• ٧ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٥ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الاختيار الصائب

عمار كاظم

الاختيار الصائب

◄مسؤولية الاختيار:

أصول وقواعد الاختيار الصائب السليم هو خلاصة ورشحات لتجاربنا الحياتية، فلقد اختار البعض منّا فأحسن الاختيار، فكانت تجربته الاختيارية درساً لغيره من العقلاء، واختار البعض فأساء الاختيار، فكانت تجاربه من الاختيار أيضاً درساً للعقلاء. إنّ مسؤولية الاختيار عاصم من العواصم التي تقيك الوقوع في المنزلق، فالذي يشعر أنّه سيحاسب من قبل نفسه ومن قبل مجتمعه ومحيطه على اعتبار "كلّكم راع، وكلّكم مسؤول عن رعيته" ومن قبل الله تعالى باعتبار محكمته الكبرى يوم الحساب لابدّ أن يعدّ للعشرة أو أكثر من العشرة حتى يُقْدِم على اختياره. لا تجعل الآخرين يقومون بالاختيار عنك ما دمت حيّاً ومسؤولاً وصاحب عقل راجح وإرادة كاملة وتحترم نفسك باختيار الأفضل ولا ينبغي الخلط بين استشارة الآخرين واستخراج الرأي معهم وتنقيح الأفكار التي لديك على ضوء ملاحظاتهم وبين إيصال الأمر إليهم كلّياً.

 

اختيار الأحسن:

وكلما كان الإنسان مؤمناً بالقيم الأخلاقية أكثر يرجّح اختياره للأفضل، حيث يوازن بين ما تتطلّبه القيمة، وبين ما يفرضه الواقع أو تمليه النفس أو ما يضغط به الآخرون فيندفع الإنسان نحو اختياره بدافع القيمة وبذلك يختار الأحسن والأصلح. تجد دائماً مَن يقلّل من قيمة الإنسان أو قيمة اختياره ويهزؤون ويسخرون به حسداً من عند أنفسم أو جهلاً بقيمة الاختيار أو لعجزهم أن يصلوا إلى مستوى الاختيار أو لأنّ اختيارهم يعاكس اختيار الآخرين. اختيار الأحسن في شؤون الحياة كلّها أدب من الله تعالى نتأدّب به وخُلُق عظيم من أخلاقه نتخلق به (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا) (هود/ 7)، علّمنا الله تعالى – الذي أتقن وأحسن صُنع كلّ شيء – أن نختار الأحسن، أن نختار أحسن الأعمال وأصوبها، أن نختار أحسن العبادات، وأن نختار أحسن التحية، أن نختار القول الأحسن من حيث المحتوى والبيان ومن حيث التلازم بين مكارم الأخلاق والأساليب الإنسانية، وأن تختار المجادلة بالأحسن التي يحكمها الحقّ والعدل والصحّة والأمانة والصدق والخالية من الإهانات والتحقير والمغالطات والمحافظة على كلّ الأبعاد الإنسانية السليمة عند الحوار والتعايش والمناظرة، والدفع بالتي هي أحسن ودفع الباطل بالحقّ والجهل والخشونة بالحلم والمداراة ومقابلة الإساءة بالإحسان، فلا تردّ الإساءة بالإساءة، والقبح بالقبح، فالدفع بالتي هي أحسن يزيل الأحقاد والعداوات ليترك مكانها الحب والمودّة.

 

العقل والاختيار الحرّ:

فالاختيارات المتعجِّلة المتسرِّعة غير المدروسة بعناية تؤدّي إلى الهلاك وللوصول إلى الخيار السليم لابدّ من الاستعانة بوسائل الاختيار التي أعطانا الله تبارك وتعالى وجهّزنا بها، فالعقل ناصح أمين ومرشد مخلص إلى فعل الحسن والكفّ عن القبيح، والبصر نافذة من النوافذ التي تطلّ على العقل والسمع، نافذة أخرى يرفد العقل بما يعنيه من معلومات متوفّرة ودلائل تمكِّنه من اتّخاذ قراره بشكلٍ صائب. وعليه لابدّ للإنسان أن يكون صريحاً مع نفسه في اختياراته ويطرح عليها أسئلة، هل اختياري هذا هو اختياري حرّ فعلاً أم إنّه استجابة لمؤثِّر أو ضاغط خارجي؟ هل أقوم بمحض إرادتي أم إنّني أفعله خجلاً من البعض؟ هل هو فعل أم ردة فعل؟ لو تأمّلنا في اختياراتنا لرأينا أنّها واقعة في كثيرٍ من الأحيان تحت مؤثّرات حبّ المال أو التقليد أو الموضة أو السُّمعة أو اللّقب أو القرابة والعشائرية أو الاستجابة إلى نداء الدعاية والإعلان أو الحزبية أو العصبية. فقد سُئِل الإمام عليّ (ع): أيُّ الناس أثبتُ رأياً، فقال (ع): "مَن لم يغيّره الناس من نفسه، ولم تغرّه الدنيا بتشويقاتها".►

 

المصدر: كتاب مفاهيمُ خيرٍ وصلاح

ارسال التعليق

Top