيطان وتدخّله في حياة الإنسان أن يدخل في أفق علاقة الإنسان بالله تعالى، فيفسد هذه العلاقة، ويسميها بالسلبية وعدم الرضا والإعتراض، ويجعل أساس هذه العلاقة على الإعتراض والشك والريب. إنّ الشيطان قد يدخل في علاقة الإنسان بنفسه فيفسدها، وقد يدخل في علاقة الإنسان بأخوانه وأهله فيفسدها، وقد يدخل الشيطان في علاقة الإنسان بنعم الله تعالى فيفسدها، وقد يدخل قلب الإنسان فيفسده، وقد يدخل عقل الإنسان فيفسده، إلا أن أخطر ما يكون فيه أمر الشيطان تدخلّه في علاقة الإنسان بالله، فأن قيمة الإنسان ووزنه بعلاقته بالله تعالى فإذا أفسد الشيطان عليه هذه العلاقة لا ينفعه بعد ذلك شيء. (والإعتراض) على الله أفضل المداخل التي يفضلها الشيطان للنفوذ إلى علاقة الإنسان بربه. - العلاقة بالله في منهج التربية الإسلامية: وفي منهج التربية الإسلامية يتجرد (العبد) في (علاقته) بـ(الله) من كل إحساس وشعور بالإعتراض على الله، من الإعتراض المكتوم والإعتراض السافر. وتقوم العلاقة على أساس الإعتراف لله تعالى بالذنب والظّلم والتقصير، واتهام النفس، والإيمان بأنّ لله الحجة البالغة في كل سوء أو ظلم أو ذنب صدر من العبد. (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ). (لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ). إنّ العلاقة المتبادلة بين الله تعالى وعبده نازلة وصاعدة: نازلة من لدن الله على عبده، وصاعدة من العبد إلى الله. فكلّ ما يكون في حياة الإنسان من خير ورحمة وهدى ونور ينزل من لدن الله تعالى على عبده في هذه العلاقة، وكلّ ما يكون في حياة الإنسان من سوء وشر وظلم واثم يصعد من العبد إلى الله يقول تعالى: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) (النساء/ 79). ورحم الله العبد العارف الذي كان يقول: "اللّهمّ إني أستغفرك من كل ما يصعد مني إليك واحمدك على كل ما ينزل منك إليَّ".- تعميق الشعور بالإثم والظّلم في منهج التربية الإسلامية:
(الإعتراض) على الله و(التنصل) من مسؤولية الإنسان عما يصدر عنه من الظلم والإثم... يخدع الإنسان عن نفسه، ويحجبه عن ذنوبه وسيِّئاته، ويسلب عنه الشعور بالظلم والإثم، وبالتالي يسلب عنه حالة الإعتراف بالذنب بين يدي الله وحالة الإستغفار فأنّ الإعتراض على الله حجاب يحجب الإنسان عن (الإعتراف) و(الإستغفار)، وبالتالي يحجبه عن رحمة الله تعالى ومغفرته. ومن بؤس الإنسان وشقائه أن يُحِرمَ الإنسان نفسه من أن يتعرض لرحمة الله تعالى ومغفرته من باب من أوسع أبواب الرحمة والمغفرة الإلهية. وبعكس ذلك، الشعور بالظلم بالذنب يعدّ العبد للإستغفار، ويضع الإنسان في واحد من أفضل مواضع رحمة الله. فإنّ الإحساس بالذنب أساس الإعتراف بين يدي الله تعالى بالظلم والتقصير، والإعتراف بين يدي الله بالظلم أساس الإستغفار، والإستغفار من منازل رحمة الله وأبواب مغرفته وفضله. فلابدّ للإنسان أن يشعر بمسؤوليته في الذنوب والمعاصي حتى يعترف لله – صادقاً – بالظلم، ويقف بين يدي الله تعالى بـ (ذل المعصية)، ولابدّ أن يعترف لله بذنوبه ومعاصيه وظلمه وأثمه، ويرفع إلى الله ذلّه وصغاره حتى يتمكن من أن يستغفر الله تعالى صادقاً. والإستغفار كما قلنا من أبواب رحمة الله، ومنازل مغفرة الله وفضله، ومالم يستغفر الإنسان ربه صادقاً، لن يفتح له هذا الباب من أبواب رحمة الله. فليس الإستغفار من مقولة الكلام، وإن كان الكلام يعبر عنه وأنما هو من مقولة (الأحوال النفسية). وما لم تتحقق حالة الإستغفار لدى الإنسان لن يفتح عليه هذا الباب، ولن تنزل عليه الرحمة والمغفرة الإلهية التي تنزل على الذين يضعون أنفسهم في موضع الإستغفار من منازل رحمة الله. فهذه