• ٧ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٥ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

بين المدير والموظفين.. أكثر العلاقات تعقيداً

بين المدير والموظفين.. أكثر العلاقات تعقيداً

◄يقال إنّ العلاقة النموذجية بين المدير والموظف، تؤدي إلى حياة وظيفية نموذجية. ويقال إنّ أحدهما لا يستغني عن الآخر.

المدير يحتاج إلى الموظف لتنفيذ أفكاره وتحقيقها عملياً، والموظف يحتاج إلى إدارة وتوجيه وأيضاً إلى أفكار لينفذها.

ماذا لو كانت العلاقة بين المدير والموظف بمثابة حرب مستعرة، أو كانت تموج بالمدّ مرّة والجزر مرّة أخرى؟ ماذا يقول الموظف عن هذه العلاقة؟ وبماذا يرد عليه المدير؟ في استبيان أجري بعنوان «أنا ومديري» وشمل 100 موظف وموظفة في مجالات وقطاعات متعددة، ومن مختلف الأعمار والجنسيات، كان لافتاً أنّ هناك ثقة عالية عند هؤلاء بمدى أهميتهم في العمل، لدرجة أنّ نسبة 71 في المئة منهم، توقعوا محاولة إقناع مديرهم لهم بالعدول عن تقديم الاستقالة، فيما لو حاولوا تقديمها، بينما اعترف 22 في المئة آخرون بأنّه سوف يقبلها فوراً، مقابل 7 في المئة فقط توقعوا ألا يقبلها إمعاناً في مضايقتهم.

وقد كشف الاستبيان أنّ 23 في المئة من الذين شملهم، يؤكدون أنّهم قادرون على تسيير شؤون العمل أفضل من مديريهم، إضافة إلى 30 في المئة آخرين يظنون ذلك. ما يشير إلى أنّ مجموع هؤلاء، الذين يشكلوا نسبة 53 في المئة، مقتنعون بتفوقهم على مديرهم في العمل، مقابل 47 في المئة أنكروا قدرتهم على تسيير شؤون العمل أفضل من مديرهم.

على صعيد آخر، اعترف 67 في المئة من الموظفين بأنّهم لا يشعرون بشيء عند دخول مكتب مديرهم، بينما قال 23 في المئة إنّهم يشعرون بالتوتر عند دخول مكتبه، و10 في المئة صرّحوا بأنّهم يشعرون بالرهبة.

وجاءت نتيجة السؤال «كيف تتصور شعور مديرك تجاهك؟» كالآتي: 63 في المئة قالوا إنّه يحبّهم ويحترمهم، و33 في المئة أقرّوا بأنّهم يعتقدون أنّه لا يكن لهم أي مشاعر، في حين أكّد 4 في المئة فقط توقعوا أنّه لا يطيق أن يرى وجوههم. وقال 57 في المئة من الموظفين إنّ الالتقاء بالمدير في مكان خارج العمل هو مجرد صدفة. بينما ذهب 34 في المئة منهم إلى اعتبار الأمر صدفة جميلة، مقابل 9 في المئة وصفوا ذلك الصدفة السيِّئة.

كما أوضح الاستبيان أنّ نسبة 50 في المئة تعتبر أنّ المدير هو السبب في حبها للعمل، في حين أكّد 38 في المئة من الموظفين الآخرين أن لا تأثير له في عملهم، وأكّد 12 في المئة أنّه سبب كراهيتهم للعمل.

أيضاً، أعلن 49 في المئة من الموظفين أنّ المدير هو المسؤول المباشر عن نجاحهم. ولفت 37 في المئة آخرون إلى أنّ وجوده لا يقدم ولا يؤخر، فيما أشارت نسبة 14 في المئة من هؤلاء إلى أنّها كانت لتكون أكثر نجاحاً وتألقاً لو لم يكن المدير موجوداً.

-            مدير مبتدئ:

«استطيع أن أقوم بشؤون العمل أفضل من مديري بنسبة مئة في المئة، وأتحداه في ذلك». بثقة وبكثير من التعالي، ينطق محمود سالم (مدرس فيزياء) بعبارته ويكمل: «مدير المدرسة، التي أدرّس فيها، أستاذ أدب عربي وما له في الإدارة أدنى علم، ولا مهارة». ولكنّه مديرك، نقول له، فيجيب ساخطاً: «لأنّ القدر شاء ذلك. ولكنني لا اعتبره أكثر كفاءة مني»، ويلاحظ: «في كلّ الأحوال أنا على علاقة طيبة معه، لأنّه دمث الأخلاق ولا يعاني عقدة المدير المتسلط، إضافة إلى كوني لا أحب افتعال المشاكل في المهنة، وأميل إلى تسيير أموري الإدارية، لا وضع العصي في الدواليب».

ويعود محمود للتأكيد: «لكنني أتقدم على مديري بأشواط، إن في التدريس الأكاديمي أو في الخبرة التي تناهز الخمسة عشرة عاماً. هو.. يكاد يكون مبتدئاً مقارنة بي».

-            صفر:

على وقع تحدي محمود، يعلن هادي البجاني (موظف تسويق إعلاني) تحدياً آخر بقوله: «أنا مستعد للنزول إلى السوق مع مديري، لنرى مَن يأتي بالإعلان الأوّل، ونحكم مَن هو الأفضل».

يرسم هادي ابتسامة ماكرة على وجهه، ويعلق: «لم يكن مديري ليحصل على مركزه، لو لم يرث الشركة عن والده. لكن، في سوق الإعلانات هو بمثابة صفر جهة الشمال، أؤكد لكم».

وعن علاقته به، يقول: «لا أحبه ولا اعتقد أنّه يحبني. ومثلما أحرج لو تقابلنا خارج الشركة، يحرج أكثر مني. ببساطة شديدة ما من كيمياء تجمعنا، ولا أسعى إلى تغيير الأمر. ما يهمني هو أنّني اتقاضى راتباً مقنعاً في آخر الشهر، وإلى ورائي علاقات الود والنفاق وغيرها».

-            محاربة:

تجربة أخرى لم تترك أصداء طيبة في نفس كمال بوحيات (موظف إلكترونيات)، وجعلته يقول إنّ «بعض المديرين يصدقون أنفسهم كثيراً وينسون أنّهم من البشر، فيعاملون مَن يعملون معهم بإزدراء، ويحوّلون حياته إلى كابوس بشع». كمال، الذي كان يقدِّم إجابته كمن يلقي خطبة وسط جمهور عريض، سرعان ما تلعثم فجأة وهو يشير إلى أنّ «المدير الذي عملت معه منذ سنتين، كان متسلطاً ومغروراً، ويحسب أنّه يفهم أكثر من الجميع، وأنّه دائماً على حقّ وأنّ الآخرين على خطأ، ما أثر سلباً في عملي وجعلني أكرهه وأكره ما أقوم به، فقدّمت استقالتي وارتحت». تنير الابتسامة وجه كمال وهو يتابع حديثه محتداً: «لقد وقّع استقالتي من دون أن يقرأها، أو يسألني عن السبب الذي دفعني إلى تقديمها. لم استغرب، لأنّه يعرف أنّني أعمل من دون العودة إليه مطلقاً. كان يحسب حساباً لتمكّني في العمل، وقرر أن يحاربني، لأترك له المكان، بدلاً من أن أهدد وجوده».

-            إخلاص:

«الطريقة الأوروبية» هي التي يعتمدها جورج عيسى (موظف في شركة تجارية) مع رؤسائه في العمل، وإذ يشرح جورج ما يقصد بكلامه، يقول إنّ «هذه الطريقة تؤسس لعلاقة صداقة وود بين المدير ومرؤوسيه، فيسير العمل بشكل سلسل ومن دون توترات تذكر. لذا أدخل مكتبه سعيداً، وأناقشه في أمور كثيرة من دون أن أشعر بإحراج أو رهبة». يغمزنا جورج لنسأل زميله عن علاقة الصداقة التي تربطه بمديره المباشر، فيسارع الأخير إلى الرد مبتسماً: «بصراحة، أنا أسايره كثيراً لأحافظ على عملي أوّلاً، وثانياً لأنّي بطبعي دبلوماسي. علماً بأنّ تدخله في عملي لا يزعجني مطلقاً، بل على العكس يحسن من أدائي بشكل عام». وعند سؤال جورج عما قد يكون عليه رد فعل مديره إذا قدّم له استقالته، يفكر ملياً ثمّ يقول: «لن يقبل المدير استقالتي فأنا شخص أساسي في العمل، ويعرف جيِّداً أنّ في إمكانه الاعتماد عليَّ في مسألة إنجاز واجباتي بنسبة 75 في المئة.. ليس سهلاً الحصول على موظف مخلص لعمله مثلي».

-            دبلوماسية:

في بداية حديثه، يعلق كمال عضاضة على كلام جورج زميله في العمل، فيقول: «صديقي دبلوماسي إلى أبعد الحدود فهو لا يريد أن يخسر عمله». ثمّ يبتسم بمكر ويتابع: «أمّا أنا فعلاقتي بالمدير ممتازة، وحين التقيه خارج العمل تكون صدفة جميلة، لأنّه ببساطة شديدة هو المسؤول المباشر عن حبي للعمل وعن نجاحي فيه». نوقف كمال عن متابعة كلامه لنستوضح منه: «بعد كلّ ما قلته، أيكون صديقك الدبلوماسي وليس أنت؟». يضحك كمال، ثمّ ينظر إلى صديقه ويومئ له بعينيه معلقاَ: «أنا وجورج دبلوماسيان، ونريد الحفاظ على عملنا. هل تتوقعون أن نتحدّث عن مدير العمل بطريقة أخرى؟ هذا لا يجوز. في كلّ الأحوال، هو يعرف كم نحبه، وكيف نطيع أوامره، ومجيئنا في أيام العطلة إلى العمل حين يطلب منّا ذلك، أكبر برهان على ما أقوله». وبتواضع مبالغ فيه، يقرّ كمال باعتزاز: «يمكن لمديري أن يتكل عليَّ في العمل 100 في المئة، فكيف يستغني عن موظف مثلي؟ بالتأكيد هو لن يكون سعيداً إذا قدّمت له استقالتي».

-            ثقة:

بالنسبة إلى البعض، يختلف الأمر بين مدير وآخر، فهنالك واحد مزعج ونكدي مثل الذي عمل معه كريم السيد (موظف استقبال، متزوج منذ سنتين ولديه بنت وحيدة).

وفي هذا السياق، يقول كريم: «في عملي السابق، شاء حظي المتعثر أن أعمل تحت إشراف مدير أزعجني كثيراً وقتها. أما في عملي الحالي، فأعمل مع مدير متفهم وقريب من الموظفين كلّهم».

ولا يخفي كريم أنّ مديره الحالي «يتدخل في شؤون العمل»، لكنّه يعتبر أنّ هذا الأمر «من حقّه الطبيعي، لأنّه في النهاية المسؤول الأوّل أمام الإدارة في ما يرتبط بعمل الموظفين وإنتاجهم».

من جهة ثانية، يتحدّث كريم عن ثقته بنفسه، قائلاً: «أنا استطيع أن أسير عملي أحسن من مديري، صحيح أنّه المسؤول المباشر عن نجاحي في موقعي، ولكنني شخص يمكن الاعتماد عليَّ. لذلك أشك كثيراً في أنّه قد يقبل باستقالتي لو قدمتها. أقله سيحاول أن يجعلني أعدل عن رأيي لأبقى في العمل».

-            إيجابي:

لا يختلف اثنان على أنّ علاقة المدير والموظف هي علاقة مهنية بحتة، لذا تقول الدكتورة هلا عزب (صيدلانية متزوجة منذ 4 أعوام ولديها ابنة وحيدة) إنّ «المهنة الواحدة هي التي تجمعني بمديري. ذلك أنّي التقيه في الصيدلية، ولا يضايقني التعامل معه، حتى لو تدخل بشأن تقصير ما من قبلي، أو أبدى بعض الملاحظات. لأنّني اعتبر الأمر إيجابياً، ويساعدني على التقدم والتطور في مجال عملي».

وتقرّ د. هلا بأنّها قادرة على تسيير أمورها في الصيدلية بنسبة 90 في المئة من دون العودة إلى مديرها. وتضيف: «هذه الحقيقة يدركها مديري، لذلك، لا أراه يوافق على استقالتي إذا قدّمتها، إلاّ إذا وجدني مصرّة عليها، واقنعته بأنّي أرحل إلى مكان أفضل لي بألف مرّة. عندها سيفرح ويشجعني تلبية لرغبتي الشخصية».

-            مرونة:

«من حظ الموظف أن يتدخل المدير في عمله»، بحسب ما تقول غادة حجازي (باحثة تسويق). هذا الرأي، الذي لا يجمع عليه كثيرون، تفسره غادة على طريقتها قائلة: «إنّ المدير الذي يحمل المسؤولية مع مرؤوسيه، يساعدهم على التقدم في المهنة، ويعطيهم ملاحظات مفيدة، بدل أن يتحمّلوا وحدهم عواقب اجتهاداتهم الفردية». تبني غادة استنتاجها انطلاقاً من عملها، فهي، على حد قولها، تحتاج في أحيان كثيرة إلى تدخل مديرها في بعض الأمور، إلّا أنّها تلفت إلى أنّ الأخير «متمكن في أمور الإدارة ولكنّه غير متخصص في أمور البحث، ما يجعلني مسؤولة بالكامل عن العمل الذي أقوم به».

وتضيف: «علاقتي بالمدير جيِّدة جدّاً، فهو متفهم وقريب من الموظفين، ويحسن إدارتهم بأسلوب الاحترام المتبادل. كما أراه مرناً في العمل، يحرص على تأمين مناخ جيِّد للجميع، سواء بمسايرتهم والتعامل معهم بشكل ودي، أم بالبقاء مع مَن لديه عمل بعد الدوام الرسمي، تحفيزاً له على إنجاز العمل».

-            ضرورة:

«نعم، إنّ وجود مدير يتدخل في عملنا كموظفين، يزيح عنّا ثقل المسؤولية، ويخفف من وطأتها قليلاً».

بهذا الرد، تجزم براءة خشفة (مهندسة معمارية) بأهمية تدخل المدير بعمل الموظف، وتضيف: «يجب علينا أن نعود إلى المدير في كلّ شاردة وواردة، وتدخله في عملنا أمر ضروري وواجب أساسي. فنحن كمهندسين نتقاسم معه العمل بنسبة 50 في المئة». وتبرر براءة موقفها متابعة: «لا يتدخل المدير في عمل الموظف ليظهر عضلاته، بل ليسيّر أمور العمل على أكمل وجه». وتقول: «أنا محظوظة بمدير متفهم ومتمرس في عمله ويعرف واجباته تماماً، صحيح أنّ علاقتي به رسمية، لكن العمل معه ممتع ومريح».

-            لكلّ مقام مقال:

في المقابل، ماذا يقول المديرون عن علاقتهم بمرؤوسيهم؟ وكيف يردّون على مَن يرؤسونهم في السلم الوظيفي؟ وكيف يتعاملون هم بدورهم مع رؤسائهم؟

«من الطبيعي أن يحسد الموظفون مديرهم، وتتملكهم الرغبة في أن يأخذوا مكانه». بهذه الكلمات، يلخص مجدي رباح (مدير تسويق في شركة عقارية) علاقة الموظف بالمدير، لافتاً إلى أنّ «بعضهم يعتقد أنّه أفضل بكثير من مديره، ويفهم أكثر منه، ويستطيع القيام بعمله أحسن منه».

