• ٧ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٥ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الفوائد الروحية في الصوم

الفوائد الروحية في الصوم

◄إنّ الصوم هو من أهم العوامل والمؤثرات التي تربط الإنسان بخالقه، وتوقظه عن غفوته وغفلته، فيندم على ما ارتكبه من المخالفات والآثام وتصحو نفسه عن المعاصي والآثام وينقطع إلى الله سبحانه وتعالى، متخذاً من جوعه وعطشه وسيلة للتقرُّب منه سبحانه وتعالى.

فإشراقة هذا الشهر المبارك وروحانيته تُهيمن على النفوس، فتنقاد مسرعة إلى التوبة والغفران وطلب العفو والرضوان، ويعود الإنسان إلى صفائه ونقائه وتسمو روحه عن كثير من ملذّات الجسد ويصبح يعيش في روحانية سامية تتغلب على كثير من الأزمات النفسية والإجتماعية.. وقد كان الزعيم الهندي (غاندي) يلتجئ إلى الصوم كلما ألّمت به الأزمات وصعب عليه حلّها لتزداد حياته الروحية قوّة على قوّة، وقد سُئِل عن سر ذلك، فقال: "إنّ الصوم لروحي كعيني للجسد.. ما تفعله العينان للدنيا الخارجية يفعله الصوم للدنيا الداخلية".

ففوائد الصوم الروحية تتمثل في:

1-    تثبيت الإخلاص: والإخلاص هو من أهم خواص العبادة.. فالعبادة توفر الإخلاص في النفس بإعتبار ضرورة توفر قصد القربة فيها، إلا أننا نجد في الصوم زخماً أكبر وأضخم من المقدار المشترك بين أفراد العبادة كلها، ولهذا نرى أنّ الصوم يؤكد عنصر الإخلاص ويُثبِّته في النفس أكثر من بقية العبادات. وقد قالت السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) في خطبتها في المسجد بعد وفاة أبيها (ص) في معرض بيانها لغايات بعض الأحكام: "والصوم تثبيتٌ للإخلاص".

وذلك التثبيت يحصل بأمرين:
الأمر الأوّل: هو أنّ كلّ العبادات الأخرى تشتمل على ظواهر وشكليات معيّنة تبدو واضحة على مَن يقوم بتأديتها، مما يمكن أن يكون ذلك مؤدِّياً لدخول عنصر الرِّياء والعياذ بالله تعالى، والرِّياء هو الشِّرك الأصغر. وهو كما ورد يدبُّ دبيب النمل.. بينما الصوم ما هو إلا عملية إمساك وإمتناع يقوم بها الإنسان الصائم ولا يعلم بها إلا الله.

الأمر الثاني: هو أنّ مجرد التردُّد في نيّة الصيام كافٍ لإبطاله، وتحقق بعض التبعات عليه، بخلاف بقية العبادات.. وهذا التثبيت في النيّة يوجِد مَلَكة مراقبة الله تعالى في كلّ وقت وآن، فالإنسان الصائم ممتنع عن المفطرات، وهو يجعل إمتناعه في كلّ لحظة تقريباً، أي دوام استمرارية القربة إلى الله تعالى وهذا المعنى بالخصوص إذا تكرر يكون سلوكاً عاماً للإنسان ويُشكِّل مَلَكة مراقبة الله تعالى في كلّ لحظة من لحظات الحياة.

2-    التذكير بالنِّعم: فإنّ الصوم يعتبر أروع مُذكِّر للإنسان بما أنعم الله عليه من خيرات، فهو يفرض على المسلم الصائم أن يمتنع عن الطعام والشراب اللذيذ والجنس المترف، وبقية المفطرات، وهي أمامه يبصرها ويدنو إليها، ولكنه ممتنع عنها.. وضمن هذا الموقف لابدّ أن يتساءل: ماذا لو حُرِم من هذه النعم؟ أو فَقَدَ إمكانية الإنتفاع منها بشكل دائم؟ هذا من جانب، وماذا أعدَّ لأداء حق هذه النعم العظمى من شُكرٍ لواهبها على فضله ومننه من جانبٍ آخر؟ والنتيجة تكون، إنّ حرمان الصائم المؤقت من هذه النعم يُوسِّع من أُفق تفكيره ويجعله يشعر بالنعمة أوّلاً، ومن ثمّ يشعر بنعم الله الكثيرة الأخرى ثانياً، وبعد ذلك يشعر بالتقصير الكامل للمنعم، وكلّ ذلك يدفعه إلى التوجه والإرتباط بالله أكثر وأكثر.

3-    التذكير بمواقف الآخرة: يقول (ص) في خطبته الشريفة: "واذكروا بجوعكم وعطشكم جوع يوم القيامة وعطشه". فهو (ص) يريد أن يقول للناس الصائمين أنّ جوعكم وعطشكم هذا يُذكِّركم بجوعٍ وعطشٍ آخر في موقف أكبر وأعظم من هذا الموقف، ذلك الموقف الذي يُشكِّل الجوع والعطش فيه أحد العوامل المحيِّرة للفكر، إذ نرى الوجوم والسكون هو المسيطر على الموقف، وقد خشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همساً، وكما يقول تعالى في سورة الحج الآية الثانية: (وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد).

وهكذا يتم الربط بين عملية الجوع والعطش في الحياة الدنيا، هذه العملية التدريبية وبين ذلك الموقف الأُخروي، وأنّ الأُولى هي من أجل الثانية، وبحصول هذا التصور والفهم يندفع الإنسان أكثر وأكثر لعمل ما يقيه شرَّ ذلك اليوم وليحشره الله في ثُلّة طاهرة، كما قال تعالى في سورة القيامة الآيتان 22-23: (وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربِّها ناظرة).►

ارسال التعليق

Top