محبة الله ورسوله: في القرآن الكريم أكثر من حديث عن الخطّ الذي ينبغي للإنسان المؤمن المسلم أن يتحرك عليه في وجدانه العاطفي الذي يراد له أن يتحوّل إلى حركة في الواقع، وهي محبة الله ورسوله، فلا يكفي أن تشهد بالوحدانية لله وبالرسالة لرسول الله، بل لابدّ لك من أن تعيش ارتباطاً روحياً وجدانياً بالله وبرسوله. وفي هذا الجانب ينطلق الخطُّ لينفتح على الإيجاب من جهة وعلى السلب من جهة، ففي الجانب الإيجابي نقرأ قوله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) (آل عمران/ 31)، وذلك بأن يكون حبّك لله في عقلك وفي قلبك حركةً في خطّ رسول الله الذي (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى) (النجم/ 3-4)، وفي الجانب السلبي الذي يؤكد على أنّ حبّ الله ورسوله يعني الرفض لكلّ موقف أو لكلّ شخصٍ تتعارض العلاقة به مع هذه الحالة الوجدانية في حبّك لله، ولرسوله، وأن ترفض كلّ ما عدا الله وكلّ مَن يخالف الرسول في عقلك رفضاً عقلياً، وفي قلبك رفضاً عاطفياً، وفي حياتك رفضاً عملياً.
انطلاق الإيمان من الوجدان: إنّ الإيمان بالله واليوم الآخر الذي يشمل الانفتاح على التوحيد الذي يختزن في داخله معنى الرسالة والذي يمثل مواجهة الإنسان لمسؤوليته، لابدّ أن ينطلق من حالة وجدانية شعورية روحية في داخل ذات الإنسان المؤمن، وذلك بأن لا يحمل المودّة – وهي هنا عمق العاطفة – بحيث لا تمثل محادّته لله ولرسوله شيئاً بالنسبة إليه، كما يقول بعض الناس عن نفر من أصدقائهم أنّه كافرٌ وكفرهُ عليه لكنني أحبّه فهو صديقي رغم أنّه يحادّ الله ورسوله ورغم تمرّده على الله سبحانه وتعالى، فهذا يدلّ بحسب طبيعته على هوان الله عليك وعلى ضعف الإيمان عندك، لأنّك لو واجهت إنساناً يعادي أباك أو عشيرتك فإنّك لا تنفعل إيجابياً معه بحيث تحمل له المودّة، فكيف يمكن لك وأنت تعيش عظمة الإيمان وقيمته وتعيش عظمة الله وجلاله، وتعيش عظمة مسؤوليتك يوم تقف بين يديه، كيف ذلك وأنت توادّ من حادّ الله ورسوله.
الدين الحب: إنّ معنى قوله تعالى هو أنّه لا يجتمع الإيمان مع الإخلاص العاطفي لمن يقول ضد الإيمان وينفتح على الكفر بكلّ حياته، لأنّ الإيمان والكفر لا يجتمعان، فإذا اقتربت من الإيمان ابتعدت عن الكفر والعكس صحيح، ولهذا ورد عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) "إذا أردت أن تعلم أنّ فيك خيراً فانظر قلبك فإن كان يحب أهل طاعة الله ويبغض أهل معصيته ففيك خير والله يحبك، وإذا كان قلبك يبغض أهل طاعة الله ويحب أهل معصيته فليس فيك خير والله يبغضك والمرء مع من أحبّ" لأنّ الحبّ يمثل حركة الذات الإنسانية في مواجهة ما يؤمن به الإنسان أو ما يرفضه، وقد ورد في حديث الإمام الصادق (ع) وهو يختصر حالة الإنسان الوجدانية للدين أو خلافه: "وما الدينُ إلّا الحبّ" فالدين هو الحبّ وهو بأن تحبّ أولياء الله وأن تبغض أعداء الله، لذلك قال تعالى: (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (المجادلة/ 22). هؤلاء هم الذين يؤمنون ويحرّكون قلوبهم وعقولهم في خطّ إيمانهم، فالإيمان هو الذي يحدّد لهم علاقتهم بالآخرين، فمن كان مؤمناً كانوا معه في العمق، ومن لم يكن مؤمناً لم يكونوا معه في العمق، وقد كرّم الله هؤلاء فقال (أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ) أي جعل قلوبهم منفتحة على الإيمان كما لو كان مكتوباً في قلوبهم وكما لو كان مخلوقاً معهم (وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) وهذه هي الجائزة الروحية للإنسان المؤمن، فإنّه يعطيهم روح القدس الذي يعطيه لأنبيائه ولأوليائه (وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا)، ثمّ هذا الرضا المتبادل من خلال الحبّ المتبادل (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ) لأنّ الله تعالى أراد لحزبه أن يكونوا معه كلاً لا بعضاً كأن يؤمنوا ببعض الكتاب ويكفروا ببعض، بل إنّ مَن يكون، من "حزب الله" فإنّه يخلص كلّ عقله وقلبه ومشاعره وحياته لله سبحانه وتعالى، وهؤلاء هم الذين يعيشون الفلاح في الدنيا وفي الآخرة.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق