لقد حيرني هذا السؤال سنوات عديدة، كما حيرك أنت الآخر ولا شك وحيّر غيري وغيرك من الناس. وقد انتهيت إلى الاعتقاد بأنّ الأمر – إلى حد كبير – مجرد كيمياء بشرية!.. أجل، إنّ السر في ذلك يرجع إلى أنّ الإنسان عنصر "كيميائي"، وأنّ "بعض" الرجال والنساء خليط كيميائي "طبيعي"، في حين أنّ سواهم خليط "غير طبيعي"!... فالذين يعرفون كيف يستخدمون عناصرهم الكيميائية البشرية، يتفوقون على غيرهم ويعرفون كيف يرتفعون بشخصياتهم ويحرزون السعادة والمجد.. أما الذين لا يجيدون استخدام هذه الكيميائية البشرية، فيصعب عليهم أن يتقدموا غيرهم من الناس، وأن يساهموا في إحراز النجاح والسعادة!.
ولا شكّ في أنّ الإنسان الذي أخفق في ارتقاء سلم الحياة يستطيع بالتمرس في معرفة الكيميائية الإنسانية أن يتغلب على هذا النقص، فيكتسب قوة وإرادة ليبدأ من جديد في تكوين مستقبله السعيد.. كما أنّ النجاح يستطيع بالتمرس أن يضاعف من تفوقه!.
الحياة تتطلّب براعة في مزج الشخصيات:
وقواعد معرفة هذه الكيميائية البشرية سهلة بسيطة، ليس فيها تعقيد ولا غموض: إنّ علم الكيمياء الحديث يقول أنّ الكيميائي يعرف ستة وتسعين عنصراً كيميائياً، يستطيع من يؤتي براعة في تركيبها وخلطها خلطاً جيداً، حيث أنّه ينتج الأطعمة والمشروبات، والأدوية، والعطور، والأنسجة، والسموم، والمتفجرات، وكافة المواد اللازمة للإنسان. فإنّ الكيميائي يملك أن يجعل معمله مركزاً لإنتاج طاقة هائلة من ابتكاره وصنع يده، ولكن.. بشرط واحد: هو أن يكون قد أوتي البراعة في خلط هذه العناصر بدقة وإحكام.. ذلك لأنّه إذا خلط أنواعاً معينة من العناصر، بكميات غير محدودة، وبطريقة غير مدروسة، قد ينتج مادة متفجرة تنسفه هو ومعمله وتمزقهما!.
وهكذا الحال مع الناس!.. فكلّ إنسان منا بمثابة كيميائي، غير أنّ بعضنا أوتي فطنة في خلط العناصر خلطاً مفيداً، في حين أنّ بعضاً آخر يروح ضحية الانفجار!. ذلك لأنّك حين تمزج كيميائية بعض الناس بكيميائية بعض آخر، تنشأ عن ذلك إحدى النتيجتين: إما مركب كيميائي "غير طبيعي" يحدث عنه انفجار أو مركب كيميائي "طبيعي" ذو نفع وفائدة. ومن ثمّ نجد النفور يدب بين شخصيتين معينتين إذا اختلطتا، ولكنه لا يدب إذا اختلط كلّ منهما بشخص غير صاحبه!.
ونستطيع أن نستنتج من كلّ هذا أنّ الإنسان إذا تعلم كيف يخلط الشخصيات التي يختارها خلطاً محكماً، فإنّه يستطيع أن يتجنب الانفجار، وأن ينتج علاقات ذات قيمة وفائدة. ومعنى هذا أنّ كلّ واحد منا يستطيع أن يتعلم كيف يكون كيميائياً بارعاً من الناحية الإنسانية، عندما يستعمل إدراكه في معرفة العناصر الكيميائية التي يتركب منها كلّ إنسان من هؤلاء الذين يختلط بهم أو يعيش بينهم!.. ففي وسع كلّ منا أن يتعرف على طبيعة الناس الذين درس أخلاقهم وشخصياتهم بحكم اختلاطه بهم، ومن ثم يعين العناصر الكيميائية التي يتركبون منها، ثم يبتكر طريقة بارعة يخلط بها هذه العناصر ليحقق ما يريد!
ولا شكّ في أنّ مراقبة تصرف كلّ إنسان بعين مفكرة، تساعد على تعيين تركيبه الكيميائي. لاسيّما إذا كانت هذه المراقبة في حالات الغضب والفرح وغيرها من الانفعالات العاطفية التي تكشف الإنسان على حقيقته. فلو أنّك أمعنت التأمل في تصرفات الآخرين أثناء انفعالاتهم، لرأيت أنّ كلّ إنسان يؤلف مركباً كيميائياً يختلف عن المركب الذي يتألف منه إنسان آخر. وكلّ واحد منا يمارس هذه الدراسة الكيميائية في كلّ ساعة وفي كلّ وقت، إذ أنّ كلّ حالة من الحالات التي يصادفها تؤلف مادة صالحة لهذه الدراسة. فسواء كنت من العاملين بالسياسة، أو الأعمال الإدارية والصحافة، أو كنت تعمل في أحد المرافق العامة – أو في أي منصب يجعلك على اتصال بالجماهير – ففي وسعك أن تتجنب حالات الغضب والتذمر إذا عرفت كيف تتصرف مع الناس على ضوء التحليل الكيميائي الإنساني. إذ أنّ هذا التحليل يساعدك على التحكم في سلوكك نحوهم.
وهذا هو سر النجاح في كيفية خلط العناصر الكيميائية الإنسانية للوصول إلى نتيجة طبيعية مفيدة. لا يكتنفها التعقيد، ولا تؤدي إلى انفجار! ►
المصدر: كتاب فن التعامل مع الناس
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق