• ٢٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

بين الجهل والتعصُّب

كريم معتوق

بين الجهل والتعصُّب
 ◄كان الجهل مذموماً منذ عرف البشر المعرفة، وصار أكثر حين عرفت البشرية العلم، فأصبح عديم المعرفة جاهلاً، ومَن لا يعرف بالعلم جاهلاً. وقد حرصت الدول على مُحاربة الجهل، وحرص الآباء والأُمّهات على تعليم أولادهم خشية الدخول في نادي الجهل غير المحبَّب، وأصبحت كلمة "جاهل" شتمية منذ عرف البشر وسائل التقييم والتصنيف. وكان الجاهل نعمة في العصور السابقة عند المتسلطين والإقطاعيين. والكثير من الحروف نشأت برغبة عاقل، وكان وقودها الجهلاء من الرجال. والإعلام الآن يحاول أن يحارب الجهل، وقد نجح في ذلك كما نجحت وسائل الإتصال الحديثة، إلى أن وصلنا بالفعل إلى مقولة إنّ "العالم قرية صغيرة". وفي كل العصور كانت هناك فئة من الوصوليين تحرص على تنمية الجهل. ففي القرى، كان الجهل بأمور كثيرة، ومنها كان التعصب على مستوى القرية فقط، حين يتعصب أهل القرية لقريتهم. وما حدث أن ثورة المعلومات والإعلام حارَبَا الجهل. ولكن غياب الجهل لم يوقف ما كنّا نعتقد أن يحول بينه وبين التقدم، حيث حل محل الجهل التعصب الذي مارس دور الجهل ولكن بشكل أعنف. فأصحاب الأحزاب والطوائف والأعراق، أسهموا في إنضاج التعصّب، ودفعوا به إلى أقصى درجة، إلى أن وصل إلى الدور الذي كان يقدمه الجهل. ومن الجميل أن نذكر محاسن الجهل بأنّه قابل للحوار. فيُمكن مُحاورة الجاهل وتغيير مفاهيمه، وفي الإمكان الإنتقال به إلى خارج مقبرة الجهل ليكون مع الأحياء. أما المتعصب فإنّه قد تعلّم أول دروس التعصب، وهو ألا يستمع للآخر، وأن يلغي فكرة الحوار العقلاني والجدال بالأحسن، إلى مرحلة التمرس وراء أفكار فرضها عليه الحزب أو التنظيم وتعاليم الطائفية المقيتة. ومن المفارقات الواضحة أنّ الجهل كان يقيم في الأقاليم الفقيرة، والقرى البدائية، وكان الفقر هو الحاضنة للجهل. أمّا التعصب فإنّه يقيم في المدن الحديثة، والأكثر تطوراً في الأغلب من القرى، ويستخدم كل الوسائل الحديثة في حياته اليومية، ويعتبر الإعلام وسيلة لتحقيق المزيد من التعصب لفكرة يَجْتَرُّها في الغالب ولا يعرف معناها. ويمكن أن نقول إنّ الجهل كان مُسالماً لأنّه حالة فردية تخص كل جاهل على حدة، أما التعصب فوراءه قيادات مفكرة، ورجال أعمال مستفيدون، وآخرون منتفعون وبسطاء مغرر بهم، أي أنّ التعصب صوت جماعي له أهداف وغايات بعيدة، بينما الجهل صوت فردي منغلق على حاله. فما أحوج أمتنا العربية إلى عودة الجهل إليها مُبَاركاً ومُنزَّهاً عن كل أذى، وما أجمل ذلك الجهل الذي لم يعرف الموت الجماعي ولا العداء المتخلف بفكرة الإختلاف بتفسير آية أو حديث، أو النزاهة لطائفة أو عرق كما يصنع الآن التعصب بأمتنا.►

ارسال التعليق

Top