ويشير إلى أنّ «هذا التفكير من الصعب تجاوزه عند بعضهم، لذا يجب التعامل مع كلّ منهم على مبدأ «لكلّ مقام مقال»، أي بحسب ثقافته البيئية ومستوى تعليمه. علماً بأنّ منهم مَن هو ناجح بالفعل، ويقوم بعمله بنسبة 70 في المئة من دون الحاجة إلى العودة إليَّ».

ويعترف مجدي ممازحاً: «في أحيان كثيرة، أتجاهل التصرفات الصبيانية الصادرة من بعض الموظفين وأتغاضى عنها، علماً بأنّي أعي أنّ عليَّ التعامل مع الموظفات الإناث، اللواتي يكن في الغالب حسّاسات بطبعهنّ، بشكل يختلف عن تعاملي مع الموظفين الذكور. كما أنّني أفصل بين موظف يفرض عليَّ التعامل معه بقسوة، وآخر عليَّ مسايرته بدبلوماسية لأحقق الأهداف التي أخطط لها». موقع المدير «حسّاس جدّاً» في مفهوم مجدي «فهو مسؤول عن الإدارة الناجحة، أمام موظفيه وأمام رؤسائه أيضاً. وهذا يعني أنّ تقصيره في أي من المسؤوليتين غير مقبول». وإذ كان مجدي يصر على أنّه يسير أعمال إدارته بنسبة 80 في المئة وحده، إلّا أنّه يعود ليبوح بأنّ «علاقتي بالمديرين، الذين هم أعلى مني منصباً، رسمية جدّاً. صحيح أنّ التعامل معهم ليس سهلاً، لولا أنّني أثق بقدراتي المهنية، وخبرتي الواسعة التي لا غبار عليها».

-            مصلحة:

«بين المدير ونائبه شعرة معاوية التي لا تفصل كثيراً ولو أنّها موجودة». هذا ما يقوله الدكتور فراس الهاشمي (صيدلاني) الذي ينوب عن مدير الصيدلية في غيابه، فهو نائبه.

ويقول د. الهاشمي في هذا الإطار: «إنّ عمل الصيدلة ليس سهلاً على الإطلاق، لأنّه يحتاج إلى تيقظ كبير من المسؤول فيها، وإلى خبرته الطويلة في هذا المجال، كما يحتاج إلى حكمة في إدارة الفريق الموجود فيها، وأعني زملاء المهنة الواحدة». ولكن الإلمام بالشيء أمر، وإنجازه باحتراف أمر آخر، بحسب ما يوضح، قائلاً: «استطيع شخصياً أن أسيّر أعمال الصيدلية بنسبة 70 في المئة تقريباً من العمل الكلي، والـ30 في المئة الأخرى تبقى للمدير أن يبت فيها».

أما في موضوع علاقته بزملائه في العمل، فيقول: «نحن زملاء عمل ونحترم بعضنا كثيراً. صحيح أنّ الأمر لا يخلو من توجيه الملاحظات السلبية والإيجابية إليهم، ولكن هذا لا يفسد للود بيننا قضية».

نسأله عما يتوقع أن يفعله مديره في حال قدّم له استقالته، يجيب بابتسامة عريضة: «لم اتوقع هذا السؤال. ولكنني أعرف في قرارة نفسي أنّ المدير لا يستغني عن الموظف النشيط والناجح مثلي. ربّما يوافق مديري على استقالتي إذا رأى فيها مصلحة لي».

