يقول تعالى: (مِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (القصص/ 73). فمن رحمة الله بنا أن جعل اللّيل والنهار.
تخيَّل معي... لو كانت الدنيا ليلاً فقط أو نهاراً فقط، هل تعلم حينئذٍ، كم من الأمراض العصبية والنفسية التي كنا سنصاب بها...!
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ) (القصص/ 71).
- سرمداً أي: دائماً...!
ويقول تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ) (القصص/ 72). إنّها رحمة الله.
وانظر إلى عِظَم رحمة الله من خلق الليل والنهار.
إنّ النهار لا يأتي فجأة، وكذلك الليل: بل يأتيان تدريجياً.
يقول الله: (وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ) (التكوير/ 17-18).
- عسعس: أيّ بتدرج، وتنفس أيّ: نفساً نفساً.
سبحان الله... إنها رحمات لا نستشعرها ولا تخطر على بالنا، بالرغم من أننا نراها كل يوم.
يا لها من رحمات تحتاج منا أن نتفكَّر فيها...!
"فانظر إلى آثار رحمة الله..."
يقول تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ) (الشورى/ 28). فبدون الماء تموت الأرض، واستشعر معي: (وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ) وكأنّ المطر يوزِّع رحمات الله على الأرض، تحمله الرياح مبشرات بين يدي رحمته...
وإليك هذه... يقول تعالى: (فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا) (الرّوم/ 50).
يا الله... تخيَّل لو فقدنا الرحمة.. رحمة الله في إنزاله المطر. يقول تعالى: (أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا) (الواقعة/ 69-70).
- المُزْنِ: هي السحب، وأجاجاً: أي مملح. تخيَّل... لو نزل الماء مالحاً... ستموت الأرض.. وسل نفسك كم يوماً ستحياه بدون ماء...!؟ إنها رحمة الله بنا.
رحمة أودعها الله في القلوب...!!
ومن رحمات الله رحمة العلاقات الاجتماعية، وهي رحمة أودعها الله في القلوب، فقد أودع الله سبحانه وتعالى في قلوب الآباء والأُمّهات حب أولادهم.
فكل أب وكل أم، إنساناً كان أو حيواناً، بداخله رحمة أودعها الله في قلبه على وليده.
والله بدون هذه الرحمة لفسدت الأرض، وكذلك الرحمة التي أودعها الله في قلوب العائلات، العم والخال والعمة والخالة و...
بل انظر إلى هذه الرحمة.. إنّها الرحمة التي أودعها الله في قلبين...
وقال عنهما: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) (الرّوم/ 21).
يا الله...!! أوّل ما يبنى هذا البيت الجميل يبنى على المودة والرحمة، ولكن بمعصيتهم لله وبعدهم عنه تُنزع الرحمة تدريجياً...
"ومن رحمته أنّه لا يأخذنا بذنوبنا"
مَن منّا لم يذنب في حياته أبداً...!؟ مَن منّا لم يذنب في حياته إلّا (100) ذنب...!؟
مَن منّا لم يذنب في حياته إلّا (1000) ذنب...؟ مَن منّا لم يذنب في حياته إلّا...!؟
مَن منّا لم يذنب في حياته إلّا (1000) ذنب...؟ مَن منّا لم يذنب في حياته إلّا...!؟
ومن رحمة الله بنا أنّه لا يأخذنا بذنوبنا... إنّ ذنوبنا كثيرة كثيرة...
ومع ذلك فإنّ الله يمهلنا... اقرأ هذه الآية وانظر إلى حالك، وتذكَّر سنوات عمرك الماضية، يقول تعالى: (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ) (الكهف/ 58). أظنك الآن لا يسعك إلا أن تقول: الحمد لله.
يا سبحان الله... إنّ الذنب الذي ارتكبتَه أمس، أو الذي ارتكبتَه الأسبوع الماضي لو علِمه أبوك وأمك ما غفروه لك، لكن الله غفور رحيم.
يقول تعالى: (وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (النّور/ 14).
(وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا) (النّور/ 21).
ويقول: (وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ * إِلا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ) (يس/ 43-44).
إنّ الله لو أخذنا بذنوبنا ما ترك على الأرض أحداً، ولكن رحمةً بنا يُمْهلنا... فنتوب ويغفر لنا... أما تحتاج هذه الرحمة لشكر؟
(لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ) (إبراهيم/ 7).
ومن رحمته سترك بعد المعصية:
تخيَّل لو فضحنا الله بعد المعصية... وبَعد معصيتك لله تجد على باب بيتك شرحاً لما فعلته من معصية: فلان عصى وفعل كذا وكذا وكذا!! ولكن من رحمة الله أنّه يسترنا بعد المعصية.
وتخيَّل لو كان للذنوب رائحة...!! فكلما ارتكبت معصية خرجت لك رائحة...
إنّه من نتن الرائحة لن يطيق أحد منا الآخر...
ولكن من رحمته بنا أنّه يسترنا.
"إنّ الله لا يفضح عباده من أوّل مرّة".
ومن رحمته تيسير التوبة:
يقول تعالى: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ) (البقرة/ 37)، إن سيدنا آدم حينما عصى الله، وأكل من الشجرة ندم، ولكنه لم يكن يعرف كيف يتوب.
(فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ) (البقرة/ 37)، إن قالها يتوب الله عليه ويغفر له.
فما هي هذه الكلمات..؟ هي: (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (الأعراف/ 23).
حقاً إن من رحمة الله بنا أنّه ييسِّر لنا التوبة كما رأينا كيف يسّرها لآدم (ع)...
يا سبحان الله...!! ليس العجيب أن عبداً يتذلل إلى سيده ويتودَّد إليه، ولكن العجب كلّ العجب من سيد يتودد إلى عبده، فالله يتودد إلينا برحمته.
- أراك تشعر بأنّ هذه الآية فيها سرٌ عجيب... هيا اجعلها ودعاءك الدائم لا يفتر منها لسانك، ولتجعلها بداية عهد جديد...
(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
المصدر: كتاب أخلاق المؤمن
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق