اهتمَ الإسلام بالإنسان اهتماماً بالغاً، وظهر ذلك واضحاً جلياً في الاهتمام بكلّ مراحل حياة الإنسان، فاهتمّ الإسلام بالإنسان جنيناً ورضيعاً وصبياً وشاباً ورجلاً وشيخاً. ويُعدُّ الاهتمام بالإنسان في كلّ مراحل حياته وعمره من المعالم والسمات البارزة في أحكام الإسلام وتشريعاته ونُظمه. وقد كان هذا الاهتمام مُنبعثاً من اهتمام آخر، وهو الاهتمام بالطفولة والطفل؛ لأنّ الطفولة هي مرحلة الإنشاء والتأسيس للإنسان، فكان الاهتمام به طفلاً من أجلِّ صُوَر الرعاية والعناية به. ولم يكن الاهتمام بالطفولة والطفل في الإسلام وَليد تأثر بفكرٍ اجتماعي سابق أو معاصر لظهور الإسلام، ولم يكن أيضاً تطوّراً لنظريات ورُؤى فكرية تحاول التعامل مع مكونات التجمع البشري رجاء تحصيل أفضل ظروف معيشية له، بل جاء اهتمام الإسلام بالطفولة والطفل أنموذجاً فريداً مبهراً لكلّ مَن حوله.. فالطفل زينة الحياة الدُّنيا، وهدية الله على الوالدين، ومنحته لهما، وهو ثمرة الأُسرة وأملها في المستقبل، قال تعالى: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) (الكهف/ 46) وقد أولى الإسلام الطفل عناية فائقة منذ أن كان جنيناً في بطن أُمّه، وحتى يبلغ الرشد. فقد أوجبت له الشريعة الإسلامية السمحة عدّة حقوق تدل في مجملها على اهتمام الإسلام بهذا المخلوق لما له من دور في إعمار الأرض وبناء المجتمع.
إذن الطفل في الإسلام وديعة أودعها الله الأبوين؛ ولذا فعلى الأبوين أن يقوما بما يحفظ عليه سلامته وأمنه؛ لأنّه أمانة عندهما وهذا ما نجده ظاهراً في نصوص الكتاب والسنّة، فتارة يقرن مسؤولية حماية الوالدين لأنفُسهما بحماية الأهل بما فيه الأولاد فيقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) (التحريم/ 6). وتارة يؤكِّد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) على هذه المسؤولية بقوله: «كلّكم راع، وكلّكم مسؤول عن رعيته، فالرجل راع في بيته وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها».. فالإسلام يحمّل الوالدين مسؤولية حفظ الأولاد ويجعل هذه المسؤولية هي أساس مسؤوليات الآباء، وفي ذلك يقول (صلى الله عليه وآله وسلم): «إن الله سائل كلّ راع عمّا استرعاه، حَفِظَ أم ضَيَّعَ، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته». فمثل الحديث عن مسؤولية الوالدين عن الأبناء يرسم الصورة الصحيحة للعلاقة بين الوالد وولده وهي أنّ الولد عند والده أمانة سيُسأل عنها الوالد، وليس مُلكاً له يتصرّف فيه كيف يشاء.
تربية الطفل وبناء شخصيته وثقافته، هي من الأُمور المهمّة والملحّة، كذلك طريقة التعامل معه وفهمه في ظلّ المؤثّرات والعوامل الضاغطة من دخول التكنولوجيا في تفاصيل الحياة، وابتعاد الأزواج عن أولادهم جرّاء خروجهم إلى العمل، فهذه كلّها تفترض من الأهل اليوم مراجعة أوضاعهم، وتنظيم علاقاتهم مع أطفالهم، بالشكل الذي يحفظ استقرارهم النفسي، ويُشعرهم بالحنان والعاطفة والتفهُّم من الأهل، في ظلّ ما يُحكى عن الجفاء في العلاقات الأُسرية وحالات التفكّك الأُسري. لذا، على الأهل الاعتناء بالطفل والاهتمام به نفسياً وثقافياً، والتواصل معه، ومحاولة فهمه، والتفاعل معه عاطفياً، وتخصيص أوقات مُعيَّنة لقضائها معه. وعلى الأهل أن يعرفوا كيف يتعاملون مع الطفل، وأن يختاروا أسلوب التربية اللّيِّن والمرِن، والاستماع إلى الطفل ومعالجة مشاكله، ضمن أساليب تراعي عقله ووعيه، وليس الأهل فقط، فالمربّون في المدرسة أيضاً عليهم مسؤولية وواجب في رعاية مشاعر الطفل، والمساهمة بفاعلية في تنمية قدراته، عبر الاستماع أكثر إليه وتفهُّم حاجاته وهواجسه.. فالتربية وسيلة من وسائل بناء الشخصية الإنسانية لتحقيق أهداف الإنسان الكبرى في إطار الفهم الإسلامي.
فدور التربية إذاً، هو أن تؤسِّس التوازن في شخصية الإنسان بمختلف أبعادها الجسدية والنفسية والروحية والذهنية والاجتماعية، وأن تنمِّي معرفته بالنشاط الذي ينسجم مع مستواه الفكري، أو أن تزرع القيم والمفاهيم داخل شخصيته، بالمستوى الذي يتحوّل فيه الطفل إلى تجسيدٍ حيٍّ لتلك القيم، حيث تقوم تربيته على الصِّدق في شخص صادق، وتربيته على الأمانة في شخص أمين، وهكذا.. إنّ هدف التربية الأكبر إعطاء القيم وتجسيدها في الإنسان، ونقل القيم من عالم المفاهيم المجرَّدة إلى عالم الحركة الحياتية.. فلننتبه إلى أساليب تربية أطفالنا، وضرورة التعامل معهم بالشكل الذي يحصّنهم من الانحراف والأمراض النفسية، ولنربِّ فيهم الحسّ الإنساني والأخلاقي ليكونوا أصحّاء أقوياء.مقالات ذات صلة
ارسال التعليق