مجموعة معادلات قطعية لا يمكن الفصل بين بعضها وبعض. - المراحل الأربعة في آية ذي النون: والتسبيح في كلام العبد الصّالح ذي النون في بطن الحوت يتضمن معنى نفي الإعتراض على الله. فهو (ع) في بطن الحوت ينفي عن الله تعالى كل ظلم. وينزّهُ الله تعالى ويسبّحه من ذلك. وهذا التسبيح يتضمن نفي الإعتراض عن الله وتنزيهه تعالى من أن يلحقه إعتراض، وهذه هي الفقرة الأولى من كلمة العبد الصالح ذي النون (سبحانك). وبعد هذه الفقرة تأتي مباشرة فقرة (الإعتراف) بالذنب والظلم (إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (الأنبياء/ 87)، وكأنّ الإعتراف والإقرار بالظلم بين يدي الله تعالى يأتي نتيجة نفي الإعتراض عن الله وهذه هي الفقرة الثانية من كلام العبد الصالح ذي النون في بطن الحوت (إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ). والفقرة الثالثة من الآية الكريمة بعد الفقرتين السابقتين هي (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ) (الأنبياء/ 88)، وهي تأتي نتيجة للفقرتين السابقتين فإنّ الإعتراف بالظلم في كلام العبد الصالح (استغفار)، والإستغفار من منازل رحمة الله تعالى كما ذكرنا. ولما وضع العبد الصالح ذو النون نفسه في موضع الإعتراف والإستغفار نزلت عليه الرحمة والمغفرة من لدن الله تعالى مباشرة (فاستجبنا له ونجيناه من الغم). وهذه هي الفقرة الثالثة في الآية الكريمة. والفقرة الرابعة هي فقرة (التعميم)، (وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) (الأنبياء/ 88). فإنّ الذي حدث لذي النون (ع) في بطن الحوت سنّة وقانون، وسنن الله تعالى لن تخص عبداً دون عبد، وكل من تعرض لما تعرض له ذو النون (ع) من الإعتراف بالظلم والإستغفار نزلت عليه من الرحمة والمغفرة ما نزل على هذا العبد الصالح في بطن الحوت. الإعتراض والإعتراف: (الإعتراض) و(الإعتراف) مقولتان متقابلتان، ولهما أثران متعاكسان على الإنسان. فالإعتراض يحجب الإنسان عن رحمة الله، والإعتراف يضع الإنسان في منازل رحمة الله. والعلاقة بين (الإعتراض) والحجاب عن رحمة الله، وكذلك العلاقة بين الإعتراف والنزول في منازل رحمة الله... علاقة تكوينية بموجب سنن الله تعالى، فأن رحمة الله تنزل على موضع (الفقر) و(الحاجة). والإعتراف اعلان للفقر والحاجة. وإذا وضع الإنسان نفسه في موضع الفقر إلى الله والحاجة إلى مغفرة الله تعالى استنزل رحمة الله عزّ وجلّ. (والإعتراض) استكبار وغرور وتنصّل عن المسؤولية وعجب، ولا ينزل شيء من رحمة الله على مواضع الغرور والعجب والإستكبار، كما تنحدر مياه الإمطار إلى المواضع الواطئة من الأرض ولا تستقر على القمم المرتفعة الناتئة من الإرض، فإذا أراد الإنسان أن يستنزل رحمة الله كان عليه أن يضع نفسه في المواضع الواطئة من رحمة الله، لا موضع الاستعلاء والإستكبار والغرور والعجب. ورحمة الله وعفوه ومغفرته لا تنزل على الذنوب والمعاصي، فأنّ الذنوب والمعاصي تحجب صاحبها عن رحمة الله، ولا تضعه في مواضع هبوط رحمة الله، وانما تنزل رحمة الله على الإحساس بالذنب، والإعتراف بالظلم (وليس على الذنب والظّلم)، فقد يذنب الإنسان ويظلم نفسه، فيستخفف بذنبه ويتنصل عن مسؤوليته، ويستهين به، فلا يزيده ذنبه إلّا بُعداً عن رحمة الله تعالى. وقد يذنب فيسوؤه ذلك ويشعره بالحياء والخجل بين يدي الله ويعمق في نفسه الإعتراف بالظلم، فيلوذ بالله ويستغفر الله، ويتضرع إلى الله تعالى فيستنزل رحمة الله تعالى، وتنزل عليه من رحمته ومغفرته وفضله، كما نزلت رحمة الله على العبد الصالح ذي النون (ع)، عندما ذهب مغاضباً وظن ان لن يضيق الله تعالى عليه[1].مقالات ذات صلة
ارسال التعليق