عن الإمام الصادق (ع): "أمّا العلّة في الصيام، ليستوي به الغنيّ والفقير، وذلك لأنّه لم يكن ليجد مسّ الجوع فيرحم الفقير، لأنّ الغني كلَّما أراد شيئاً قدر عليه، فأراد الله عزّوجلّ أن يسوّي بين خلقه، وأن يذيق الغني مسّ الجوع والألم، ليرقّ على الضعيف ويرحم الجائع".
وورد في النتائج التي يحصل عليها الإنسان بالصيام، سواء كان واجباً أو مستحباً: "عليك بالصوم، فإنّه جُنّة من النّار ـ والجُنّة هي الدرع التي تقي الإنسان في ساحة الحرب ـ وإن استطعت أن يأتيك الموت وبطنك جائع فافعل". وفي الحديث عن رسول الله (ص): "لكلّ شيءٍ زكاة، وزكاة الأبدان الصيام". فعلينا أن نعمل على أن نصوم لله بعقولنا وقلوبنا ومشاعرنا وكلّ حياتنا، أن نصوم عن كلّ ما يحدث الفتنة والفساد بين الناس، أن نصوم عن الظلم، لا سيّما ظلم الضعيف. لنتطهّر إذن في هذا الشهر الذي سمّاه الإمام زين العابدين (ع) "شهر الطهور"، لنغتسل من كلّ ذنوبنا وعيوبنا وأحقادنا وعداواتنا، ونحن في ضيافة الله لنعيش مع الله، وعندما نعيش مع الله، فإنّنا نعيش مع الإنسان كلّه والمسؤولية كلّها.
وقد قال الله تعالى عن ما تمضمّنه القرآن من الهدى: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) (الإسراء/ 9). ويعتبر شهر رمضان فصلاً جامعاً لأصناف العبادات الخاصّة التي تعطي للشهر المبارك طابعاً يتفرّد به هذا الشهر عن سائر الشهور. وقد عبّر الرسول الأعظم (ص) عن ما تميّز به هذا الشهر الفضيل بأنّه شهر "دُعيتم فيه إلى ضيافة الله"، فكانت ميزته أنّه شهر الضيافة الإلهية للإنسان. إنّ تسميته بـ"شهر الله" أو "شهر الله الأعظم" بالرغم من أن كلّ الشهور هي شهور الله وكلّ الأزمنة هي لله سبحانه – إذ لا يخرج شيء عن سلطان الله – إنّما هي باعتبار هذه الإضافة التي تعبّر خصائص وميّزات لهذا الشهر لا يمكن أن نجد مثيلاً لها في سائر الشهور. وبما يحمله هذا الشهر من قرب خاص للإنسان تجاه ربّه، وأعمال يقوم بها خالصة لوجهه الكريم، واستيعاب لنشاطات الإنسان المؤمن، وتوجّه مباشر للإنسان إلى عالم الآخرة، وابتهال ودعاء وإنابة متواصلة في ليالي هذا الشهر وأيّامه وساعاته، تصبح كلّ لحظات الإنسان في هذا الشهر عامرة بالذكر والتسبيح. ومن هنا أصبحت أنفاس المسلم في أيام هذا الشهر تعدّ تسبيحاً، ونومه يعدّ عبادة، وبذلك تسمو روح المؤمن إلى الملأ الأعلى وإلى بارئها، سموّاً متميزاً بالكيف والكم وانطلاقاً وتحرّراً من عالم المادة إلى عالم المعنى؛ بحيث تكون كلّ لحظات حياته مستثمرة في طريق الكمال ان أراد الإنسان ذلك. ومن هنا كانت هذه الخصائص التي خصّ الله بها هذا الشهر الكريم وعبّأها فيه تعبيراً عن غذاء روحي وموائد معنوية تتغذى بها روح المؤمن وترتقي، بسببها في سلّم الكمال وطريق الخلود. وهذه هي الضيافة الربّانية التي جعلت من هذا الشهر شهر ضيافة خاصّة لا نجد مثلها في سائر الشهور. وقد عبّر البعض عن هذه الضيافة بأنها ضيافة الروح لا الجسد، ولكن نصّ الحديث النبوي الشريف لا يأبى أن تكون هذه الضيافة شاملة لكل أبعاد وجود الإنسان من دون اختصاص بالروح فقط، وان كانت الروح هي التي يُراد لها أن ترتقي ولكن عبر الجسد ومن خلال الغرائز والشهوات التي قد زوّد بها وجود هذا الإنسان. ومن هنا نقول: إنّ الصحة التي جاءت في حديث الرسول (ص): "صموا تصحّوا" هي الصحة النفسية والجسدية والعقلية والسلوكية جميعاً. لقد نصّ الرسول (ص) على ضرورة تحسين الخُلُق والاهتمام بالانفاق ورحمة الأيتام وإطعام الطعام إلى جانب الذكر والقيام وتلاوة القرآن والتوبة والاستغفار. فهي ضيافة شاملة وتكريم خاص للمؤمنين ليتزوّدوا من عطاء هذا الشهر زاداً ممتعاً لهم ويستثمروا ما كسبوه فيه لسائر الشهور. فهو محطّة تضخّ المؤمن بالحيوية والنشاط الإيماني ليعيش في ظل بركة هذا الشهر مباركاً وآمناً من الذنوب في سائر شهور السنّة. كلّ ذلك يدعو المؤمن للتهيؤ الكامل للضيافة المطلوبة ليتسنى له التزوّد منها لسائر الشهور. إنّ محور هذه الضيافة وعمودها الفقري هو الصوم الذي يفيض به الله على الإنسان الصائم بنفحات قدسيّة تجعله في استعداد دائم للتوجّه الخاص إلى معبوده الحق. والتهيؤ لهذه الضيافة التي ندب إليها المؤمنون قد أكّدته السنّة الشريفة؛ حيث وردت نصوص تحثّ على الصيام في شهري رجب وشعبان استعداداً للطاعة المطلوبة في شهر رمضان الكريم. ولهذه الضيافة مستويات ومراتب، كما أنّ لها آداباً ومقدمات ولها أيضاً نتائج تكون معرفتها ذات مدخلية في بلوغ الأهداف المرجوّة منها.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق