• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الصلاة تجلب الاطمئنان

الصلاة تجلب الاطمئنان

◄يقول سبحانه وتعالى: (إِنَّ الإنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ) (المعارج/ 19-23). إنّ الإنسان العادي خُلق هلوعاً، جزوعاً عندما يمسه الشر، يتألم للذعته، ويجزع لوقعه، ويحسب أنّ الشر دائمٌ لا كاشف له. فلا يتصور إنّ هناك فرجاً ولا يتوقع من الله تغييراً. ومن ثم يأكله الجزع ويمزِّقه الهلع لأنّه يشعر أنّه لا يأوي إلى ركن ركين يشدُّ من عزمه ويعلّق به رجاءه وأمله. وإذا أصابه الخير من مال وجاه وسلطان يمنع هذا الخير عن الناس. يحسب أنّ هذا الخير من كدّه وكسبه، فيحتجز هذا الخير لنفسه ويصبح مع الأيام أسير ما ملك. فهو هلوعٌ في الحالتين: هلوعٌ في الشر، هلوعٌ في الخير خوفاً من أن يفقده.

هذه هي صورة الإنسان الذي يخلو قلبه من الإيمان. إنّ الإيمان مسألةٌ ضخمة في حياة الإنسان لا كلمة تُقال باللسان ولا شعائر تعبِّدية تقام.

إنّ القلب حين يعمر بالإيمان يتصل دائماً بالله، فيطمئن الإنسان فيه إلى قدر الله ويشعر برحمته، ويرضى بابتلائه ويتطلع دائماً إلى فرجه. فإذا رُزق بالخير علم أنّ هذا الخير من الله، وأنّه إذا أنفق فإنما ينفق مما رزقه الله وإنّه مجزي على ما انفق في سبيل الله معوَّض عنه في الدنيا والآخرة. فالإيمان كسب في الدنيا يتحقق قبل جزاء الآخرة، يتحقق بالراحة والطمأنينة والثبات والاستقرار طوال رحلة الحياة الدنيا. (إِنَّ الإنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ).

والصلاة فوق أنّها ركنُ الإسلام وعلامة الإيمان هي وسيلة الاتصال بالله ومظهر العبودية الخالصة التي يتّجه فيها العبد لله سبحانه وتعالى. وهي صلاة لا يقطعها الترك والإهمال والكسل هي صلة بالله غير منقطعة. وقد كان رسول الله (ص) إذا عمل شيئاً من العبادة اثبته أي داوم عليه وكان يقول (ص): "وإنّ أحب الأعمال إلى الله تعالى ما دام وإن قل". فليست الصلاة لعبة توصل أو تقطع حسب المزاج. (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) (المعارج/ 24-25). هؤلاء المؤمنون الذين يداومون على صلواتهم ويطمئنون فيها. يعلمون أنّ الله سبحانه وتعالى حقاً معلوماً قدره الله سبحانه وتعالى إنّهم يجعلون في أموالهم نصيباً معلوماً يشعرون أنّه حقّ للسائل والمحروم.

والسائل هو الذي يسأل. والمحروم هو الذي لا يسأل ولا يعبّر عن حاجته فيحرم وهو الذي نزلت به النوازل فحرم الخير الذي كان عنده وعف عن السؤال.

إنّ شعور المسلم أنّ للمحتاجين والمحرومين حقاً في أمواله هو شعور بفضل الله من جهة، وشعوره بواجبه نحو المجتمع من جهة أخرى (وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ) (المعارج/ 26).

والتصديق بيوم الدين شطر الإيمان وهو ذو أثر بالغ في حياة الإنسان. فالمصدِّق بيوم الدين يعمل وهو ناظر إلى ميزان الله لا إلى ميزان البشر. يعمل لحساب الآخرة ولا يقصُر اهتمامه بحساب الدنيا. يتقبل الأحداث خيرها وشرها وهو يحسب أنّ ما يراه مقدمة للنتائج التي سيتلقاها يوم القيامة.

أما المكذِّب بيوم الدين فهو يحسب كلّ شيء بحسب ما يحصل في هذه الحياة القصيرة المحدودة. والمكذِّب بالدين يتحرك في حدود هذه الأرض وحدود هذا العمر. ومن ثم ينتهي إلى نتائج خاطئة وهو بائس معذّب مسكين قلق فهو يشقى ويشقي من حوله فلا تستقيم له حياة. لذلك كان الإيمان باليوم الآخر مبعثاً للراحة والطمأنينة (وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ) (المعارج/ 27-28)، والمؤمن فوق ذلك كلّه يشعر برقابة الله سبحانه وتعالى عليه ويشعر بتقصيره تجاه الله تعالى.

لقد كان رسول الله (ص) -وهو من هو عند الله، وهو يعرف أنّ الله قد اصطفاه ورعاه- كان (ص) دائم الشكر لله دائم الخوف من عذاب الله. كان على يقين إنّ عمله لا يعصمه ولا يدخله الجنة إلّا بفضل من الله ورحمة منه. قال (ص) مرة لأصحابه: "لن يدخل الجنة أحداً عمله"، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: "ولا أنا إلّا أن يتغمَّدني الله برحمته".

وفي قوله تعالى: (إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ) يدل على حساسية المؤمن الدائمة التي لا تغفل لحظة. فقد تقع موجبات العذاب في لحظة الغفلة فيحقق العذاب والعياذ بالله. والله سبحانه وتعالى يوجه الناس إلى هذه اليقظة وهذه الحساسية، فإذا غلبهم ضعفهم فرحمته واسعة ومغفرته حاضرة. إذ أنّ باب التوبة مفتوح، ليست عليه مغاليق. فالقلب الموصول بالله يحذر ويرجو ويخاف وهو مطمئن لرحمة الله على كلّ حال.►

ارسال التعليق

Top