• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

المكانة الجليلة للسيِّدة خديجة (رضي الله عنها)

عمار كاظم

المكانة الجليلة للسيِّدة خديجة (رضي الله عنها)

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ) (الواقعة/ 10-14). يصادف في العاشر من شهر رمضان المبارك، ذكرى وفاة شخصية عظيمة ممّن شملتهن هذه الآية، من أُولئك السابقين المقربين بشهادة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بها، حين قال: «لقد آمنتِ بي إذ كفر بي الناس (فقد كانت أوّل مَن آمنت برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من النِّساء)، وآوتني إذ رفضني الناس، وصدّقتني إذ كذّبني الناس، ورزقني الله ولدها وحرمني ولد غيرها».. وهي أُمّ المؤمنين السيِّدة خديجة بنت خويلد (رضي الله عنها).

بدأ دور السيِّدة خديجة (رضي الله عنها) الرسالي منذ كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يذهب إلى غار حراء، ليخلو هناك إلى نفسه متفكّراً متأمّلاً ومتعبّداً، بعيداً من صخب مكّة وضوضائها ورجالاتها، فقد كانت السيِّدة خديجة (رضي الله عنها) تؤمّن له كلّ سُبُل الرعاية لذلك، ويوم عاد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الغار بعد نزول الوحي عليه لأوّل مرّة، وقد جاء يومها مثقلاً بأعباء المسؤولية التي حمّله الله إياها، وقفت السيِّدة خديجة (رضي الله عنها) معه تؤازره، لا لكونها زوجته، والزوجة تكون دائماً مع زوجها، بل لأنّها كانت تعرفه جيِّداً، تعرف منطلقاته وصدقه وهي واثقة أنّ ما يقوله حقّ. وهذا ما عبّرت عنه عندما قالت له يوم نزلت عليه الآيات: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) (المدثر/ 1-4).. قم يا رسول الله ونفذ أمر ربّك.. فوالله لا يخزيك الله أبداً؛ إنّك لتصل الرَّحم، وتصدُقُ الحديثَ، وتَحمِل الكَلَّ، وتَكسِبُ المعدومَ، وتَقري الضيف، وتعين على نوائب الحقّ. وسارعت مع الإمام عليّ (عليه السلام) لإعلان إسلامهما، وشهدا معاً أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً رسول الله.

عاشت السيِّدة خديجة (رضي الله عنها) مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أشدّ المراحل صعوبةً، حين استنفرت قريش كلّ قدراتها وإمكاناتها لمواجهة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكان يدعوهم إلى رسالته، فيجابه بالتصفيق والتصفير وبالسب والشتم، ولا يقف الأمر عند هذا الحدِّ، بل كان يصل إلى الإيذاء الجسدي،  فقد شكّلت بيتاً يمتلئ عاطفة وحبّاً ورعاية وحضناً دافئاً ينسيه كلّ التعب والإيذاء والمعاناة، وشاركته في مسؤولياته، فراحت تدعو إلى ما كان يدعو إليه، مستفيدة من موقعها في مكّة، وبذلت في ذلك مالها، وتجلّى صبر السيِّدة خديجة (رضي الله عنها) وثباتها في سنوات الحصار الذي تعرّض له بنو هاشم في شِعاب مكّة، حين حوصر (صلى الله عليه وآله وسلم) هو والمسلمون من بني هاشم بأمر من قريش، وكان قرارهم في ذلك عدم بيعهم والشراء والتزوج منهم، إذ عانت السيِّدة خديجة (رضي الله عنها) مع مَن عانوا، وتعذّبت مع من تعذَّبوا، وبذلت هناك كلّ ما كان بقي لديها من مال لتشتري الطعام بأضعاف مضاعفة لكسر هذا الحصار، حتى لم يعد عندها شيء منه، وقد قال حينها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما نفعني مال قطّ مثل ما نفعني مال خديجة».

لقد ارتأت المشيئة الإلهيّة أن يكون من نسل السيِّدة خديجة (رضي الله عنها) النسل الطاهر الذي تمثّل بالزهراء (علیها السلام) وبنيها ممّن أذهب الله عنهم الرجس أهل البيت وطهرهم تطهيراً.. وهذا ما أشار إليه الإمام الصادق (عليه السلام) عندما قال: «إنّ الله جعل السيِّدة خديجة وعاءً لأنوار الإمامة». اليوم حاجتنا كبيرة ونحن نستعيد ذكرى وفاة السيِّدة خديجة (رضي الله عنها)، إلى خديجات كُثر أمثالها من الرجال والنِّساء، الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله، ويصبرون من أجل الرسالة، ويسكنون الإيمان والفرح داخل بيوتهم سكناً، ويبلّغون دعوة الله، وبذلك يستحقون ما استحقت من الوسام من الله، عندما نزل جبريل (عليه السلام) على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليبشّرها ببيت في الجنّة من قصب لا صخب فيه ولا نصب. فالسلام عليها يوم وُلِدت، ويوم بذلت وقدَّمت من أجل الله ورسوله، ويوم تُبعث حيّة في البيت الذي وعدها الله.

ارسال التعليق

Top