• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الطفل ومهارة اتخاذ القرار الصحيح

الطفل ومهارة اتخاذ القرار الصحيح

كلّ يوم يتخذ الطفل العديد من القرارات، بعضها غير منطقي، والبعض الآخر له تأثير كبير. عندما يكون الطفل صغيراً، تتمحور قراراته حول أمور شخصية، ولكن، عندما يكبر، يمكن أن يكون لقراراته تأثير في سلامته وأسلوب حياته.

إنّ ارتكاب الحماقات جزء من "عمل" الطفل الصغير. واتخاذ القرارات الخطأ يمهد الطريق إلى النضوج. ولكنها تصبح مشكلة، إذا استمر الطفل على النهج نفسه. وهذا يحدث، عادة، عندما لا تتحمل الأُم مسؤولية هذه القرارات، بل على العكس، تسارع إلى إنقاذ طفلها من نتائج الحماقة التي ارتكبها. مثل هذا الطفل يتعلّم أنّه غير مسؤول عن قراراته، وأن في إمكانه الاستمرار في ارتكاب الحماقات من دون خوف من التبعات.

على الأُم أن تشجع الطفل على اتِّخاذ قراره بنفسه تدريجياً بالاستناد إلى عمره ودرجة نضجه، إذ من الخطر إعطاء طفل صغير الحرية الكاملة في اتخاذ قراراته بنفسه.

 

على دفعات:

تستطيع الأُم البدء في تعليم الطفل هذه المهارة من خلال جرعات صغيرة وعلى دفعات، بغض النظر عن عمره. مثلاً، من غير المنطقي أن تصطحب الأُم طفلها إلى متجر الألعاب، وتطلب منه انتقاء ما يعجبه منها، لأنّه سيرتبك من كثرة الخيارات المعروضة، ويقف مشلولاً أمامها ومتردداً، أو قد يرغب في الحصول على كلّ ما في المتجر من ألعاب. الأنسب، أن تخيّره بين ثلاث أو أربع ألعاب: سيارة كبيرة، قطار، ألعاب الأحاجي... إلخ، وأن تترك له حرية اختيار لعبة واحدة من بينها.

كلما تقدّم الطفل في العمر، تستطيع الأُم أن تتوسع أكثر في الخيارات التي تطرحها عليه، وأن تبيّن له أهمية قراراته. على سبيل المثال، أن تترك له اختيار الأنشطة التي يحب أن يشارك فيها، أو متى يحب أن يذهب إلى النوم ليلاً. على أن تناقش طفلها في كل قرار يتخذه، لتجعله يدرك إن كان قراره صحيحاً أم خطأ، وأنّه المسؤول عن تبعات قراراته. بالطبع، عليها أن تحتفظ بحق النقض لاستخدامه عند الحاجة، ولكن، ينبغي أن تستخدمه بحكمة.

 

أسباب تعليم الطفل اتِّخاذ القرار:

إنّ اتخاذ القرارات من المهارات المهمة، والأكثر حاجة إلى التطوير، لأنّ القرارات التي يتخذها الطفل تحدد مسار حياته في المستقبل. وتعليم الطفل اتخاذ قرارته بنفسه يساعده على أن يكون أكثر استقلالية وتحملاً للمسؤولية وثقة في النفس. إذا كان قراره سيئاً، قد يعاني تبعاته، ولكنه قد يستفيد من التجربة، ويتجه نحو اتخاذ قرارات أفضل في المستقبل. ومع أنّ الطفل لن يصبح قادراً على اتِّخاذ القرارات بين ليلة وضحاها، لكن، في إمكان الأُم مساعدته في عقلنة قراراته، من خلال التعلُّم من قرارات سبق أن اتخذها، سواء إيجابية كانت أم سلبية أم بين بين. وفي ما يلي بعض من الأسباب التي تُوجب تعليم الطفل اتخاذ قراراته بنفسه:

·      تطوير حس المسؤولية، والقدرة على اتخاذ الخيار الجيِّد: بالطبع، لن يبقى الطفل تحت إشراف وتوجيه الأُم إلى الأبد. في مرحلة ما يجب أن يرسم طريقه بنفسه، ويبني حياة خاصة به. إنّ السماح للطفل باتخاذ قرارات صغيرة من مثل، ماذا يأكل، أو يلبس، مع من يلعب ومتى... إلخ، يفسح له المجال ليكتسب المعرفة والخبرة، وعلى أساسهما يستطيع اتخاذ قرارات أكثر أهمية فيما بعد.

