ألكسندر استودارد/ ترجمة: حسان بستاني
◄يُفترض بنا الاستمتاع في هذا الصيف، زهرةً بزهرة، كما لو أنّه آخر صيف نشهده.
(أندريه جِيد)
عندما أفكر في الجمال وأتصوّر الحياة السليمة والسعيدة، أفكر في الزهور على الفور لأن لها تأثير في شخصيتنا ولا تكفّ أبداً في النهوض بنا. وقد اتخذت الخيار الجريء بعدم العيش يوماً واحداً من دون زهور نضرة اللون ومنعشة أو نبتات مُزهرة. وقد يموت جزء مني في داخلي إن لم أتمكن من التحديق بجمالها الرائع، وشمّ أريجها، والافتتان بألوانها. وقد اخترت إنفاق بعض المال على أشياء معيّنة في ما قد يعتبر البعض هذا الأمر إسرافاً. ويجب عليّ أن أكون صادقة حيال واجبي تجاه الزهور لكي أحيا حياة سليمة وسعيدة.
تخيّل لو أنّ الكون يتحوّل إلى باقة من الزهور في ساعة تنوّرِه، وبما أن ذكرياتي الأولى تحملني إلى حديقة والدتي حيث كنت محاطة بزهور من كافة الألوان، فإني أملك شعوراً قوياً بأن روحي يغذّيها ولعي بالزهور. والحديقة هي مجازي الواقعي للعيش بشكل جيِّد، وقد أوجدتُ جنّة على الأرض من خلال زراعة الحديقة. وجمال الزهور يجعل الحياة أكثر جمالاً وقدسيةً واتقاداً.
يتبدّل التركيب الكيميائي لدماغنا عندما نكون وسط جمال طبيعي. فقوة الطبيعة المجدِّدة للشباب معروفة جيِّداً، وأنا سعيدة برؤية حدائق في المستشفيات تساعد على الشفاء بحيث يمكن للمرضى ريّ النبات والتشذيب والسير وسط جمال الطبيعة. فالزهور موجودة هناك لأجلنا في أكثر الأيام سعادة في حياتنا، وفي الأوقات الأكثر حزناً كذلك. لقد رافقتني الزهور في أوقات الألم الكبير والخسارة الأكثر صعوبة كونها شاهدة صامتة على أسرار الحياة وقوة الحب. والزهور تستجيب لرقّتنا وعنايتنا، وأتحدّث إلى الزهور عندما أشذبها وأنسّقها، وأدعها تعرف مدى السرور الذي تحمله لي. وتكلّمنا الزهور من خلال الإزهار وتفتُّح براعمها الملوَّنة. فقد قال أنطوان دون سان أكزوبيري، "إنّ الوقت الذي أضعته على وردتك هو الذي يجعلها بهذه الأهمية".
والزهور هدية كبيرة لحاسة البصر لدينا وحاسّتي الشم واللمس ونحن نتناول بعض الزهور في أنواع من السلطة والحساء. والشراب المغليّ المفضَّل لديّ هو الياسمين، فالزهور تنادينا، وهي تتكلم لغة يمكننا فهمها.
وفي الإناء، تنشد الزهور كلها في آنٍ واحد نغمات موسيقية نابضة بالحياة، فترتعش لدى معانقة النسيم العليل عند نافذة اللقاء. وتضفي الزهور درجات مختلفة من الألوان إلى الغرفة. أما في الحديقة فتبدو الألوان وكأنّها تجتذبنا، فنأتي إليها لنحيّي زنبقة مُزهرة، وهي إحدى الزهور المفضّلة لدى كلود مونيه (رسام فرنسي). ومن خلال لوحاته التي رسم فيها الزنبق المائي والزنابق الموجودة في بِركته في حدائق جيفرني المتألّقة، ساعدني مونيه على تعلّم النظر في عمق الأمور وتوسيع آفاقي بدلاً من النظر إلى القشور فحسب: "لطالما أحببت السماء والماء، والنبتات الخضراء، والزهور. وجدت كلّ هذه العناصر بوفرة هنا في بركتي الصغيرة".
كان مونيه بستانياً متّقداً، فقد أحب الطبيعة كثيراً لدرجة أنه قدّم للعالم في جيفرني زاوية رائعة، وقال "أنا أجيد أمرين، الرسم والعمل الحدائقي". وإن لم تزوروا منزله بعد، أحثّكم على الذهاب إلى هذا المنزل. وقال لصديق له ذات مرة، "كلّ ما كسبته صرفته على هذه الحدائق. لا أنكر أنني فخور بها. أنا سعيد جدّاً ومفتون جدّاً... لأنني مُحاط هنا بكل ما أحب... وستكون رغبتي أن أبقى على هذه الحال إلى الأبد، مُقيماً في زاوية هادئة من الطبيعة".
