• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

أعاجيب الشاي الأخضر

درويش مصطفى

أعاجيب الشاي الأخضر
   الشاي شجرة صغيرة اسمها العلمي Camellia Sinensis تتبع الفصيلة الكاميلية. وأوراقها رمحية جلدية ذات حواف مسننة وتحتوي على غدد زيتية، أما أزهارها فهي بيضاء أو قرمزية تتطور إلى علبية في كل منها ثلاث بذور بحجم حبة البندق، أما الجزء المستعمل منها فهو الأوراق. ويعتقد أنّ الموطن الأصلي لشجرة الشاي هو جنوب شرق آسيا وخاصة الصين. وتحتوي أوراق الشاي الأخضر على عدد من الفيتامينات هي مجموعة الفيتامينات (ب) و(ك)، و(د)، والكاروتينات طلائع فيتامين (أ) وفيتامين (هـ) وفيتامين (ج) وتعادل كمية هذا الفيتامين في ملعقة صغيرة من أوراق الشاي الأخضر الجاف كميته في برتقالة متوسطة الحجم، أما أهم العناصر المعدنية المتوافرة في الشاي الأخضر فهي الكالسيوم والبوتاسيوم والمغنيسيوم والحديد والنحاس والزنك والفلور والسلينيوم والاسترونتيم. ويوجد في الشاي الأخضر عشرون حمضاً أمينياً من أهمها ثلاثة أحماض هي الثينانين Theanine الذي لا يوجد إلى في الشاي وله دور في رفع كفاءة الأدوية المضادة للسرطان، والحمض الأميني: Butylated Hydroxyanisole الذي يمنع تصلب الشرايين، والحمض الأميني r- Amino Butyric acid الذي يخفض الضغط الشرياني المرتفع.  

 - الكاتشينات:

تعود الأهمية الطبية للشاي الأخضر إلى احتوائه على البليفينولات Polyphenols التي تشتمل على المواد التالية: -        ابيكاتشين Epicatechin = EC -        ابيكاتشين جاليت Epicatechin gallate = ECG -        ابيجالو كاتشين Epigallocatechin = EGC -        ابيجالو كاتشين جاليت Epigallocatechin gallate = EGCG ولهذه المركبات التي تسمى كاتشينات Catechins مفعول مضاد للأكسدة Antioxidant والمقصود بذلك هو أن هذه المركبات وغيرها أمثال فيتامين (ج) وفيتامين (هـ) والبيتاكاروتين والسلينيوم والزنك ومساعد الأنزيم (10/Q) تحمي الحمض النووي DNA من تأثير المواد المسرطنة والشقوق الحرة Free Radicals، وقد وجد أنّ المركب EGCG أقوى بمائة مرة في مقاومة التأكسد من فيتامين (ج)، وأقوى بخمس وعشرين مرة من فيتامين (هـ). ويعتقد بعض العلماء أنّ البوليفينولات الموجودة بالشاي تمنع أيضاً تشكيل النيتروزامينات المسرطنة وتحيد فعالية المواد المسرطنة الأخرى وذلك من خلال الحيلولة دون وصول هذه المواد إلى مستقبلاتها في الخلية، ومن ناحية أخرى تعمل البوليفينولات وبالتحديد الأبيجالو كاتشين جاليت EGCG على تنظيم وضبط عمل الأنزيم Ornithine Decarboxylase = ODC المسؤول عن تكاثر الخلايا السليمة بشكل عام والمصابة بالسرطان بشكل خاص وبناء على ذلك فإن وجود عوامل مثبطة لهذا الأنزيم يؤدي إلى وقف نمو الورم السرطاني ومنع تحول الخلايا السليمة إلى خلايا سرطانية. وقد اكتشف أخيراً أنّ الكاتشينات تثبط أيضاً عمل الأنزيم الأروكاينيز Urokinase المسؤول المباشر عن نمو وتكاثر الخلايا السرطانية. وقد استطاع العلماء التعرف على آلية عمل مضادات الأكسدة ومضادات السرطان سابقة الذكر بعد إجراء مئات التجارب العلمية والمخبرية والسريرية ومن خلال عدد كبير من الملاحظات والدراسات الميدانية نذكر منها ما يلي: - وجد الباحثون في جامعة أوهايو أنّ المركب EGCG يقضي على الخلايا السرطانية الموجودة في أنسجة بشرية مأخوذة من الجلد والجهاز الليمفاوي والبروستات دون إلحاق أدنى أذى بالخلايا السليمة. - قام باحثون من الأكاديمية الصينية الطبية بحقن فئران لها استعداد أكيد للإصابة بسرطان الجلد بالكاتشينات وقد وجدوا أن إصابة هذه الفئران بالسرطان لم تتحقق. - جرى تعريض مجموعتين من الفئران إلى العناصر المسرطنة الموجودة في تبغ السجائر تحت ظروف مخبرية متشابهة تماماً لكن أضيف إلى علف إحدى المجموعتين خلاصة الشاي الأخضر فكانت النتيجة انخفاض نسبة الإصابة بالسرطان بمعدل 45% عند الفئران التي احتوى علفها على خلاصة الشاي الأخضر. - لاحظ الباحثون في اليابان أن نسبة سكان مدينة شيزوكا Shizuoka بالسرطان منخفضة جدّاً مقارنة مع باقي المدن اليابانية وقد فسر الباحثون ذلك على أساس أن سكان هذه المدينة يكثرون من شرب الشاي الأخضر ويضيفون خلاصته إلى معاجين الأسنان، والعلكة والشامبو والمشروبات الأخرى. - نشر المعهد الوطني الصيني للسرطان في شنغهاي Shanghai بحثاً جاء فيه أنّ الأشخاص الذين يشربون كوباً من الشاي الأخضر أسبوعياً لمدة ستة أشهر أو أكثر هم أقل إصابة بسرطان المرئ من الأشخاص الذين لا يشربونه. - بعد إجراء دراسة إحصائية وجد الباحثون في اليابان أن نسبة إصابة المدخنين اليابانيين بسرطان الرئة هي أقل بكثير استهلاكاً المدخنين الأمريكيين مع أنّ اليابانيين أكثر استهلاكاً للسجائر من الأمريكيين. ويعتقد الباحثون أن تناول اليابانيين مقادير كبيرة من الأسماك والشاي الأخضر من أهم الأسباب التي تقيهم من الإصابة بهذا النوع من السرطان. - جاء في دراسة أجراها الباحث إيمي Imai. K وزملاؤه من مركز أبحاث السرطان سيتاما Saitama نشرتها مجلة سانكل Sankel في مارس عام 1996 أنّ الأشخاص الذين يشربون الشاي الأخضر هم أقل تعرضاً لسرطان الرئة بمعدل 64% ولسرطان الأمعاء الغليظة بمعدل 50% ولسرطان المعدة بمعدل 20%. وهنالك دراسات وأبحاث أخرى تتناول هذا الموضوع لكن لا تتسع صفحات هذا المقال لذكرها، كما تجرى حالياً مئات الأبحاث والدراسات التي ستظهر نتائجها مع بداية هذا القرن. ويسود التفاؤل جميع الأوساط العلمية والطبية في الوصول إلى معرفة كاملة لدور مركبات الشاي الأخضر في معالجة مرض السرطان والوقاية منه. وعلى كل حال لا يشكل تناول الشاي الأخضر أي خسارة للشاربين فهو إن لم يشف من أمراض السرطان أن يقي منها فإنّه يفيد في علاج عدد كبير من الأمراض الخطيرة الأخرى مثل أمراض القلب والشرايين وارتفاع كولسترول الدم، والقرحة والفشل الكلوي وهشاشة العظام ويحمي الدماغ من الجلطات وغيرها من الأمراض. وقد يكفي للتدليل على فوائد الشاي الأخضر العديدة أن نلاحظ الحالة الصحية المميزة لدى الشعوب التي تتناول الشاي الأخضر بكميات كبيرة وباستمرار.   - الأسود والأخضر: اعتادت معظم الشعوب على تناول الشاي الأسود لمذاقه الطيب ولونه المحبب، وهم بذلك يخسرون معظم الفوائد الغذائية والطبية المتوافرة في الشاي الأخضر، وذلك لأن عملية تخمير أوراق الشاي الأخضر لتحويلها إلى الشاي الأسود تسبب أكسدة الكاتشينات وتلف معظم الفيتامينات وتكون مواد جديدة أقل منفعة وأكثر ضرراً، فعلى سبيل المثال ترتفع نسبة الكافئين في الشاي الأسود إلى أكثر من 63.5% وتنخفض فعالية وتأثير الكاتشينات بنسبة 90%.   - التحضير والتناول: من أجل تحقيق الحد الأقصى من الفائدة الطبية والغذائية المرجوة من الشاي الأخضر يجب الامتناع عن غليه، بل ينبغي تسخين الماء حتى درجة الغليان ثمّ إضافة الشاي الأخضر الجاف بمعدل ملعقة صغيرة لكل كوب وتركه منقوعاً مدة (3-5) دقائق. وينصح المتخصصون بتناول (6-10) أكواب يومياً لمعالجة الأمراض سابقة الذكر، ويكفي تناول كوب أو كوبين يومياً للوقاية من الأمراض خصوصاً الجلطات الدموية. وجدير بالذكر أن إضافة الحليب إلى الشاي الأخضر يؤدي إلى إبطال فعالية الكاتشينات وذلك بسبب تشكل مركبات جديدة غير قابلة للامتصاص في الأمعاء. وبعد هذا العرض السريع لأهم فوائد الشاي الأخضر وتأثيراته لابدّ من التأكيد على ضرورة إجراء المزيد من الأبحاث والدراسات على الأغذية والأشربة التي اعتاد الناس تناولها تلك التي لم يعتادوها فعسى أن يكتشف العلم فيها ما يشفي مرضاً أو يسد حاجة غذائية ملحة، ومن يدري فقد تحتوي بعض أعشاب بلادنا البرية أو ثمارها على مادة طبية فاعلة تضاهي أو تعادل قوة الشاي العلاجية.   * باحث بجامعة اليرموك – الأردن

ارسال التعليق

Top