·      بناء الثقة: إنّ الطفل الذي لا يسمح له باتخاذ قرارات صغيرة في المراحل الأولى من حياته، يشعر بأنّه لا يستطيع اتخاذ قرارات مهمة في الحياة فيما بعد. والطفل الذي لا يُقدم على فعل أي شيء إلّا بأمر الأُم، يسهل على الآخرين السيطرة عليه، وربما يشعر فيما بعد بالاستياء أو الغضب من القرارات التي تُؤخذ بدلاً عنه. إنّ الطفل الذي لا يملك الخبرة والثقة في اتّخاذ قرار ما، ربما يجنح إلى اتخاذ قرارات سيئة مبنية على أساس الشعور بالغضب، أو الاستياء، أو قلة المعلومات والخبرة.

·      تسهيل السلوك الإيجابي: تستطيع الأُم الحد من المشاكل التي يمكن أن يواجهها الطفل عندما تسمح له باختيار ما يحب هو أن يفعل، من بين عدة خيارات تطرحها عليه. إن فسح المجال أمام الطفل لاتخاذ القرارات الصغيرة، يعطيه الإحساس بالتحكم في حياته، ويعزز من الصفات الإيجابية التي من شأنها أن تمهد له الانتقال إلى مرحلة البلوغ، وهو مزود بالخبرة اللازمة.

·      مساعدة الطفل على تعلم مهارة اتخاذ القرار: مثل أي مهارة أخرى، تحتاج مهارة اتخاذ القرار إلى وقت. هناك خطوات، إذا اتُبعت، تعطي الطفل الوسائل التي يمكن أن يستخدمها عن اتخاذ قرار بنفسه. منها:

·      إعطاء الأسباب: قبل أن تبدأ الأُم تعليم طفلها اتخاذ قراراته بنفسه، عليها أن تحدّثه عن السلوك المقبول وغير المقبول، ولماذا. مثلاً، عندما يبدأ الطفل في الزحف، يجد أشياء صغيرة على الأرض، وغالباً ما يلتقطها ويضعها في فمه. إذا رأته الأُم، عليها ألا تكتفي بقول "لا، لا"، بل عليها أن تضيف: "لا تضعها في فمك وإلا ستختنق". حتى إن كان الطفل صغيراً جدّاً على فهم ما تعني الأُم، يبدأ في إدراك أن هناك عواقب لتصرفه. الأطفال الأكبر سناً لا يحبون سماع الأسباب التي تدفع الأُم لعدم الموافقة على قراراتهم، لكنهم يستمعون لها ويفكرون فيها في العادة.

·      إطلاق صفات على القرارات: عند الحديث عن قرارات الطفل، تستطيع الأُم إطلاق صفات عليها من مثل، فكرة جيدة أو فكرة سيئة، أو قرار حكيم أو قرار هزيل. مثل هذه الكلمات تشجع الطفل على البدء في تقييم خياراته، والتفكير في التبعات.

·      مناقشة الطفل: عندما يتخذ الطفل قراراً بشأن أمر ما، على الأُم أن تناقشه معه، وأن تقر بقدرته على التفكير والتوصل إلى استنتاج، وأن تبيّن له أسباب اتفاقها أو اختلافها مع قراره. مثلاً، "اتفق مع قرارك لأن..."، أو "لا أستطيع أو أوافق على قرارك لأن...". في إمكانها أن تقدم للطفل خيارات كانت غائبة عن ذهنه. يحب الطفل اتخاذ قرارات جيدة، لكنه لا يملك الخبرة لتكون قراراته الأفضل دائماً، فإذا لم يتخذ قراراً جيداً على الأُم أن توجهه نحو الأفضل من دون أن تحكم على قدراته.

·      ترك الطفل يحاول: ما إن يتخذ الطفل قراره فعلى الأُم أن تسمح له بتجربته، ما لم يكن ضاراً له أو للآخرين، لأنّه بذلك يختبر تبعات قراره، وهذا يساعده في عملية صنع القرارات في المستقبل. إذا كانت نتائج قرار الطفل إيجابية، على الأم أن تعرب عن فرحتها بقراره الصائب، أما إذا لم تكن إيجابية، كما كانت تأمل، فعليها أن تكون متفهمة. وعليها أن تساعده ليتوصل إلى معرفة لماذا لم يكن قراره على المستوى المطلوب، وكيف يقرر في المرات المقبلة.

·      تقديم المثال: عندما تكون الأُم حائرة بين شيئين، مثلاً، تنظيف المنزل والذهاب إلى السوق، في إمكانها أن تفكر بصوت عال أمام الطفل، وتناقش إيجابيات وسلبيات كل خيار معه، وتقارنها مع بعضها بعضاً، وأن تحدّثه عن أي شيء آخر، من شأنه أن يساعد في الوصول إلى قرار. مثلاً، إذا كانت الأُم حائرة بشأن الهدية التي يمكن تقديمها للجدة، بمناسبة عيد ميلادها، في إمكانها أن تتحدث مع طفلها عن أسعار الهدايا، وعن هوايات الجدة المفضّلة، وعن الهدية التي يمكن أن تفضّلها على غيرها من الهدايا، ثمّ تقرر ماذا تشتري لها. إنّ السماح للطفل بالاطلاع على كيفية توصل الأُم إلى الاستنتاج، يساعده على فهم الجهد المطلوب للوصول إلى القرار، ويعطيه فكرة عما يجب عمله عند اتخاذ قرار ما بنفسه.

·      الحد من الخيارات: إذا أعطت الأُم الطفل كتيباً صغيراً، يضم صوراً لقوالب كعك خاصة بأعياد الميلاد، وطلبت منه اختيار واحد من بينها لعيد ميلاده، ستلحظ أنّه ضاع وسط الخيارات المعروضة، ولم يتمكن من التوصل إلى قرار. فكل الأبحاث تدل أنّه عندما يكون لدينا خيارات عديدة، نضيع وسط الكم الهائل من المعروض، ونتردد في المفاضلة بينها. من هنا، يفترض أن تحصر الأُم الخيارات في أقل عدد ممكن، ثمّ تترك الطفل ليختار من بينها. الأطفال في حاجة إلى ممارسة تجارب عديدة حتى يصبحوا صناع قرار جيدين، وعلى الأُم مساعدتهم في هذا المجال. وعلى الأُم أن تتجنّب، كلياً، الاعتراض على قرار الطفل (يمكنها مناقشة القرار إذا شعرت بأنّه غير مناسب)، لأنّ الاعتراض يشعر الطفل بأنّه لا يملك، فعلاً، حق اتخاذ القرار بنفسه، وأن قراراته ليست صحيحة، الأمر الذي يقلل من ثقته في نفسه، ويجعله يتردد في اتخاذ القرارات.

·      تقدير حجم القرار: في الغالب، عندما يحاول الطفل اتخاذ قرار بشان أمر ما يرتبك، لأنّه يعتقد أن كلَّ قرار أمر عظيم. إنّ مساعدة الطفل على إدراك مستويات القرارات المختلفة، يمكن أن يخفّف من ارتباكه وقلقه، ويوفر عليه وعلى الأُم الكثير من الوقت. مثلاً، على الأُم أن تشرح لطفلها أنّ القرارات الصغيرة، من مثل تقرير نوع الوجبة الخفيفة، التي يحب أن يأخذها معه إلى المدرسة، لا تحتاج إلى كثير من التفكير، لذا، يمكن اتخاذ قرار أخذها بسرعة. والقرارات المتوسطة، مثل، أي كتاب يحب أن يقرأ عند النوم، تحتاج إلى وقت أطول من التفكير قبل اتخاذها. أما القرارات الكبرى، والأكثر أهمية، من مثل، النشاط الرياضي الذي يحب أن يشارك فيه، تتطلب المزيد من الوقت والدراسة قبل اتخاذها. لذا، عندما يشعر الطفل بالارتباك في المرات المقبلة، حين تطلب منه الأُم اختيار لعبة من متجر الألعاب، عليها أن تذكّره بأنّه قرار صغير، ومن غير المفترض أن يشعر بالارتباك حياله.

·      السماح للطفل باتخاذ قرارات سيئة: بالطبع، كلّ أم تعرف نتيجة أخذ الطفل كل مصروفه الأسبوعي معه إلى المدرسة. ولكن، إذا أصر على أخذه حتى بعدما حذرته الأم من احتمال فقدانه كله، عليها أن تأذن له بأخذه طالما أنّ القرار لا يؤثّر لا في صحة الطفل، ولا في سلامته. عندما يعود الطفل إلى المنزل، وهو يبكي، لأنّه أضاع مصروفه أثناء اللعب، على الاُم أن تذكّره بأنّه هو الذي أصر على قراره، لذا عليه أن يتحمّل نتيجته. تلعب القرارات السيئة دوراً مهماً في جعل الطفل صانع قرار جيداً، إذا تمت معالجتها بطريقة صحيحة. بالتأكيد، ينبغي أن يتحمّل الطفل مسؤولية قراره. ولكن، على الأُم أن تساعده على أن يكتشف لماذا يعتبر قراره سيئاً، وأن تحرص على أن يدرك خطأه، حتى لا يخطئ في اتخاذ القرار في المرات المقبلة.

تعليقات

  • 2022-03-07

    A. M

    شكراً

ارسال التعليق

Top