• ٣ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

المنزلة الرفيعة للإمام الحسن العسكري (عليه السلام)

عمار كاظم

المنزلة الرفيعة للإمام الحسن العسكري (عليه السلام)

الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) هو الإمام الحادي عشر من أئمّة أهل البيت الأطهار (عليهم السلام)، وهو قائد من قادة الإسلام الكبار، وعلم بارز من أعلام الهدى والحقّ والإيمان، ومفخرة من مفاخر الدِّين، وشخصية عظيمة من الشخصيات العظام في التاريخ الإسلامي، بل في التاريخ الإنساني. وعندما نقرأ في صفحات حياة هذا الإمام العظيم، ونتصفح سيرته المباركة سنجد أنّه كان أتقى الناس في زمانه، وأكثرهم طاعة لله تعالى، وانقطاعاً إليه، وقُرباً منه. كما عُرِف بالزهد عن الدُّنيا، والعزوف عن ملذاتها، ابتغاء لمرضاة الله، والفوز برِضا الخالق عزّوجلّ. وعُرفت شخصيته بأنّها شخصية خلوقة حيث يتصف بعظيم مكارم الأخلاق، وجميل الصفات، ومحاسن الفضائل، وجليل المكارم؛ شأنه في ذلك شأن آبائه الطاهرين (عليهم السلام).

لقد كان الإمام أبو محمّد الحسن العسكري (عليه السلام) في معالي أخلاقه نفحة من نفحات ‏الرسالة الإسلامية فقد كان على جانب عظيم من سموّ الأخلاق، يقابل الصديق والعدو بمكارم ‏أخلاقه ومعالي صفاته، وكانت هذه الظاهرة من أبرز مكوناته النفسية، ورثها عن آبائه وجده ‏رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي وسع الناس جميعاً بمكارم أخلاقه، وقد أثّرت مكارم أخلاقه ‏على أعدائه والحاقدين عليه، فانقلبوا من بغضه إلى حبّه والإخلاص له.

ونقل المؤرخون أنّ المتوكل الذي عرف بشدّة عدائه لأهل البيت (عليهم السلام)، وحقده على ‏الإمام عليّ (عليه السلام)، أمر بسجن الإمام العسكري (عليه السلام) والتشديد عليه إلّا أنّه لمّا حلّ ‏في الحبس ورأى صاحب الحبس سمو أخلاق الإمام (عليه السلام) وعظيم هديه وصلاحه انقلب ‏رأساً على عقب، فكان لا يرفع بصره إلى الإمام (عليه السلام) إجلالاً وتعظيماً له، ولمّا خرج ‏الإمام (عليه السلام) من عنده كان أحسن الناس بصيرة، وأحسنهم قولاً فيه.

عُرِف الإمام العسكري (عليه السلام) في عصره بكثرة عبادته وتبتّله وانقطاعه إلى الله سبحانه ‏واشتهر ذلك بين الخاصّة والعامّة، حتى أنّه حينما حُبس الإمام (عليه السلام) كان يصوم النهار ويصلي الليل. إنّ سلامة الصلة بالله سبحانه وما ظهر على يدي الإمام من معاجز وكرامات تشير إلى المنزلة ‏العالية والشأن العظيم للإمام (عليه السلام) عند الله الذي اصطفاه لعهده والذي تجلّى في إمامته ‏(عليه السلام).

والإمام العسكري (عليه السلام) عاش كما عاش آباؤهُ من أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) في موقع الإمامة من أجل فتح عقول الناس وقلوبهم على الإسلام الأصيل الذي انطلق به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وسار فيه أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، باعتبار أنّهم أُمناء الله على الرسالة، ولأنّهم خلفاؤه سبحانه في أرضه وحججه على عباده.. وقد تتلمذ على يده الكثيرون من الرُّواة والعلماء، وأثّر في مجتمعه بالرغم من حداثة سنه تأثيراً كبيراً جدّاً، حتى أنّ أعداءه كانوا يشهدون له بما يشهد له به أولياؤه. وكما ذكرنا، فإنّه بالرغم من أنّه كان أصغر الأئمّة عمراً، لكنّه استطاع أن يستولي على ثقة المجتمع كلِّه، وكان يُقَدَّم على شيوخ بني هاشم، والمجتمع كلُّه يقدّمه ويثقُ به ويتحرّك باتجاه علمه وإمامته.

فالإنسان الذي يلتقي أعداؤه وأولياؤه على تعظيمه ومدحه والثناء عليه، هو إنسانٌ استطاع أن يقتحم عقول الناس وقلوبهم بكلِّ ما يرفع ثقافتهم، وما يؤكّد الخيرَ والعلم والعدلَ في حياتهم كلّها، لأنّه لا يمكن أن يلتقي الناس على شخص إلّا إذا استطاع أن يفرض نفسه عليهم بكلّ الطاقات العلمية والروحية والأخلاقية التي تتمثّل فيه، وهكذا كان الإمام العسكري (عليه السلام). 

ارسال التعليق

Top