-            عائلة:

تهون كلّ السبل لمصلحة العمل في رأي البعض، فالمهم النجاح والتقدم ولا شيء غير ذلك. من بين الذين يؤمنون بهذه الاستراتيجية، يقف رودي غاوي (مدير شركة ملابس جاهزة) ليجاهر قائلاً: «اعتبر نفسي مرناً إلى أبعد الحدود مع الموظفين خارج العمل، أمازحهم ونتبادل الأحاديث والنكات وكأنّنا عائلة واحدة. غير أنّني أكون صارماً جدّاً، ولا أمازحهم على الإطلاق في أوقات العمل، كما أنّني لا أتردد في توجيه الملاحظات إليهم عند اللزوم». هذا الأسلوب الذي يعتمده رودي «ناجح وفعّال»، بحسب ما يقول، مؤكداً أنّ «جميع الموظفين يحبونني، ويحترمونني كثيراً، خصوصاً أنّهم يدركون أنّني بطبعي لا أسكت عن الخطأ، وأعطي لكلّ ذي حقّ حقّه». ويبدو أنّ عدم السكوت عن الخطأ له تبعات إيجابية عند رودي الذي يبرر موقفه بالقول: «إذ سكت عن أخطائهم أكون مسؤولاً عنها، وهو أمر لا أرضى به. لذلك، أرى أنّ التدخل في صلب عملهم أمر ضروري من ناحيتي، يؤثر في إنتاجيتهم بشكل جميل، تماماً كما أنّ ملاحظات مَن يرؤسني من مديرين يضيف إلى أدائي ويحسن فيه».

-            بيروقراطية:

كيف تبدو العلاقة بين الموظف والمدير من منظار أكاديمي؟ وهل تختلف كثيراً عن تلك العلاقة التي كشف الاستبيان عن أهم ملامحها؟

يعتبر مستشار التدريب والتأهيل الأكاديمي، مصطفى سليمان، أنّ «تفاوت النسب في نتيجة الاستبيان الذي أجري له أسباب عديدة»، يتناول أهمها، لافتاً إلى «التسليم بواقع علاقة المرؤوسين برئيسهم باعتباره قائداً لهم أو مديراً عليهم. ميل العديد من المديرين إلى النمط البيروقراطي في الإدارة، والقيام بالمهمة الوظيفية فقط من دون السعي إلى لعب دور المدير، باعتبار أنّ السلطة تؤخذ ولا تمنح، وإنّ القائد الناجح يمكن أن يكون مديراً، بينما المدير الناجح ليس بالضرورة أن يكون قائداً». ويتطرق سليمان إلى الصفات المميزة للقائد المدير، فيشرحها بالقول: «هو الذي يقوم بتفويض السلطة والصلاحيات لمن هم أهل للثقة من مرؤوسيه، وهذا يعكس إيجابيات كثيرة على مستوى المنظمة، مثل توفير الوقت والإدارة الفعّالة له، والاستفادة من خبرات الآخرين، وكذلك إنجاز مهام أكثر في وقت أقل، من خلال توزيعها على عدد أكبر من الموظفين. كما يعكس هذا الأمر، إيجابية أخرى تتمثل في مستوى الأفراد، مثل التدرّب على القيام ببعض مهام المدير، ما يؤدي إلى تشجيعهم وإعطائهم الحافظ لبذل كلّ جهد ممكن للقيام بالمهام الموكولة إليهم على أكمل وجه، ليكونوا بدورهم قادة ومديرين ناجحين في المستقبل». من جهة أخرى، يحلل سليمان العلاقة القائمة بين المدير والموظف، معلناً أنّها «ليست دائماً إيجابية»، ويشدد على مسألة الثقة في هذا الموضوع، مشيراً إلى أنّ «الثقة، على أهميتها بين المدير والموظف، نجدها تنعدم في بعض المديرين تجاه مرؤوسيهم، ما يمنعهم من تكليفهم بمهام محددة أو تفويضهم ببعض الصلاحيات، لخوفهم من الخطأ الذي قد يرتكبونه».

وفي الإطار نفسه، يتابع سليمان الكلام عن سلبيات العلاقة بين المدير والموظف، قائلاً: «إنّ من صفات المدير البيروقراطي، الاستسلام للعادة والروتين في أداء العمل، لذلك نسمعه يردد دائماً مقولة: «إنّ العمل يسير على هذا النحو منذ سنين طويلة، فلم الاجتهاد إلى حد الفلسفة في تغييره؟». ويقول: «إضافة إلى النموذج البروقراطي هذا، يصاب البعض من المديرين بالغرور، فيرى الواحد منهم نفسه بعيداً جدّاً عن مرؤوسيه، ويردد على مسمعهم جملة تقف على لسانه في كلّ الأوقات والمناسبات، مفادها: «هل تعتقدون أنّكم تعرفون أكثر مني؟». بينما يذهب البعض الآخر من المديرين إلى وصف مرؤوسيه بالكسل، مردداً أمام الجميع مقولة: «لشدة كسل الموظفين، يتحتم عليَّ اتّخاذ القرارات وتنفيذها في الوقت نفسه».

-            لا يتفقان:

في قراءة لعلاقة الموظف والمدير، تشير رئيسة قسم الرعاية النفسية في الشرطة، لطيفة الخادم، إلى نوعين من المديرين: «صاحب الشخصية القيادية، وصاحب الشخصية الانقيادية»، لافتة إلى أنّه «بالحديث عن المدير صاحب الشخصية القيادية، يجب الإشارة إلى نوعين أيضاً، النوع الأوّل هو الذي يتمتع بشخصية قيادية غير سوية، ويميل إلى حب السيطرة وإصدار الأوامر وفرضها على الموظفين من دون نقاش، حتى ولو لم تتناسب رؤيته الديكتاتورية مع ظروف العمل. أمّا الثاني، فهو المدير ذو الشخصية القيادية السوية، الذي يتميّز بالمرونة في التعامل مع الموظفين، فيشجعهم ويرفع من مستواهم المهني، ويحفّزهم على التقدم والتطوّر، لينجحوا وينجح معهم».

في المقابل، ترى الخادم في المدير القيادي غير السوي «شخصية ضعيفة ومترددة وغير محببة، نتيجة بيئة تربى فيها على هذا النوع من التصرف السافر من جهة الأب أو الأُم»، في حين أنّها تجد في المدير القيادي السوي «شخصية مرنة وواثقة بنفسها وبقدراتها».

أما عن المدير الانقيادي، فتقول: «هو مدير بالتأكيد، لكنه ينقاد بكلام أي شخص ولو كان أقل منه علماً وخبرة. ما يعني أنّه غير مسؤول عن آرائه، ويميل إلى تصديق كلّ ما يقال له من دون الاستناد إلى برهان أو دليل».

وفي هذا الإطار، تلاحظ الخادم أنّه «إذا كان المدير قيادياً غير سوي، والموظف طموحاً ومبدعاً ولديه أفكار متطورة، يصطدم الاثنان وقد لا ينتهي الصدام إلّا باستقالة الموظف، لأنّ مديره يهمل أفكاره ولا يأخذ إبداعه بعين الاعتبار، خوفاً من المنافسة. في حين أنّ حظ الموظف يكبر مع المدير القيادي السوي، لأنّ الأخير يرحب به وباجتهاده، وكثيراً ما يكرمه على نجاحه في العمل، ليحفز الآخرين من زملائه على الاحتذاء به».

نسأل الخادم عما إذا كان من السهل نفسياً على الموظف التعامل مع مديره؟ تجيب: «بشكل عام، نعم، يجب أن يكون تعامل الموظف مع المدير سهلاً. فالموظف الواثق بنفسه وكفاءته، لا يخاف من المدير القيادي حتى لو كان غير سوي، لأنّه يملك الردّ وحجة الإقناع في كلّ ما يفعل، ولأنّه لا غبار على عمله. وبالطبع، يختلف هذا الأمر مع الموظف الجبان وغير الكفوء، لكونه غير متمكن في عمله، ويفتقر إلى أسلوب الدفاع عن النفس».