هل تفضّل نوع زهرة ما؟ هل لديك أشياء عديدة مفضَّلة؟ هل هناك بعض الزهور التي تؤثّر فيك كثيراً؟ هل تملك شعوراً عاطفياً حيال بعض الزهور؟ ما هي بعض الروائح الأريجية المفضَّلة لديك؟
يُفترض بنا قبول دعوة العيش مع الزهور كلّ يوم وتقديرها. ويرتدي وصيفا العريسين الزهور رمزاً للسلام والحب. وترمز الزهور للحقيقة والطهارة التامَّين. ويجد الصينيون واليابانيون مغزى في الزهور بصفة خاصة. فقد رأى اليابانيون في إزهار الكرز تسامياً للحياة. ويستمر الفن القديم لتنسيق الزهور بإضافة معنى إلى حياتنا اليوم عندما نصنع باقة صغيرة نضعها على طاولة المطبخ.
كان هناك زهور على الدوام حول ليوناردو دافينشي إذ كان يحب أريجها. وكان يعتقد أنّ الحواس الخمس راعية الروح، وقد تحدث عن تآزر الحواس – سرّ كبير يملكه الفنانون والعلماء العظام. وعن الحديقة قال، "من كان ليعتقد أن مساحة صغيرة جدّاً قد تحتوي على صور العالم بأسره".
- إنّ الجلوس بهدوء في حديقة ونحن في حالة من التأمل التلقائي هو أمر يرفعنا إلى عالم آخر من التفكير، والتأمل، والحب؛ إنّه السلام الذي نعيشه في لحظة من الزمن.
- ما تحمله الحديقة من سِمات الجمال والحقيقة مع كلّ تعقيد وبساطة التصميم الطبيعي الإلهي.
- تعالَ وسِر ببطء في الحدائق، واشعر بسلام.
- تخلق الزهور الجمال والسعادة حيثما كان.
- يمكن أن يكون لكل روح زهرة تستوحي منها وتعزّز غنى يومنا، لكن القليلين يفهمون ذلك.
- للزهور سبيل خاص إلى الرومانسية، والصحة، والحب.
- باختيار السعادة، إختر زهرتك ومن ثمّ حديقتك.
- من الأفضل لك أن تكون بستانياً على أن تمتلك حديقة.
- تحتفل الزهور بحلول النهار.
حاول الاحتفاظ بباقة صغيرة منسَّقة من الزهور بجانب سريرك، فمن شأن زهرة واحدة أن تمنحك العذوبة الحسيّة نفسها التي تمنحها باقة، وسوف تذكّرك بأنك لا تستطيع خلق زهرة بل يمكنك زرع بذور والمشاركة في الخلق. أضف أقمشة تحمل نقوشاً من الزهور إلى غُرفك لدى تنجيد الأثاث، وإلى ستائرك، إضافة إلى أغطية السرير، والملاءات، وشراشف وفوط المائدة. علّق على الجدار لوحات مائية تحمل رسوماً للنبات. إختر الصين في ما تقدّمه من تصاميم للزهور. دَع جمال الزهور البحت يمتّعك ويرفع معنوياتك ويزيد من نشاطك، ويسمح لك باستحداث حديقة فاتنة حيث أنت موجود بالذات. والزهور سريعة الانكسار، وهي قابلة للزوال ككل الأشياء. إمضِ ما شئت من الوقت في الاستمتاع بها تماماً. كن هناك لتقدير زهورك حق قَدْرها ولتميل إليها عندما تكون مُزهرة.
كانت هناك رواية ظريفة في الكتاب المليء بالحماسة للكاتبة كاي ردفيلد، وهو بعنوان "حيوية، الولع بالحياة". وقد استشهدت بكتاب إريك هانسن "حمّى زهرة السحلبية" الذي ذكر فيه الكاتب مقابلة أجراها مع مزارع لزهرة السحلبية كان قد بدأ زراعتها بنبتة واحدة عند عتبة الباب. "بعد وقت قصير، قرّرت امتلاك زهرة سحلبية أخرى. كانت الأولى حمراء والثانية قرنفليّة، ومن ثمّ كان عليّ أن أحصل على زهرة بيضاء مرقَّطة... لم أتمكن من وضع حدّ لرغبتي في امتلاك هذه الزهور... والآن لدي مستنبت زجاجي تبلغ مساحته 2200 قدماً مربّعاً ويحتوي على 200.000 نبتة سحلبية!".
وكتبت جاميسن عن شخص آخر مليء بالحماسة تكلّم عن عجز زوجته الأولى عن التعاطي مع هاجسه: "ذات صباح، أجلسته إلى طاولة الفطور وشرحت له أنه سيكون عليه الاختيار بين مجموعته من زهور السحلبية وبين زواجهما. فأجابها: "إنّه القرار الأكثر سهولة الذي سأتخذه يوماً... أُخرجي من هنا يا صغيرتي!".
إزرع البذور، واسقِ، واستأصل العشب، وشذّب، وأخصب التربة. خذ وقتك في زراعة الورود. خذ وقتك في شمّ الورود. أنظر وشاهد بالفعل عجيبة نموّ زهرة واحدة.
الزهور هي غذاء الروح؛ هي رمز الحياة نفسها. (تشارل ماسّون).►
المصدر: كتاب (خياراتك بين يديك)
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق