• ٣ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

القناعة.. كنز الإيمان

خديجة محمود

القناعة.. كنز الإيمان

◄كلما تطور الزمن وقطع الإنسان شوطاً في التقدم إزدادت الحياة تعقيداً وتلاشت تلك البساطة التي ألفها الإنسان في حياته. فعندما كان الإنسان لا يفكر إلا في تلبية حاجاته الضرورية نراه الآن يطمح إلى امتلاك ما لا يحتاج إليه فيرسل نظره إلى أعلى كثيراً ويطلب ما ليس عادياً من أجل الحصول على المتعة.

 

-        ما سر هذا التحول يا ترى؟

هل لأنّ الحياة قد تغيرت والإنسان رهين الظروف والزمن كما يدعي البعض. أو ان ذلك من مستلزمات وأسس السعادة في الحياة كما يحلو للبعض الآخر ان يقول.

قد تكون الحقيقة مخالفة لذلك فالعقل والمنطق السليم لا يقران بمثل هذه الأقاويل، وصدق الشاعر حين قال:

لكسرة من جريش البز تشبعني **** وجرعة من قراح الماء يرويني

وخرقة من غليظ الثوب تسترني **** حياً وان مت تكفيني لتكفيني!

لكن من أجل أن يبرر الإنسان ما يرتكبه من حماقات في هذا المجال تراه يختلق لنفسه الأعذار والحجج الواهية هذا ناتج من:

أ‌-     سيطرة الماديات على المعنويات إلى درجة الذوبان فيها وعدم الاكتفاء بالميسور منها بل يصبح الإنسان – في أغلب الأحيان – أسير شهوته وعبداً لنفسه فيسعى جاهداً لتحقيق رغباته ومطامعه الدنيوية دون التفكير في العاقبة الوخيمة التي سوف يؤول إليها نتيجة الافراط في هذا الجانب على الجانب الآخر، فمن يسعى لتلبية حاجاته الجسدية فقط دون أن يعير نفسه أدنى إهتمام فإنّه ولا شك سو يصاب بحالة من النهم الفظيع في حب المادة.

ب‌- مباهاة الآخرين وتقليدهم، فترى البعض يقتني كل ما يعجبه من لباس أو أثاث وتحف وكماليات منزلية حتى يتراءى للناظر انّه في وسط متحف لا منزل قد أعد للسكن والستر فقط، فالتحف والتماثيل والصور قد أخذت موقعها المناسب وغير المناسب في كل زاوية وكل ركن من أركان البيت، كل ذلك ليس لحاجة إليها وانما للتباهي بها أمام الأقران والجيران والسعي وراء المتعة والسعادة الدنيوية ولكن هل تحصل السعادة؟ كلا، فأنّى له والسعادة فهو كمن يشرب من ماء البحر كلما شرب منه إزداد عطشاً.

 

-        نظرة الإسلام:

ورد في الدعاء "اللّهمّ إمتعني من السرف وحصن رزقي من التلف" ان صرف الرزق في غير مورده تلف له، سواء علم صاحبه بذلك أم لم يعلم، والإسلام يجنبنا من الوقوع في هذا المطب عبر عرض مفصل في آيات الذكر الحكيم للجنّة ونعيمها والنار وجحيمها. وفي نفس الوقت حبّب إلينا القناعة في هذه الدنيا.. "وان كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين" و"لا تمدن عيناك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا".. فلقد حبب إلينا القناعة والبساطة التي لا تحرم الإنسان زينة الحياة وطيباتها بل تكون كالسياج المنيع الذي يحصن الإنسان من عبادة المادة فلا يجعلها هدفاً أساسياً له بل يكتفي بالموجود ويترك التشوق إلى المفقود، وقد قيل لأحد الحكماء هل وجدت شيئاً أحسن من الذهب؟ فقال: "نعم.."إنما هو القناعة".►

 

ارسال التعليق

Top