ورداً على سؤال عما إذا كانت ترى أنّ من الضروري أنّ تتغيّر شخصية مَن يصبح مديراً إلى الأسوأ؟ ترد قائلة: «هذا يعود إلى شخصية المدير نفسه، لأنّ حصول الإنسان المناسب على المكان المناسب، لا يغيّر في نفسه أو شخصيته شيئاً. فالسوي، وإن كان موظفاً بسيطاً وأصبح مديراً عاماً، يبقى متواضعاً مع زملائه في العمل، ومخلصاً لهم ولعمله. مثل هذا النموذج أينما وضعناه، يظل متميزاً، وهنالك أمثلة كثيرة على ذلك. أمّا المدير الذي ينسى نفسه ويتسلّط من دون حقّ، فهو يفتقر إلى الثقة بالنفس والمصداقية».

وإذ تتحدّث الخادم عن الأسلوب الأنجع للعلاقة بين المدير والموظف، تقول: «يجيب على الموظف في نهاية المطاف احترام مديره. أمّا إذا تجاوز حدوده معه أو ظلمه، فيمكنه مواجهته من خلال عمله الموثق، ليقطع عليه الطريق بالبرهان والدليل». وتضيف: «هنا، أنا أشدد على أهمية توثيق الموظف لعمله ليضمن حقوقه، عملاً بمقولة: «التوثيق لوقت الضيق». كما يجب على الموظف أن يكسب ثقة مديره، ويؤكد له من خلال عمله المهني والمحترف، أنّ باستطاعته الاعتماد عليه بالكامل». في المقابل، تلفت الخادم إلى أنّه «ينبغي على المدير مبادلة الموظف الاحترام، وإظهار تعاون كبير معه، وأنّ يبيّن له أنّ ما يريده أوّلاً وأخيراً مصلحة العمل. كما يفترض عليه أن يوثق الوظيفة بدوره، ويكتب أهداف كلّ إدارة أو قسم، وأن يوضح حقوق كلّ موظف وواجباته، لكي يستطيع بعدها محاسبة المقصر أو مكافأة النشيط والناجح». وتضيف: «كذلك، تعتبر الاجتماعات الدورية مهمة جدّاً، لأنّها تجمع المدير بالموظفين وتقربه منهم، فلا يبقى في برجه العالي. بمعنى آخر، أنّ الباب المفتوح بين الطرفين، يوطد علاقتهما ويؤدي إلى النجاح بالتأكيد».

استبيان «أنا ومديري»:

1-  بماذا تشعر عند دخول مكتب مديرك؟

23% التوتر

10%الرهبة

67% لا شيء

2-  أن تلتقي مديرك صدفة في مكان خارج العمل، أنت تعتبر ذلك؟

9% صدفة سيئة

34% صدفة جميلة

57% مجرد صدفة

3- ما هو تأثير مديرك في طبيعة ارتباطك بالعمل؟

50% إنّه سبب حبي للعمل

12% سبب كراهيتي للعمل

38% لا تأثير له من ناحية عملي

4- ما هو موقع مديرك من نجاحاتك في العمل؟

49% مسؤول مباشر عن نجاحي

14% لو لم يكن موجوداً لكنت أكثر نجاحاً وتألقاً

37% وجوده لايقدم ولا يؤخر

5-  كيف تتصور شعور مديرك؟

53% أنّه يحبني ويحترمني

33% اعتقد أنّه لا يكن لي أي مشاعر

14% لايطيق أن يرى وجهي

6-  لنفترض أنّك قمت بتقديم استقالك.. ماذا تتوقع موقف مديرك؟

22% سوف يقبلها فوراً

71% لن يوقعها وسيحاول إقناعي بالعدول عنها

7% لن يوقعها إمعاناً في مضايقتي

7- بأمانة وموضوعية.. هل تعتقد أنّك قادر على تسيير شؤون العمل أفضل من مديرك؟

23% بالتأكيد نعم

47% لا

30% أظن ذلك ►

ارسال التعليق

Top